كان عبدالناصر يعرف تقدير مسلمي العالم لمصر التي كانت في عهده زعيمة ورائدة العالم الإسلامي السُنِّي روحياً وعلمياً بأزهرها الشريف الذي زادت مكانته وقدره بعد تطويره بإدخال الكليات العملية إضافة إلي كلياته الدينية في عهد عبدالناصر عام 1961.
وعن التزام عبدالناصر بالإسلام يذكر الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف في عهد عبدالناصر أنه كان مرافقاً له في زيارة إلي باكستان وكانت الزيارة في شهر رمضان نهاراً ووجدت الرئيس عبدالناصر صائماً. وكنت أنا وبقية الوفد مفطرين مستغلين رخصة الإفطار في السفر وطلبت من الرئيس أن يفطر بناء علي تلك الرخصة.
لكن الرئيس عبدالناصر قال لي قول الله تعالي: “وأن تصوموا خير لكم” وأنا قادر علي الصيام فكيف أذهب إلي مسلمي باكستان وأنا غير صائم وأنا رئيس مصر الإسلامية حيث الأزهر قبلة المسلمين علمياً؟ وواصل عبدالناصر صيامه حتي وصلنا باكستان.
بالمناسبة أذكر أن السفير الدكتور نعمان جلال الذي عمل سفيراً لمصر في باكستان قال لي: إن مسلمي باكستان يجلون مصر ويقدرونها ويعدون الإسلام قد عرفوه وتعلموه وجاءهم منها وليس من أرض الحجاز!!
مصر هي قلب العالم الإسلامي ومركزه الثابت القوي
ولمصر الإسلامية في عهد عبدالناصر مكانة سامية في نفوس مسلمي العالم منهم مسلمو إندونيسيا كما ذكرنا في مقالنا السابق. وهنا أزيد فأقول:
لن أنسي ما قاله لي المفكر الاقتصادي الدكتور إسماعيل صبري عبدالله “كان وزيراً للتخطيط في عهد الرئيس السادات ثم صار رئيس منتدي العالم الثالث في عهد الرئيس مبارك” فقد أذاع لي سراً مؤداه أن أحد المستثمرين الإندونيسيين جاء إلي مصر وقابل الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء في عهد الرئيس مبارك للاتفاق علي مشروعه الاسثماري في مصر وفوجيء د.صدقي بالمستثمر الإندونيسي يقدم له شيكاً بمبلغ مائتي مليون دولار منحة منه لمصر بعيداً عن مشروعه الخاص وسأله د.صدقي ما السبب؟ فقال المستثمر الإندونيسي: إنني أرد بعض فضل مصر عليَّ ولما وصلت إليه ثم أخذ يسرد السبب قائلاً:
لقد كان أبي فقيراً ويريد أن أتعلم في الأزهر بعد حصولي علي الإعدادية في إندونيسيا وتفتق ذهن أبي فأرسل خطاباً إلي الرئيس جمال عبدالناصر يعرض عليه أمنيته أن يتعلم ابنه في الأزهر وهو الرجل الفقير الذي لا يملك تكاليف سفر وتعليم ابنه في مصر الأزهر حتي فوجيء الأب بأحد رجال السفارة المصرية في إندونيسيا يأتي إلي حيث يقيم وأخبره بأن رسالته إلي الرئيس عبدالناصر وصلته وقد لبي دعوته بأن يسافر ابنه إلي مصر ليتعلم في الأزهر مع تحمل مصر كل مصروفات الابن سفراً وتعليماً وإقامة من الثانوي حتي تخرج في كلية الهندسة جامعة الأزهر وهذا سبب تقديم شيك المبلغ عرفاناً بما صرت إليه بصنيع عبدالناصر معي.
كان عبدالناصر عندما يسافر إلي الدول الإسلامية وغير الإسلامية يعرف أنه يمثل مصر الإسلامية بفروض ومباديء وتقاليد وحضارة الإسلام.
في زيارته إلي دول العالم نجده حريصاً علي الالتزام بأخلاق وقيم الإسلام فلا يحتسي نخب الخمور طبقاً لبروتوكول الدول غير الإسلامية. بل نجده يكسر مراسم البروتوكول إذا كانت ضد الأخلاق والأعراف الإسلامية مثلما يذكر لنا صلاح الشاهد “الذي عمل كبير الياوران في عهد الملك فاروق ثم في عهد عبدالناصر” في كتابه “ذكرياتي في عهدين” أنه كان في مرافقة جمال عبدالناصر في زيارته يوغسلافيا وكانت معه السيدة حرمه “تحية” وقبل أن تهبط الطائرة أخذ صلاح الشاهد يذكر لعبدالناصر أن من قواعد ومراسم البروتوكول بعد النزول من الطائرة ومصافحة الرئيس اليوغسلافي “جوزيف تيتو” فعلي عبدالناصر أن يسلم علي السيدة حرم الرئيس اليوغسلافي ويقبل يدها. وبعدها يسلم الرئيس تيتو علي السيدة “تحية” ويقبل يدها!!
هنا قال عبدالناصر لصلاح الشاهد: لن أقبل يد حرم الرئيس تيتو ولن أسمح أن يُقبِّل الرئيس تيتو يد السيدة “تحية” فقال الشاهد لعبدالناصر: سيادة الرئيس هذه قواعد البروتوكول. فانفعل عبدالناصر قائلاً: اترك الأمر لي فأنا مسلم وصعيدي ولن أنفذ هذه القواعد والمراسم ودعني أتصرف بطريقتي. وأسقط في يد الشاهد فبعد أن حطت الطائرة بجناحيها علي أرض المطار وفتح بابها ثم صافح عبدالناصر الرئيس تيتو وأومأ برأسه ورفع يده محيياً زوجة الرئيس تيتو ثم سحب عبدالناصر يد الرئيس تيتو متجهاً به إلي الأمام حتي لا يصافح تيتو حرم الرئيس عبدالناصر ولا يُقبِّل يدها طبقاً لقواعد البروتوكول وبقيت حرم الرئيس تيتو مع السيدة تحية حرم الزعيم عبدالناصر.
وكسر عبدالناصر قواعد البروتوكول ــ كما ذكر الشاهد ــ مرة ثانية في زيارته اليونان و في حفل العشاء الذي أقامه ملك اليونان علي شرف عبدالناصر لم يسمح عبدالناصر لنفسه أن يُراقص زوجة الملك كما لم يسمح أن تُراقص السيدة تحية ملك اليونان طبقاً لقواعد البروتوكول!!
ونواصل الحديث الجمعة القادم إن شاء الله.