يهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية حرمة الحياة الخاصة ومواجهة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات وما يرتبط بها من جرائم لحماية البيانات والمعلومات الحكومية، إلا أن مشروع القانون انحرف عن هذا الهدف ليتحول إلى أداة لمراقبة المواطنين والحد من إبداء الآراء المعارضة.
يعد الحق في الخصوصية من الحقوق اللصيقة بالإنسان، وهو من أكثر الحقوق المثيرة للجدل بـين فقهاء القانون منذ زمن بعيد، وكذلك حرمة الحياة الخاصة وقدسيتها التي صانتها الحضارات القديمة والأديان السماوية والدساتير والقوانين الوضعية في غالبية دول العالم.
إن مفهوم الخصوصية مـن المفاهيم النسبية المرنة بمعنى تغير هذا المفهوم وتبدله بـين مجتمعـات وأخـرى وبـين الثقافـات والموروث الحضاري للدول، وكذلك بين زمان وآخر. ولعل ظهور الحواسـيب وثـورة المعلومـات والإنترنت أعطى هذا الحق زخماً خاصاً، ولاسيما بعد انتشار بنوك المعلومات في ثمانينيـات القـرن المنصرم،
وما يسمى بهستيريا التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت من خلال مواقـع الدردشـة وغرفها والشبكات الاجتماعية، إِذْ لا يتوانى الناس كباراً وصغاراً عن وضع كثيـر مـن معلومـاتهم الشخصية وصورهم ومقاطع فيديو خاصة بهم أو بأسرهم على شبكة الإنترنـت، وخاصـة الـشباب والمراهقين وهم الفئة الأكثر استخداماً للإنترنت، مما يؤَلِّفُ خطراً لا يستهان به على حرمـة حيـاة الناس الخاصة من الانتهاك في مجال المعلوماتية. الأمر الذي أوجب تدخل المشرع في كثير من دول العالم لسن قوانين خاصة بجرائم الحاسوب والإنترنت
ومنها المشرع المصري ، ويعد صدور القانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة الجريمة الالكترونية وبخاصة المادة (25) الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمه الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه،
أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الاسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياه الخاصة أو ارسل بكثافة العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين دون موافقته،
أو منح بيانات إلى نظام أو موقع اليكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو اخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة ام غير صحيحة.
يعد الحق في حرمة الحياة الخاصة احد انواع الحقوق الشخصية ، ويحدد هذا الحق للفرد الكيفية التي يعيش فيها كما يروق له، وذلك مع أقل قدر ممكن من تدخل الغير في حياته، إذ يملك الفرد الحق في الحفاظ على سرية الحياة الخاصة به، وعدم جعلها عرضة ألن تلوكها ألسنة الناس، أو ان يكون موضوعا للنشر،
فالإنسان له الحق أن يترك و شأنه يعيش حياة هادئة بعيدة عن العلنية والنشر. وتعد الحقوق الشخصية من خصائص الشخصية الإنسانية التي تثبت للشخص باعتباره إنسانا أو تلك التي يكون موضوعها العناصر المكونة للشخصية الإنسانية وبما ان الحق في الحياة الخاصة هو أحد هذه الحقوق فإن جميع الأشخاص يتمتعون به دونما تمييز بينهم ألنه حق يتصل بشخصية الفرد وكيانه الإنساني فالحق في حرمة الحياة الخاصة
هو كل ما يتعلق بذاتية الشخص ويؤول إليه وتعني حرية الفرد في عدم إفشاء معلوماته الشخصية والاحتفاظ بكل ما يتعلق بحياته الخاصة، ونطاقها يمتد على كل ما يتعلق بحياته العائلية والمهنية والصحية والغرامية، ودخله، ومعتقداته الدينية والسياسية والفكرية، ومراسلاته ومحادثاته وجميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد، ويظهر جليا من خلال تتبع التعريفات التي وضعت للحق في حرمة الحياة الخاصة أنه ليس ثمة تعريف موحد للحق في حرمة الحياة
الخاصة أو الحق في الخصوصية إذ ان التعريفات جاءت متباينة ليس فقط بين النظم القانونية المختلفة وانما في اطار النظام القانوني الواحد وان اغلب التشريعات اتجهت الى عدم إيراد تعريف للحق في الحياة الخاصة تاركه هذا الأمر للفقه والقضاء، واكتفت بوضع نصوص تكفل حماية الحق في الحياة
الخاصة وتعدد صور الاعتداء عليه، ويعود السبب في اختلاف التعريف لأختلف المفهوم الذي يمثل اساسا لتحديد التعريف ففي كثير من الدول، فان مفهوم الخصوصية او الحق في حرمة الحياة الخاصة اختلط وارتبط بمفهوم حماية البيانات وهو ما يضع الخصوصية ضمن اطار الحق في حماية البيانات الخاصة، وفي خارج نطاق هذا المفهوم فأن الخصوصية ظهرت كوسيلة لتحديد الخطوط الفاصلة بين حق الفرد المطلق وبين حق المجتمع بالتعرض لشؤونه وفي انظمة قانونية أخرى كانت الخصوصية هي
الحرية في مواجهة كل اعتداء أو انتهاك، ان هذا التباين كان السبب وراء نشؤ العديد من التعريفات التي كانت إما تتوسع في تحديد فكرة الخصوصية الى درجة اقتران الفكرة بالحرية عموما ، واما تتعمد الى التضييق من نطاق الخصوصية لتكون لدى البعض بمعنى الخصوصية المادية التي ال تعني اكثر من حق العزلة،
إما تمتد الخصوصية المعنوية لتشمل السرية، أو نجدها تمتد لكل مظهر من مظاهر التدخل فتكون الحق العام في السيطرة على المعلومات الشخصية، الحق في العزلة والسرية في أن يترك الشخص وحيدا
تعد حرمة حياة الشخص العائلية من عناصر الحق في حرمة الحياة الخاصة ، وعلة ذلك ان حياة الأنسان العائلية هي جزء هام من حياته بشكل عام فالأسرار العائلية يحتاج الشخص الى احاطتها بالكتمان وابقاءها بعيدة عن معرفة الناس،
ولا يجوز ان تكون محال كل انتهاكا للنشر واذا تم ذلك فأنه يش لحرمة الحياة الخاصة بالاعتداء على حياة الأنسان العائلية ، ويمتد الحق في حرمة الحياة العائلية الى ما بعد وفاة الأنسان،
فبالرغم من ان القانون الي حمي سمعة وكرامة الأنسان اذا ما فارق الحياة ألنهر بالموت تنتهي شخصيته وحقوقه، الآن اسراره العائلية قد يؤدي افشائها الى التشهير بالميت ضارا بسمعة ورثته ،ويشمل الحق في حرمة الحياة العائلية الأسرار التي تمس اخالق وشرف وسمعة العائلة والعالقات السرية والاجتماعية، وهي أسرار ذات أهمية كبيرة للإنسان داخل مجتمعه
أن” استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدول المتحضرة، دعا إلى توكيده ، ومن ثم وجد صداه في عديد المواثيق الدولية من بينها الفقرة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولي من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان كما تردد في العديد من الدساتير، ” فغدا أصلا ثابتا وضمانة ضد التحكم،
فلا يؤثم القاضي أفعالاً ينتقيها ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعا لنزوة أو انفلاتا عن الحق والعدل . وصار التأثيم بالتالي – وبعد زوال السلطة المنفردة ، عائدا إلى المشرع؛ إذ يقرر للجرائم التي يحدثها عقوباتها التي يجرمها، ويفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم،
وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضي أن تكون بيد سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي لا يجوز تأثيمها وعقوبتها لضمان مشروعيتها. ومن ثم كان المبدأ لازما لتمكين المواطنين من الاتصال بتلك القيم التي يقوم عليها بنيان مجتمعهم، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم اجتماعيا فلا يزدرونها”
أكدت على ارتباط مبدأ الشرعية الجنائية والسياسية الجنائية للدولة في حكمها ؛لأن” السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم علي عناصر متجانسة، فإن قامت علي عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، إيمانا بأن الأصل في النصوص التشريعية – في الدولة القانونية- هو ارتباطها عقلا بأهدافها
،باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف. ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون عليه يلتزم إطار منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا تناغم الأغراض التي يستهدفها أو متناقضا مع مقاصده أو مجاوزا لها مناهضا – بالتالي لمبدأ خضوع الدولة للقانون”.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان