الحرية أم السلامة الصحية؟ بالتأكيد الكل سيجمع على أن الصحة الان هي اولوية الأولويات، لكن هناك أولويات اخرى لا يمكن أن نغفل عنها الصحة الاقتصادية و الاجتماعية التي تتدهور كل يوم كما تتدهور الصحة الجسدية للمصابين بكرونا،
لكن باختلاف قد لا يبدو بأن الحالة الاقتصادية و بالتالي الاجتماعية تدق ناقوس الخطر و مع ذلك نجد جشع التجار في تزايد و الأسعار تشتعل و المحسوبية و الزبونية تتربع على قلوب البعض حتى الوباء لم يستطع أن يجعلها رحيمة
قد تظهر بعض الصعوبات في ضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية والإمدادات، لكنّ الالتزامات الإيجابية بموجب المادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، (حق الحياة) تفرض كذلك على الحكومة أن تتّخذ خطوات منطقية لتخفيف الخطر على الحياة الذي يمثّله هذا الوباء”.
إنّ الحجر الصحي والعزل الذاتي يؤثران في حق الحرية وحق الحياة، فيما يؤثّر مشروع منع التجمعات العامة بحرية التجمّع وإنشاء الجمعيات ويضرّ إغلاق المدارس بحق التعليم.
كما أنّ تقييد قدرة الأفراد على العمل يترك “وقعاً غير متكافئ” على من يمارسون الأعمال الحرّة وفئات أخرى، فيما يطال أثره في المؤسسات الصغيرة “حق المرء في التمتع السلمي بمقتنياته”.
أنّ أي خطوة مستقبلية تهدف إلى إعطاء الأولويّة في الرعاية الصحية أو تقنين هذه الرعاية، يجب أن تكون “مبرّرة وغير تمييزية” وأنّ منع انعقاد المآتم في وقتها قد يُعدُّ انتهاكاً لحرية المعتقد الديني.
وكما هو معلوم فإن تنفيذ الحق في الصحة يكون بالتدرج باعتباره أحد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يتطلب تنفيذها توفر موارد مالية كافية، تفوق في كثير من الأحيان إمكانية الدولة، خاصة إذا كانت من ضمن الدول النامية، شريطة أن تبذل الدولة المعنية أقصى ما يمكن من مواردها المحلية للوفاء بالتزاماتها في مجالات الصحة حتى تستحق الدعم الدولي من هيئات الأمم المتحدة المتخصصة كالصحة العالمية أو الدول المانحة.
وما يدعم ذات المبدأ القائم على أن الإنسان هو محور التنمية وأن احترام الدول لحقوقه وحرياته هو المعيار الأساس لقياس مدى تحضر الدول وتقدمها، حيث لا يكفي القول بأن الحق في الصحة هو فقط الحق في التمتع بصحة جيدة،
إنما يشمل الحصول على مياه الشرب النظيفة، والغذاء الصحي والكافي والآمن، والحصول على التوعية والمعلومات الصحية، والظروف الصحية في مكان العمل، مع مراعاة توفر تكافؤ الفرص بين الأفراد في الوصول والاستفادة من النظام المحلي للحماية الصحية، بما في ذلك حقوق وحريات أساسية أخرى منها حق في سلامته النفسية والجسدية بأن يكون في مأمن من التعذيب، أو إجراء التجارب الطبية عليه دون إذنه.
مظاهر سلبية وإيجابية في مجابهة كرونا:
هناك ملاحظات عديدة غطت المشهد التفاعلي في التعاطي مع تصاعد انتشار الوباء والجهود المبذولة لمجابهته على المستويين الدولي والمحلي، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي. أما الإيجابي فقد تبدى في حالة من الشعور الإنساني والحس الإنساني الجمعي المشترك
بأن جميع الأفراد حول العالم متساوون في الحقوق والواجبات سواء كانوا أثرياء أو فقراء، نجوماً أو أشخاصا عاديين، كلهم يواجهون تهديدا مشتركا لعدوى تنتقل بالمصافحة، أو بلمس الأسطح، أو عبر رزاز المصابين،
الأمر جعل الطائرات والقطارات، وقاعات المؤتمرات ودور السينما والملاعب الرياضية، وحتى دور العبادة كلها أماكن لا بد من تجنبها. أصبح الجميع ودون سابق إنذار في حاجة ماسة لاتباع ذات الإرشادات ودون استثناء.
ومن الإيجابيات أيضا عودة وسائل الإعلام والصحافة الاحترافية ومنصاتها الرقمية لصدارة المشهد واختطاف انتباه ومتابعة الجمهور للتطورات العالمية والمحلية المتعلقة بانتشار الوباء من مصادر تلتزم الدقة والمصداقية والموضوعية
ولها القدرة على الوصول إلى المعلومات الرسمية واستنطاق المسؤولين، حيث لا يمضي يوم إلا ومئات المؤتمرات والنشرات والتصريحات والملخصات تملأ الفضاءات العامة، في ظل كثافة انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة التي أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي الفردية منبرا لها.
ومنها أيضا اجتماع الأسر لساعات وأيام ليكتشف فيها الوالدان قصص أبنائهم ونشاطاتهم في المنزل، وما تقوم به الزوجة من أدوار لم تكن منظورة للزوج.
أما المظاهر السلبية فيمكن فقط تناول مثالين منها:
فقط كشف الوباء حالة ضعف استجابة النظم الصحية والارتفاع غير المتوقع في نسبة الإصابات في دول عديدة حول العالم منها أمريكا وإيطاليا وإسبانيا، وعدم اكتراث بعض الدول بإقامة نظام صحي مناسب لسكانها وحالتهم الاقتصادية.
ومن عجب نفاد الاحتياجات الطبية الأولية مثل (الكمامات)، التي أضحت عملة نادرة حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نشر بعض الأطباء العاملين في أقسام الطوارئ والمستشفيات فيديوهات تناشد الحكومة والمنظمات والمانحين بضرورة توفيرها لهم، وللمرضى والمشتبهين.
خطاب الكراهية بسبب المرض:
كذلك ظهر جليا خطاب الكراهية الصادر عن المسؤولين والسياسيين الذين لم يتوانوا في توجيه خطاب تمييزي للدول التي انتشر فيها الوباء، ومن ذلك تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تحدث علنا عن الوباء الصيني، كأن الفيروس الذي عبر كل دول العالم صيني الجنسية. ولم تقف بعض دول العالم الثالث مكتوفة الأيدي عن فضح فشلها في تحقيق الكرامة لشعوبها، حتى تداول الناشطون فيديوهات لمسؤولين يؤكدون وينفون الإصابات بين مواطنيهم دون دليل. ولأن مكافحة انتشار هذا الوباء والسيطرة العاجلة عليه فيها مصلحة للجميع فإن كل فرد ومنظمة ودولة يتقاسمون واجبات ومسؤوليات كل حسب إسهامه.
وكانت الفكاهة حاضرة عندما ضجت وسائط التواصل بالتدخلات السافرة للأزواج وهم في الحجر المنزلي في شؤون الطبخ مما عرض بعضهم لمخاطر الطرد والـتأنيب. وهي كلها مقتضيات يستفاد منها التدخل الدائم للسلطات العمومية، ضمن ما تقتضيه ضرورة استمرارية الأمن العام والسلامة الصحية للمواطنين في الأوقات العادية، فما بالك بالأوقات الاستثنائية، التي تستوجب تدخلها المباشر والممتد.
إن انضباط المجتمع واتباعه للتعليمات، هو ما سيؤدي بإذن الله إلى انخفاض أعداد المصابين بهذا الفيروس، وهو الأمر الذي نسعى إليه، والذي يوجب علينا الالتزام بالتعليمات، وعدم الاستهتار بأمر انتشار الفيروس، الأمر الذي لم يأخذه البعض على محمل الجد، وما زالوا يمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعي، متناسين خطورة الفيروس، وما قد يسببه من أعراض قد تصل إلى الوفاة.
فالقانون هو الأداة الفاعلة لمواجهة من يستهين بحقوق الآخرين، سواء كان ذلك بالاعتداء على صحتهم وسلامتهم، كعدم اتخاذ من تظهر عليه الأعراض، الإجراءات الواجبة التي نص عليها قانون مكافحة الأمراض السارية، ومنها المادة (31) منه، والتي تنص على: «يحظــر على الشــخص الــذي يعلم أنه مصاب أو مشــتبه بإصابته بأي مــن الأمــراض الســارية، والتــي تحددهــا الإدارة المعنية مــن بين تلك الــواردة بالجدول رقــم (1) المرفق بهذا القانون، الســفر أو الانتقال إلــى أي مــكان آخر غيــر المنشــأة الصحيــة، إلا بموافقة الــوزارة أو الجهة الصحية»، أو من خلال الاعتداء على أمنهم واطمئنانهم، بنشر الشائعات التي تثير الرعب في المجتمع.
تعاضد المجتمع بأفراده والجهات المعنية، يكمل بناء قواعد المواجهة ضد فيروس «كورونا» المستجد، أو أي وباء، كم نحن بحاجة لتوحيد صفوفنا، لنكون يداً واحدة، ومن شذ عنا قومناه بالقانون، فقد يزع الله بالسلطان، ما لا يردعه بالقرآن.
القانون يجب أن يكون صارماً، يحقق الردع العام لكافة المجتمع، عندما يرى تطبيق العقوبة على مرتكب المخالفة، والذي يجب بحقه الردع الخاص، وهنا، يتحقق قول الله عز وجل: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان