الطب هو المهنة الوحيدة الراقية التي يستطيع أي طالب نابغ الوصول إليها دون وساطة ومحسوبية، وهي المهنة الوحيدة التي لا يرقيك فيها مدير ولا مسئول ولكن يرقيك فيها مرضاك فقط، وما زالت مهنة الطب هي حلم الأمهات والآباء وكل طالب في مصر، في طليعة الجيش الأبيض الجندي المجهول الذي يواجه الموت بصدره العاري،
وينقذ المرضى بعد أن كادوا يفارقون الحياة، يتسلمهم وهم أقرب للموت فيعبر بهم الطريق إلى الحياة والنجاة، إنه طبيب العناية المركزة، والذي يتمتع بصلابة ضابط الصاعقة وقوته وبأسه وعدم يأسه.
وهو الطبيب الوحيد في الفريق الطبي مع طبيب التخدير الذي لا يبنى لنفسه مجدا خاصا، ولا يذكر اسمه عادة، ويتمتع بسرعة البديهة وقوة الإرادة والقرارات الصحيحة الحاسمة والجازمة والتي لو تأخرت لحظة لمات المريض، وخطؤه الأول هو خطؤه الأخير، فغلطته تساوى موت المريض.
الجيش الأبيض، هو طابور طويل من الأطباء والممرضين والفنيين وآخرين من التخصصات المختلفة في القطاع الطبي الذين يقفون على خط المواجهة الأول لمحاربة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، الذي أصاب وقتل ما يتجاوز مليون شخص حول العالم، ولايزال يهدد حياة مئات آلاف آخرين في ظل عدم وجود علاج للمرض القاتل حتى الآن.
الطب ليس رفاهية كما يتصور البعض، هي رسالة الإحياء أعظم رسالة على وجه الأرض، إنها رسالة المسيح عليه السلام.
هذه هي حياة الطبيب الحقيقية، كفاح متواصل منذ أن تطأ قدمه كلية الطب، وحتى آخر لحظة من حياته، حياة كلها علم وتعلم وتدريب واكتساب خبرات، وإلا وجد نفسه لا يصلح للطب الحديث، فالجرّاح لن يكون ماهرا ومتضلعا من مهنته إلا بعد 10 سنوات من تخرجه من كلية صعبة وشاقة لا تعرف اللعب أو اللهو، أو أن هناك جزءا من المنهج سيلغى أو يحذف مثل سائر الكليات، فأي مرض يمكن أن يجده الطبيب أمامه فجأة مهما كانت ندرته.
أرواح الناس وحياتهم بيد الطبيب والخطأ أو التقصير أو الإهمال مغبته موت المريض أو إعاقته مدى الحياة فالجرّاح يعيش في توتر دائم مع كل جراحة يجريها، لا يأتيه النوم حتى يستشعر من النواب نجاح جراحته، وجرّاح العظام يواصل الليل بالنهار، ويُستدعى مع كل حادثة صغيرة أو كبيرة وما أكثرها.
لا أمل له أن تكون له عيادة أو مستشفى باسمه، لا يملك رفاهية العيادات والمكاتب، يعيش ليلا ونهارا في المستشفيات، لا وقت لديه للترفه أو الحكايات أو قلة التركيز، فهو يتولى الحالات الحرجة فقط، يستحضر الطب كله في لحظة واحدة فيديره في عقله ليبحث عن السبب ويشخص المرض وينقذ المريض من الموت المحقق.
ويكافح الطبيب المصري كفاحا كبيرا في العمل والتعلم ورغم إمكانياته المادية المتواضعة في بداية حياته إلا أنه أكثر الفئات تصدقا حينما يصيبه اليسر والغنى، فمنهم من لا يتقاضى أجرا من اليتيم ولا المعوق ولا الأرملة، والحقيقة أنه لولا العيادات والمراكز الطبية الخاصة لأصبح الأطباء شحاذون على باب السيدة.
والطبيب المصري طبيب متميز يعمل في بيئة طبية غير منظمة، فتُضيِّع جزءا كبيرا من ملكاته وقدراته، وتمنحه مرتبا هزيلا لا يمكنه من العيش الكريم أو التعلم وتحضير الماجستير والدكتوراه بسلاسة وكرامة بدلا من القفز من مستوصف لمركز لعيادة ليلية ليجد قوتا متوسطا لأولاده، ويظل هكذا قرابة 7 سنوات بعد التخرج ليبدأ في الحياة الكريمة، بعد أن يسهر الليل ويواصله بالنهار ليتعلم الجراحة ويتقنها، فالجرّاح المصري كفاءته معروفة ومشهود له في العالمين العربي والغربي.
جيش مقاوم مؤلف على الإقدام والشجاعة، يقاوم في معركة حياة أو موت، يواجه دون علاجات معتمدة ناجعة أو أمصال محضرة واقية، يقاومون بأياد عارية، بالروح المتوثبة، بالإيمان العميق، بالموهبة الطبية، مواهب هذا الجيش الأبيض أقوى أسلحته.
ما تقدمه المؤسسة الطبية الوطنية من آيات الفداء جدير بالتوقف والتبين، توقفًا أمام الإخلاص والتفاني والإحساس العارم بالمسؤولية، وتبينًا لحاجات هذه المؤسسة لسد النقص، وحفز الهمم، ورفع المعنويات، هؤلاء بشر حقيقيون، يتنفسون حبا لمصر، وتجرى في دمائهم روح مصرية، ومستعدون لتلبية النداء حتى آخر قطرة عرق أو دم حسب ما يقتضيه الظرف الطبي.
والغريب أن كورونا هو الذي أنصف الأطباء والعلماء بعد طول نكران لهم، وبعد أن جفاهم البشر وقدموا عليهم آخرين لم يقدموا للبشرية سوى المتعة الزائفة، بعد أن كان قدم لاعب الكرة وهزة وسط الراقصة أغلى بكثير من أجر مئات العلماء والأطباء،
فالعالم كله الآن ينظر بتلهف إلى العلماء والأطباء لسرعة إنتاج مصل يقي البشرية من خطر كورونا، كما حدث من قبل مع السل، وشلل الأطفال، والجدري.
أنهم بعض جنود مصر الأوفياء الذين يستحقون منا اليوم كل التحية والثناء هم وكل اجهزة ومؤسسات الدولة التي لا تدخر جهداً ولا مالًا في سبيل إنقاذ المواطن المصري من المرض فكانوا جميعا علي قدر الحدث
أطباء في عمر الزهور وسيسترات وممرضات يشبهن الفراشات جمالاً وروعةً، وكوادر طبية مساعدة، تعمل في التشخيص والتجهيز وفي المستشفيات ومواقع العزل والحجر الصحي، وفي سيارات الإسعاف التي أعدتها الوزارة لنقل المصابين وحالات الاشتباه.
هؤلاء هم خط دفاعنا الأول حالياً، وهم يمثلون جيشاً آخراً، سلاحه العلم، وذخيرته المعرفة والجرأة والتفاني في خدمة المرضى. جيش يرتدي اللون الأبيض، قوامه آلاف المغاوير الأكارم، ممن آلوا على أنفسهم أن يحموا البلاد والعباد من خطر الوباء القاتل، حتى ولو كلفهم الأمر التضحية بحياتهم.
ولكن يتبقى فقط أن يساعدهم ايناء مصر وشعبها الطيب بالالتزام بقرارات الدولة والبقاء في المنازل قدر الإمكان حتى تسهل عملية تعقيم وتطهير الأماكن العامة وحتى نُحد من انتشار الفيروس في ارض مصر الطيبه فهذا هو رهان جميع شعوب العالم اليوم وعلينا أن نكون في مقدمة من صمدوا ضد هذا الغزو الغامض فنحن أبناء أعظم حضارة عرفها العالم منذ فجر التاريخ. التحية نزجيها مثنى وثُلاث ورُباع للأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات وفنيي المختبرات وكل العاملين في المجال الصحي، ونبتهل للمولى عز وجل أن يحميهم ويسبغ عليهم عنايته ولطفه ووافر كرمه، لأن كل كلمات الشكر لن توفيهم حقهم.
لله درَّهم ما أنبلهم. وما أشجعهم. وحينما أعود للحديث عن “الجيش الأبيض” الذي طوق رقابنا بهذا الأداء المشرق، وبتلك التصرفات النبيلة فإنني أرى أنه قد آن الأوان لأن يتم إعادة النظر في الأوضاع المهنية والمادية والاجتماعية للطبيب المصري ليس هذا وحسب بل لأطقم التمريض الذين يمثلون بالفعل كتيبة الجنود المجهولين في هذه الحرب التي تدور رحاها داخل غرف المستشفيات ودور المراكز الصحية والشيء الذي يدعو لضرورة النظر لهؤلاء أن الغالبية العظمى منهم ظلوا طويلًا بعيدين كل البعد عن دائرة الاهتمام وإعطائهم ما يستحقون من مقابل مادي يجعلهم يعيشون في مستوى يليق بمن يمتهنون أنبل مهنة، تلك المهنة التي تصل في منزلتها إلى منزلة ملائكة الرحمة فقد تعامل الأطباء مع السيناريوهات الثلاثة بكل شجاعة وباحترافية تامة.
هل فكرتم. بمقدار الجهد والتعب والإرهاق والإعياء الذي أصابهم وهم يكافحون فيروس الكورونا منذ أسابيع، مشكلين خط التماس الأول في مواجهته، ومنهم من وصل به الأمر إلى حد الاكتئاب لمخالطتهم المرضى وهم يتعاملون مع عدو مجهول ومخيف، أبعدهم عن عائلاتهم، لكنه الإصرار على النجاح والنصر من هؤلاء الأبطال ليبقى بلدنا نظيفًا بعيدا عن الاخطار الصحية.
هل فكرتم. بأنهم يعملون في ظروف صعبة، وإمكانات ضعيفة، وغياب كثير من الأجهزة، وعدم توفر الأدوية والعلاجات اللازمة، كونهم يتعاملون مع فيروس جديد مجهول الهوية ؟!.هل فكرتم. بالأعداد التي تنتظرونها في كل مساء، وحالات الشفاء، التي تقف خلفها كوادر طبية وتمريضية وكوادر مساندة من مختبرات وصيادلة تقوم بالكشف على الحالات وتصنيفها والإشراف عليها وعلاجها، وتؤدي واجبها الوطني بكل أمانة واخلاص؟!.
هل فكرتم. بأنهم هؤلاء بشر لديهم طاقات وقدرات للتحمل، ومشاعر تجعلهم في شوق لأهلهم ويحتاجون إلى الراحة، مما قد يحبطهم شعور بالعجز لعدم تمكنهم من تأمين أبنائهم وعائلاتهم بالاحتياجات الضرورية ؟!.
هل فكرتم. بآبائهم وأمهاتهم، ومقدار فلقلهم عليهم، بزوجاتهم وأزواجهم. وعجزهم عن تدبر أمور حياتهم اليومية في ظل ظروف الحظر المفروض علينا. هل اطلعتم على أحوالهم وظروفهم هل فكرتم. بهؤلاء أصحاب الهمة العالية والعمل الإنساني، والمهمة النبيلة، بأن لهم قلوبا تنبض بالحب والرحمة والإنسانية، قلوب تتمزق بين الخوف والقلق والاشتياق للأهل، وبين واجبهم ودورهم الإنساني؟!.
هل فكرتم. بأن تمنحوا من وقتكم جزءا للدعاء لهم، ليمكنهم الله من أداء واجبهم الخطير في هذه الظروف الدقيقة والصعبة ؟!…هل فكرتكم. بمكافأتهم ومؤازرتهم ورفع معنوياتهم، والتعبير عن شكرنا وتقديرنا لهذه الكوادر الطبية والتمريضية والمهن المساندة من مختبرات وصيدلة وكوادر ادارية ؟!. دعونا نفكر معا بطريقة لشكرهم والثناء على عملهم، لنشعرهم بأننا نقف إلى جانبهم، ونشعر معهم بالسعادة الإنسانية التي ادخلوها في قلوبنا.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان