إن الوحدة الوطنية المصرية تعني في مفهومها الكلي انتماء منتسبي المحروسة لترابها، والولاء لمن يحميها، ويحافظ على مقدراتها؛ فتلك عاطفة جيَّاشة، يزداد نبتها يومًا تلو الأخر، تسهم في زيادة الرباط بين أطياف شعب مصر العظيم، وبين مؤسساته الوطنية، وقيادته الفتية، تدفع الجميع دون استثناء إلى أن يضحي من أجل بقاء الوطن، واستقراره، وأمنه، وأمانه، ونهضته، وإعماره .
والوحدة الوطنية تقوم فلسفتها على الاختيار، لا الإجبار، وتتغذى، وترتوي بالتماسك والترابط، والاتحاد من أجل غاية واضحة عليا تكمن في علو شأن مصر، ورفعة رايتها عالية خفاقة؛ فالجميع يصطف من خلفها، ويتحزّبُ من أجلها، ويقدم الغالي، والنفيس في سبيلها، والجميع إلى يوم القيامة على قلب رجل واحد، تحت مظلةٍ جامعةٍ، من وراء قيادة حكيمة، والكلُّ يلبي النداء من كل حدب، وصوب في شتى ربوعها.
وما يراه العالم بأسره من وفاق وطني مصري يؤكد لنا على أن الثقافة الوطنية لا يمكن أن تنال منها أجنداتٌ، أو تفتتها جماعاتٌ ضالة، أو تغزوها أفكار مستوردة، أو وافدة من دول مغرضة؛ فالجماعة المصرية الوطنية تراها ممتزجة يستحيل أن تفصل بين مكونها؛ فالدم واحد، والعقيدة الوطنية أصيلة المكون، والمكنون، وبلوغ غايات الوطن السامية لا يختلف عليها اثنان، بل يتكاتف من أجلها الجميعُ، سواءً في تفاعلات سياسية، أو اتحاداتٌ، وشركاتٌ، اقتصادية، أو تكافلات اجتماعية.
قد نرى تباينا في الأفكار، ونرصد تحزباتٍ لها أهدافٌ، ونشاهد جماعاتٍ له مبادئٌ؛ فلكل من ذلك خصوصية تحترم وتقدر؛ لكن ذلك كله يذوب في بوتقة المصلحة العليا؛ حيث إنها مُقدَّمة فوق الجميع، وبرضاهم، وبتأييدهم، ودعمهم، وكل سبل المساندة التي تجعل للمشهد المصري حالةً خاصةً، تبهر الجميع؛ فيبدو العدو حائرًا، والمتربص خاسرًا، ومن يحاول إسقاط الوطن سيكون مصيره الوهن، والضياع؛ إن مصر كونها تمتلك جيشًا هو الشعب، وشعبًا هو الجيش.؛ فذلك لأن مصر ملاذ المصريين، ومآلهم، ومأمنهم، ومستقبلهم دون مزايدةٍ.
وترى الوحدة الوطنية بين المصريين مسلمين، وأقباطا تقوم على المحبة، والتسامح والتآلف، والتآخي، ودروب الخير، والمشاركة في الفرح، والحزن، يجمعهم الواجب، وتقوية عزيمتهم، والتضافر من أجل مواجهة التحديات؛ فإن لديهم إيمان، وعقيدة راسخة بأن مصر محفوظة بإذن ربها لن ينال منها معتدٍ، ولا يقهرها ذو بطش، وقوة؛ فلديها أحرارٌ، لا يقبلون الضيمَ، ولا يخشون الوغى.
وميلاد السيد المسيح يستقبله المسلمون المصريون قبل الأقباط بالاحتفاء، والمعايدة، والتهنئة لبعضهم البعض؛ فالجميع يستشعر مناخ الوحدة الوطنية، التي تأسست على المساواة، والعدل المطلق؛ فهذا رئيس الدولة لم يسبق له أن تأخر عن أقباط مصر الأحباء؛ كي يقدم لهم التهنئة، ويشدُّ على أيديهم، ويؤكد على رباط المحبة، والشراكة في بناء الوطن، ونهضته للجميع؛ فمصر نسكن فيها، وتسكن هي في قلوبنا.
كما أن المسلمين، والأقباط دعاةُ سلم، وسلام، ودعاة بناء، وإعمار، وأصحاب تاريخ، وحضارة، ورسلهم، وأنبياؤهم، والرسالات التي تنزلت عليهم قد أكدت في مضامينها التعاون على البر، وتقوى رب العباد في القول، والعمل، وأمانة حفظ البلاد، والأعراض، ونبذ التطرف والإرهاب، والسعي، والجدُّ، والاجتهاد، والاتقان في العمل؛ كي تصبح البلادُ في مجدٍ تلو آخر، وفي عزة، ونصرٍ مستدامٍ.
إن الاحتفاء، والاحتفال بميلاد المسيح في مصرنا الحبيبة له مظاهرُ حميدةٌ، تؤكد في مجملها على قيمة المواطنة الصالحة التي يبدو من خلالها أن المصريين متحابون، محافظون على مقدرات وطنهم الغالي، حامين له، لا يقبلون، ولا يتقبلون كلَّ من يحاول فكَّ اللُحمةِ، والنيل من نسيج المحبة، والرباط؛ فما على أرض مصر من مقدراتٍ، ومقدساتٍ محفوظةٌ في عيون المصريين أقباطا، ومسلمين دون استثناء.
وميلادُ السيد المسيح – عليه السلام- يذكرنا جميعًا برسالته السامية، التي تحمل في طياتها المحبة، وتحض على التسامح، وترغب على فعل الخيرات، وترك المنكرات، وهجرانها، وتدعو للسلام، وتنهى عن العنف، وسفك الدماء، والجَور، والظلم، ولا تسمح بالتعدي المادي، أو المعنى؛ إن ما تحمله من تعاليم، وتعليمات، ومنهج للحياة يصعب حصره؛ لكن ما نؤكد عليه اتباع طريق الهداية، والبعد عن مداخل، وطرائق الشيطان؛ كي يفوزَ الإنسانُ برضا ربه، ويسكن جناته.
وفي خضم تلك الذكرى العطرة ندعو العالم بدوله، وقيادته، وشعوبه المتنازعة، والمتحاربة إلى وقف نزيف الدماء، وتضميد الجراح، وإنهاء الحروب التي عانى الضعفاء فقط من ويلاتها، ولنبدأ عامًا جديدًا يحمل السلم، والسلام، والأمن، والأمان، ويمهد لطريق مجد الإنسان، ويمكنه من تأدية الأمانة المتمثلة في إعمار المعمورة.
كل عامٍ والمصريين قيادة، وجيشًا، وشرطة، وشعبًا بخيرٍ، وفي أفضل حالٍ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر