فيما يبدو أنه تصعيد جديد في منطقة الخليج وتزايد لحدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، تمهيدا لإشعال فتيل حرب جديدة بالمنطقة، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوامره للأسطول الخامس بالتوسع في إطلاق النار. ويأتي هذا التصعيد حتى في خضم انتشار وباء كورونا في العالم. فمنذ أيام، ذكر تقرير للأسطول الخامس أن سفنًا تابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني “اقتربت من السفن الحربية الأمريكية وتسببت في مضايقتها أثناء قيامها بإجراء تدريبات في المياه الدولية في الخليج الفارسي”.
وفي تغريدة للرئيس ترامب يوم الأربعاء الماضي، أشار إلى أنه منح سلاح البحرية الأمريكية الإذن بتصعيد “استخدام القوة” و”إغراق” أي زورق حربي إيراني يستمر في إظهار نية عدائية.
وقال ترامب لقد أمرت البحرية الأمريكية بإغراق وتدمير أي زوارق حربية إيرانية إذا تحرشت بسفننا في البحر.
ويلاحظ أن هذه ليست السابقة الأولى فقد سبق للأسطول الخامس الأمريكي أن ذكر، في عدة مناسبات، بأن سفن الحرس الثوري الإيراني اقتربت بشكل خطير، وبسرعات عالية جدًا، من السفن الحربية الأمريكية، مما زاد من خطر “سوء التقدير والاصطدام”.
وفي ديسمبر 2019، حملت الولايات المتحدة إيران مسؤولية تنفيذ هجوم على السفارة الأمريكية في العراق. وكان الرد بغارة جوية، قتل فيها الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وفي هذا الشهر فقط، حذر ترامب إيران من “التسلل للهجوم” على القوات الأمريكية في العراق.
بالتزامن مع ذلك دعا ترامب قطر للعمل على حل النزاع الخليجي بين قطر وجيرانها، حيث طلب الرئيس الأمريكي من أمير قطر اتخاذ خطوات لحل نزاع بلاده المستمر مع المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، والذي تسبب في فرض حصار اقتصادي ودبلوماسي ضدها منذ عام 2017.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير في بيان إن الرئيس حث الأمير على اتخاذ خطوات نحو رأب الصدع في الخليج بهدف العمل معًا للقضاء على فيروس كورونا وتقليل تأثيره الاقتصادي و”التركيز على القضايا الإقليمية الحرجة”.
وخلال محادثة هاتفية منفصلة يوم الخميس، دعا ترامب ولي عهد الإمارات محمد بن زايد إلى “اتخاذ خطوات نحو رأب الصدع الخليجي”، وحث أيضا على “خفض التصعيد في ليبيا وسوريا”.
كما أجرى وزير الخارجية الأمريكي اتصالات ببعض القوى الإقليمية الأخرى، ظاهرها بحث التعاون في مكافحة كورونا، أما باطنها فلا أحد يعرف عنه شيئا.
وبالطبع، فإن الولايات المتحدة لا تدعو لخفض التصعيد في ليبيا وسوريا، إلا إذا كانت تنوي فتح جبهة جديدة، ولعلها الجبهة الإيرانية!
في الوقت نفسه، تتطلع إيران، مثل الولايات المتحدة، للتنسيق مع دول الخليج. وأجرى الرئيس الإيراني حسن روحاني مكالمات هاتفية الأسبوع الماضي مع نظرائه في قطر ودولتين خليجيتين أخريين هما الكويت وعمان.
ومن يتأمل الأوضاع الإقليمية والعالمية حاليا يجد الظروف مهيأة، أكثر من أي وقت مضى لإشعال فتيل حرب إقليمية، تكون الولايات المتحدة هي المستفيد الأول فيها.
من بين هذه الظروف، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يريد، لمصلحة حملته الانتخابية، صرف الأنظار في الداخل عن الفشل الذي مني به في مواجهة فيروس كورونا، لدرجة أن بلاده، بل هو وإدارته، أصبحوا مضرب الأمثال للإخفاق أمام هذه الأزمة العالمية، خصوصا بالنظر إلى ما حققته الصين من نجاح!!
يضاف لما سبق أن ترامب يسعى بكل قواه لتعويض الخسائر المالية الناجمة عن جائحة كوفيد 19، وهذا لن يتحقق إلا بإشعال فتيل حرب خليجية تكون منفذا لتصدير المزيد من الأسلحة الأمريكية لبلدان المنطقة، وضخ مئات المليارات للخزانة الأمريكية، وغني عن القول إن مثل هذه الحرب لن تؤتي أكلها وتحقق المأمول منها دون تسوية النزاع الخليجي بين قطر وجيرانها، والذي مضى عليه أكثر من 1000 يوم.
ومن نافلة القول أيضا أن الانهيار المدوي لأسعار البترول، أصاب الدول الخليجية بدوار شديد، لدرجة أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعت في التاسع من هذا الشهر، على سبيل المثال، ارتفاع عجز ميزانية المملكة العربية السعودية من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12%، بقيمة 80 مليار دولار خلال العام الجاري.
وقالت الوكالة في تقريرها إن عجز الميزانية سيرتفع من 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى 12% من الناتج المحلي للعام الجاري، وذلك بسبب هبوط أسعار النفط والتبعات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا.
وذكرت أن توقعاتها للمملكة تشير إلى تراجع إيرادات النفط بنسبة 41%، بافتراض أن متوسط سعر النفط 35 دولاراً للبرميل. كما توقعت الوكالة انخفاض الإيرادات غير النفطية بنسبة 15% نتيجة لوباء كورونا”.
وإذا كانت الإيرادات المالية للسعودية تضررت، مدفوعة بهبوط أسعار النفط الخام، مصدر الدخل الرئيسي، إلى أدنى مستوى منذ 2002، بمتوسط 25 دولاراً للبرميل، قبل أن تصعد لاحقاً إلى متوسط 33 دولاراً. فكيف يكون الحال بعد انخفاض برميل النفط إلى أقل من 18دولارا.وما ينطبق على السعودية يسري على الدول الخليجية الأخرى.
ومن هنا يمكن القول بأن اندلاع حرب في المنطقة قد يؤدي لارتفاع أسعار البترول من جديد، الأمر الذي يصب في مصلحة الدول الخليجية (ولو ظاهريا، حيث إن فارق السعر سيصب في خزانة العم سام عبر صفقات الأسلحة و”رسوم الحماية” كم أن الحرب تمثل مخرجا للسيد ترامب من مأزق الفشل في مواجهة الفيروس وتعويض الخسائر المالية الفادحة المترتبة عليه، إضافة إلى تعزيز موقفه في الدعاية الانتخابية). فهل حان الوقت لحرب جديدة في الخليج؟؟ هذا ما ستجيب عنه الأسابيع أو الشهور القادمة!!