المرأة هي النواة الأساسية في تكوين المجتمعات، فهي تمثل نصفه وتسهم بشكلٍ مباشر في تكوين النصف الآخر فهي ليست فقط رمزًا للقدرة والتحمل، بل هي نموذج للعزيمة والإصرار على تحقيق الأهداف مهما كانت التحديات كما تتسم المرأة بالقوة الداخلية التي تمكنها من تحمل المسؤوليات الجسيمة، ومواجهة الصعوبات بحكمةٍ وشجاعة، إنها عصب المجتمع ودعامةٌ أساسية له، وكل امرأةٍ تدرك مكامن قوتها وتثمن مهاراتها التي تجعلها قادرة على تحقيق المستحيل، سواء في حياتها الأسرية من خلال بناء أسرة قوية ومتماسكة، أو في حياتها العملية عبر تحقيق أحلامها المشروعة والإسهام في تنمية ونهضة مجتمعها؛ فالمرأة التي تعرف قوتها وتستغلها بإيجابية، تًمثل نموذجًا ملهمًا للجميع، فهي تبني أجيالًا تحمل القيم وتساهم في صنع مستقبلٍ أفضل.
ونستطيع أن نؤكد دون مبالغةٍ أو تحيز أن المرأة هي قلب المجتمع النابض وروح الحياة وجوهر الوجود، فهي منبع القوة والإلهام الذي لا ينضب هي التي تمنح الحياة معناها، وتزرع في القلوب بذور الأمل والمحبة، وتبني الأجيال بروح العطاء والحنان ويمتد دورها إلى كل جانب من جوانب الحياة، حيث تُسهم بفكرها وإبداعها وعملها في تأكيد القيم النبيلة وإثراء المجتمع فالمرأة ليست جزءًا من المجتمع؛ بل هي روحه التي تبعث فيه الحياة، وعقله الذي يخطط لمستقبله، ويده التي تبني وتُنمي وتُنجز، إنها رمز الصمود والتفاني، مصدر الإلهام الذي يدفعنا لتحقيق الأفضل دائمًا، وهي القوة الهادئة التي تقود التغيير، وترتقي بالمجتمع نحو غاياته السامية.
كما إن ارتباط نجاح الرجل وسعادته بوجود المرأة في حياته لا يُعتبر ضعفًا، بل هو تكاملٌ طبيعيٌ يعكس طبيعة العلاقة الإنسانية؛ فالمرأة، بفطنتها ورأيها السديد، تقدم الدعم والرؤية التي تساعد الرجل على خوض معارك الحياة بكل تحدياتها وفي ظل هذه العلاقة التكاملية، تبرز المرأة كمصدر للإلهام والتحفيز، فهي الحاضنة للمشاعر النبيلة، والمربية التي تُغرس في الأجيال القيم والمبادئ، والمعلمة التي ترسم معالم المستقبل، فهي هدية الله في أرضه والنور الذي يبدد ظلام الحياة، وهي الحنان الذي يخفف أعباء القلوب، والابتسامة التي تبعث الطمأنينة والسعادة ومعها، يكتمل الإعمار وترتقي الإنسانية.
وقد أثبتت المرأة المصرية على مر العصور قدرتها الفائقة على مواجهة التحديات، وتحقيق النجاح في مختلف المجالات، حيث كانت دائمًا على رأس الإنجازات العظيمة التي شكلت ملامح تاريخ هذا البلد العظيم فهي رمز الصمود، والتضحية، والإصرار، ولم تقتصر قوتها على المجال الاجتماعي فحسب، بل امتدت إلى كافة أبعاد الحياة السياسية، الاقتصادية، والثقافية ففي الحضارة الفرعونية، كانت المرأة المصرية تحظى بمكانة مرموقة، حيث شغلت مناصبًا قياديةً رفيعة، مثل الملكة مريت نيت أول ملكة حكمت مصر لعشر سنين، والملكة حتشبسوت، والملكة نفرتيتي التي كانت رمزًا للجمال والحكمة، وكانت هذه الملكات، بالإضافة إلى العديد من النساء اللواتي ساهمن في المجالات الدينية والثقافية، قدوة في الإدارة والحكمة، وأسهمن في إدارة الدولة، وتنمية قوتها الاقتصادية، وازدهار فنونها وثقافتها، كما لعبت المرأة في هذه الحقبة دورًا أساسيًا في الحفاظ على وحدة المجتمع، ورفاهية الأسرة، مما جعلها محورًا لا غنى عنه في بناء مجتمعٍ قوي ومستدام.
وفي العصر الحديث، استمرت المرأة المصرية في لعب دورها المحوري، حيث أظهرت قدرةً غير محدودةٍ على التأثير في شتى المجالات، فكانت المعلمة والطبيبة والمهندسة والسياسية، والجندية، جميعهن يُثبتن يومًا بعد يوم أن المرأة المصرية قادرة على تحدي المستحيل وبلوغ القمم، وها هي اليوم تشارك بفعاليةٍ في جميع ميادين الحياة، تساهم في نهضة المجتمع وبنائه، ومستمرة في سعيها لتحقيق المزيد من الإنجازات، ومن خلال نضالها المستمر من أجل التعليم، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، أثبتت المرأة المصرية أنها جزء لا يتجزأ من بناء المستقبل، وأن نجاح المجتمع لا يمكن أن يتحقق دون تمكينها من أداء دورها كاملاً، فهي التي تقود التغيير وتكون في الصفوف الأولى في المعركة من أجل حقوقها وحقوق الآخرين، وتظل متمسكة بتقاليدها وقيمها الأصيلة في مواجهة أي تحديات قد تواجهها.
فالمرأة ليست مجرد رمزٍ في التاريخ، بل هي جزء حيّ من الحاضر والمستقبل، تحمل في قلبها إيمانًا قويًا بحتمية التغيير نحو الأفضل، هي المحرك الأساسي لقطار التقدم في مصر، وعليها يُبنى الأمل لمستقبل مشرق وبناء مجتمع قوي ومستدام، فهي محورٌ رئيس في جهود بناء الجمهورية الجديدة، حيث شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في النظرة إلى دورها ومساهمتها الجادة في مختلف المجالات وتم تمكينها سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، مما انعكس إيجابيًا على تقديرها لذاتها وزيادة تمثيلها في المناصب القيادية وقد تم العمل على معالجة الفكر المجتمعي والموروث الثقافي الذي كان يحد من دورها، وفتحت أمامها الأبواب لإثبات جدارتها وإسهاماتها في مختلف الميادين، فهي القوة الناعمة الهادئة التي تقود التغيير، وترتقي بالمجتمع نحو غاياته السامية.
وكفل دستورنا المصري للمرأة حقوقًا متعددة وحماها بموادٍ قانونية واضحة، جعلتها شريكًا أصيلًا في مسيرة التنمية والبناء، فقد خصَّ المرأة بالعديد من المزايا والضمانات التي أتاحت لها فرصًا واسعة للمساهمة الفاعلة في كافة مناحي الحياة، من الاجتماعية إلى السياسية، ومن الاقتصادية إلى الثقافية، ومن الصحية إلى التعليمية والعسكرية والقضائية، وقد أزيلت كافة الحواجز التي كانت تحول دون مشاركتها الكاملة في بناء الجمهورية الجديدة، مما أسقط دعاوى التمييز التي طالما روج لها البعض.
وفي هذا الصدد أطلقت الدولة استراتيجيات وطنية التي هدفت إلى تمكين المرأة، ومن أبرزها الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التي تركز على محاور التمكين السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وقد أثبتت المرأة المصرية قدرتها على تحدي الصعاب ونجحت في تحقيق إنجازات كبيرة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، فارتفعت نسبة تمثيلها في البرلمان إلى أكثر من 28%، كما شهد السلك القضائي إنجازًا تاريخيًا بتعيين أكثر من 98 قاضية في مجلس الدولة، مما يعكس دورها الفاعل في اتخاذ القرار.
وأضحت المرأة اليوم لا تعرف حدودًا لطموحاتها، إذ تستمر في تقديم العطاء المتجدد سواء داخل الأسرة أو في ميدان العمل، بكل تفانٍ وإخلاص، وأصبح دورها واضحًا ومؤثرًا في تحقيق التنمية بمختلف أشكالها، حيث تسهم في تربية أجيالٍ واعية تحمل مشاعل التقدم وتحافظ على قيم المجتمع الأصيلة. كما أن المرأة تمثل حلقة وصل قوية في صيانة الأخلاق والتقاليد، وتعزيز الهوية القومية والانتماء الوطني.
ولا يفوتنا أن نسجل امتناننا للقيادة السياسية الحكيمة، التي أتاحت للمرأة فرصًا تاريخية، وأجرت تغييرات شاملة على مستوى كافة القطاعات التنموية؛ فبفضل رؤية القيادة، شهدت البلاد تطورات غير مسبوقة في مختلف المجالات وقد لعبت المرأة المصرية دورًا كبيرًا في هذه النهضة بفضل تعليمها المميز وخبراتها المتراكمة، التي أهلتها لتولي مناصب قيادية عليا؛ فهي مثال فريد للشموخ والصمود في مواجهة التحديات، وقادرة على تجاوز المحن وتحقيق النجاحات مهما كانت الصعوبات، بمثابرتها وإرادتها القوية، تبقى هي منارة الأمل ومصدر القوة الذي يضيء طريق التقدم، ويغرس في الجميع العزيمة لتحقيق غايات الوطن ويحقق طموحاته.
ولتفخر المرأة بمكانتها وعظمة دورها في بناء وطنها؛ حيث تمثل نموذجًا يحتذى به في العطاء والمثابرة فهي العاملة المكافحة التي تؤدي مهامها بإتقانٍ وإخلاص، وهي الأم المربية التي تغرس في أبنائها قيم الولاء والانتماء، وهي ربة المنزل التي تدير شؤون أسرتها بحكمة وتوازن، وهي المعلمة التي تنير العقول، والمهندسة التي تشيد البنيان، والطبيبة التي تداوي، والسفيرة التي تمثل بلادها، والوزيرة التي تقود، والرائدة التي تفتح آفاقًا جديدة في مختلف المجالات، هي بحق مناضلةٌ بإصرارٍ و تتمتع بثبات لتحقيق أحلامها وطموحاتها.
ولا شك أن المرأة هي ركيزةٌ أساسيةٌ في عملية التنمية الشاملة، فقد أسهمت بجدارة في دفع عجلة التقدم والرقي في مختلف مناحي الحياة، لقد كانت وما زالت صمام الأمان الذي يحمي مقدرات الوطن ويحافظ على أمنه القومي، حيث إن ازدهار المجتمعات ونهضتها المستدامة يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على وعي المرأة ومشاركتها الفاعلة في شتى المجالات، سواء كانت اقتصادية، أو ثقافية، أو صحية، أو سياسية، أو تعليمية أو حتى عسكرية بفضل جهودها ودورها المحوري، ترتفع راية الوطن عاليًا ويتعاظم شأنه بين الأمم.
أيتها المرأة، استشعري عظمتك ومكانتك! أنتِ الملهمة التي تبعث الأمل في النفوس، والطموحة التي لا تعرف حدودًا لأحلامها، والقوية التي تتحدى الصعاب، والمنجزة التي تصنع الفارق، والرائدة التي تمهد الطريق للآخرين، والمتفائلة التي تنشر نور الأمل، والذكية المميزة، عماد المجتمع وأساس نهضته، حفظ الله نساء مصر الفضليات، وشعبنا الكريم، وبلادنا العظيمة، وبارك الله في قيادتنا الرشيدة، لتظل مصر دائمًا وطنًا للخير والأمن والسلام، ومنارة للنهضة والتقدم.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية بالقاهرة فرع البنات – جامعة الأزهر