اتصل بي الشاب غاضبا ، وبادرني قائلا بصوت مملوء باليأس ” أروح فين بعد سن 30 .. وأعمل ايه عشان اكل لقمة عيش حلال .. ليه يحكموا على بالاعدام وانا حي “. وبالاستفسار منه تبين أن غالبية الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة تشترط عندما تعلن عن حاجتها لوظائف جديدة أن لا يزيد سن المتقدم عن 30 عاما، وبعضها يشترط السن 27 عاما.
وهو شرط ظالم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة كلها ومنها مصر ، والتي تعد البطالة من أهم مظاهرها . ويتضح مدى ظلم هذا الشرط اذا علمنا أن نسبة البطالة ترتفع جدا بين الشباب . وقد اعترف بذلك عبدالحميد شرف، رئيس قطاع الإحصاءات السكانية بجهاز التعبئة والإحصاء،في تصريح لاحدى الفضائيات قال فيه :” ، أن نسبة البطالة تزيد في فئة الشباب من 15 إلى 29 عامًا، وتصل نسبتها 24.5%، رغم إن معدلات البطالة في مصر بشكل عام تصل إلى حوالي 11.8% .
من المثير للدهشة عندما حاولنا الاستفسار من بعض الشركات الكبرى عن هذا الشرط كانت الاجابة أن المسألة تقوم بها شركات خاصة بالتوظيف ضمانا للحيادية . وهي مسألة يجب التوقف عندها لأن شركات التوظيف تتقاضى مقابلا مما يرهق الميزانية ، بالإضافة إلى أن كل شركة يجب أن يكون لديها آلية للتوظيف خاصة بها تعلم جيدا احتياجاتها من العمالة الجديدة من حيث العدد والنوعية وتضع معايير موضوعية للتعيين مع المرونة في مسألة سن المتقدم.
وهو شرط ظالم أيضا في ظل تراجع الحكومة عن تعيين الخريجين منذ أكثر من 20 عاما ، ولا أقصد بالتعيين هنا الجهاز الاداري للدولة بوضعه الحالي المترهل بسبب الفساد والمحسوبية.وقد شخصت مشاكله بكل دقة الدكتورة غادة موسى مدير مركز الحوكمة، عضو اللجنة العليا للإصلاح الإدارى بوزارة التخطيط بقولها :” أصبح الجهاز الإدارى سبباً لعجز الدولة وليس نجاحها، بسبب استشراء وتغلغل الفساد فى هذا الجهاز، بحيث صار يأكله ويأكل كل من يقترب منه لإصلاحه”.
ولتحقيق العدالة في التوظيف في هذا الجهاز لا بد من طريقين : أولهما وقف الباب الخلفي للتعيينات والذي يسمح بالتعيين المؤقت لمدة عام ثم تثبيت من مر عليهم 3 سنوات. وقد كشف الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة الأسبق هذه الثغرة في حوار صحفي نشر في 22 فبراير 2016 قائلا :” كان التعيين المؤقت (والتثبيت) يتم بإعلان داخلى ، وبالتالي الوحدات الحكومية أصبحت كلها أسر وعائلات، وتم إهدار مبادئ المساواة والشفافية والعدالة بطريقة سافرة، حيث قام العاملون في شؤون العاملين بالذات بتعيين أقربائهم بعد الثانوية كمؤقتين، وكان كثيرون منهم لا يحضرون ثم يتخرج الابن المدلل من الجامعة ويتجند فيتم عمل حفظ وظيفة له، ثم يخرج من الجيش ليتم عمل تسوية له بالمؤهل الأعلى، ويضاف إليه 5 سنوات خبرة، بينما زميله ولو كان قد حصل على إمتياز في الجامعة لا يجد فرصة لنيل حقه في التعيين”.
والطريق الثاني الأخذ برأي بعض الخبراء بضرورة تخفيض الأجور للكثير من الموظفين ذوى الرواتب العالية والمستشارين بالجهاز الاداري والتي لا تتناسب تمامًا مع مجهوداتهم ومهاراتهم ، وبالتالي توفير مبالغ في الميزانية لوظائف للشباب.
إرحموا الشباب ، فهم عدة الحاضر وقادة المستقبل ، وبسواعدهم ترقى الأمم، والمطلوب وضع آليات عادلة وعاجلة لتوظيف طاقاتهم المتعددة في نهضة مصر ، فاهدار الطاقات الشابة جريمة تصل للخيانة العظمي .