“المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه” هو أثر يكشفُ خطورة اللسان، وتأثيره علي صاحبه، فقد يكون اللسان سفيرَ صاحبه لنيل المحامد وتحصيل الثناء، إن كان عافا، يقولُ الحق ولا ينطقُ إلا طيبا، أو يكون سفيرَه إلي المنايا، فيفتح عليه أبواب جهنم – إن جاز التعبير – إذ تضطرم بسبب زلاته عداواتٌ بين المرء والآخرين، يكون المُتجرئ بلسانه هو وحده الملوم فيها وليس غيره، وهذا ما تعرضت له مُؤخرا إعلاميةٌ مصرية شهيرة، توالت زلاتُ لسانها، فما إن تخرُج من حفرة، حتي تسقط في حفرة أشد منها عمقا، وذلك بسبب تصريحاتها غير المُتزنة، والتي كان آخرها ما أساءت به للمرأة المصرية عامة، والبدينة بصفة خاصة، حيث صرحت بأن المرأة البدينة امرأةٌ ميتة، وعبءٌ علي أهلها والمجتمع، بل زادت الطين بلة بأن وصفتها بأنها صورةٌ شائهة يرفُضها المجتمع.
والسؤال لو سلمنا بحسن مقصدك – كما زعمت – بأنك تُريدين من المرأة المصرية أن تحافظ علي قوامها ورشاقتها لتبقي صحيحة سليمة من الأمراض، فإن ما بدر عنك من ألفاظ يتنافي مع الذوق العام، ويتعارضُ مع ميثاق الشرف الإعلامي، الذي يرفض الشتم والتجريح، والإساءة، كما جري منك لكيان هو نصف المجتمع، هو المرأة الصبور التي تصل الليل بالنهار في خدمة أسرتها، وتلبية مطالب الزوج والأولاد.
لقد نَسِيتِ أيتها الإعلامية (اللامعة)، أن المرأة المصرية التي لم تسلم من لسانك، هي الأمُ والأختُ، والعمة والخالة، والقريبة والجارة، وغيرهن ممن لا يستريح لهن جنبٌ، أو تغمض لهن عين، فيعملن خارج البيت؛ لمساعدة رب الأسرة في توفير النفقات، دون إغفال الواجبات المنزلية من (غسيل، وتنظيف، وطبخ، ومذاكرة للأولاد، وخلافه)، فمتي يُتاح لها الوقت الذي تُمارس فيه الرياضة لتُحافظ علي جسمها ورشاقتها؟
كما أن كثيرا ممن يعانون السمنة مصابون بأمراض وراثية، أو عندهم مشاكلُ في الغدد تسبب لهم البدانة، ومن ثم فإن لومهم علي شيء لا دخل لهم فيه ، يُعد ظلما أي ظلم.
إن أسرا كثيرة بسبب قلة الدخل يُكمل أفرادُها عشاءهم نوما، فكيف نُطالب المرأة بنظام غذائي صحي يضمن لها قواما ممشوقا، وجسما خاليا من البدانة.
إن ذلك النظام الغذائي يتطلبُ تنوع الأغذية وتعددها علي مائدة السفرة، وهذا لا طاقة لكثير من الأسر المصرية به، كما يتطلب توافر “البروتين” يوميا ولو بكميات محدودة، وهو مُحال علي معظم الأسر المصرية التي تعاني غلاء المعيشة.
إن تصريحك السابق يؤكد أنك تعيشين في برج عاجي، فكيف بمن تتناول (الكرواسون، والباتون ساليه، والسيمون فيميه، والكافيار، ويكون حلوها هو (المارون جلاسيه) وغيرها من أطعمة يسمع عنها الكادحون دون أن يتذوقوها، أن تشعر وتُحس بمعاناة وفقر من يُفتشون في صناديق القمامة بحثا عن كسرة خبز تُقيم صلبهم، وربما يربطون بطونهم من شدة الجوع، فقد يمرُ عليهم اليومُ أو أكثر دون أن يدخل جوفَهم شيءٌ من الزاد.
إن دور الإعلام هو التنوير ومُعايشة أحلام البسطاء، أما تلك التصريحات المُستفزة غير المدروسة التي تبدر عنك بين الحين والآخر ما هي إلا طعنات دامية في كبد المجتمع، تسيل بسببها شلالات الحقد، ويزدادُ بسببها احتقانُ المُعدمين، الذين ينحتون في الصخر، ويعملون في مهنٍ لا تقل أهمية عن مهنتك، ولا يتقاضون عُشر معشار، ما تتقاضين أنت وأمثالك.
إن مجرد الاعتذار ليس حلا لتلك المشكلة، لأن تصريحك السابق، والذي أسأت فيه للمرأة المصرية هو من الأخطاء التي لا ينفعُ معها الندم، و التي لن تُغتفر إلا بعفو من أسأت لهن وهيهات أن يحصل ذلك.
إن صون اللسان هو من أَجَلِّ مقاصد الشرع، كما أنه دليلٌ علي إيمان المرء، وإلا فالصمتُ أولي، وهذا هو الأليقُ بك لتكرار أخطائك، وحقا صدق نبينا:” من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.