يبدو أن العالم لن يتغير نتيجة لانتشار وباء كورونا وأن عقارب الزمن لن تتوقف عن الدوران. كما يبدو أن الطموحات والصراعات لن يعوقها شيء عن الجموح والانطلاق في مسارها المعتاد، إن لم تكن ستزداد سرعة وشراسة. وإذا كان وباء كورونا قد فجر صراعات جديدة على الأرض، أو زاد من حدة هذه الصراعات، فإن هناك معارك أخرى تدور رحاها في الفضاء، بين الدول الكبرى أيضا، حيث يمثل الفضاء، عداءً سياسيا، ربما يفوق الصراعات الحدودية على الأرض!!
منذ أيام، أطلقت روسيا صاروخًا مضادًا للأقمار الصناعية في اختبار للتكنولوجيا التي يعتبرها سلاح الفضاء الأمريكي تهديدًا لأسطول الأقمار الصناعية الأمريكية الموجودة في مداراتها حول الأرض.
عملية الإطلاق أجرتها روسيا يوم (15 أبريل) في اختبار لنظامها الصاروخي المصمم لتدمير الأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض.
وجاء رد الفعل الأمريكي سريعا ومباشرا، حيث قال سلاح الفضاء الأمريكي، – وهو سلاح جديد نسبيا استحدثه الجيش الأمريكي- ، في بيان له إن هذا الاختبار جاء بعد مناورات تجريبية في المدار قام بها قمران صناعيان روسيان أظهرا خصائص نظامي تسليح فضائيين، هما “كوزموس 2254” و”كوزموس2543″، تتابعهما الولايات المتحدة عن قرب.
وفي فبراير الماضي، رصد سلاح الفضاء الأمريكي الأقمار الصناعية الروسية وهي تتعقب قمر تجسس أمريكيا، ووقتها وصف قائد سلاح الفضاء الجنرال جون “جاي” ريموند المسلك الروسي بأنه “أمر غير طبيعي ويدعو للقلق”!!
سلاح الفضاء الأمريكي تساوره أيضًا مخاوف جدية بشأن الاختبار الصاروخي الأخير. وقال ريموند في البيان إن الاختبار الروسي يقدم مثالا آخر على أن التهديدات التي تتعرض لها أنظمة الفضاء الأمريكية والحليفة هي تهديدات حقيقية وخطيرة ومتزايدة وإن الولايات المتحدة مستعدة لردع العدوان وملتزمة بحماية حلفائها ومصالحها من الأعمال العدائية في الفضاء.
ويتهم ريموند روسيا صراحة بـ”النفاق”، قائلا إن هذا الاختبار يمثل دليلا آخر على دعوة روسيا لوضع مقترحات تحد من تسليح الفضاء الخارجي بهدف تقييد قدرات الولايات المتحدة، بينما ليس لدى موسكو نية واضحة لوقف برامج الأسلحة الفضائية المضادة”. ويشير إلى أهمية الفضاء بالنسبة لجميع الدول، حيث تستمر الطلبات على أنظمة الفضاء في هذا الوقت بالذات، إذ تمثل اللوجستيات العالمية والنقل والاتصالات مفتاح التغلب على وباء كورونا.
في الوقت نفسه، وفي ذروة الوباء أيضا، وقع الرئيس ترامب في الأسبوع الأول من هذا الشهر أمرا تنفيذيا لتعزيز عمليات تعدين القمر، ضمن برنامج “ارتميس” لإقامة مستوطنة بشرية على سطح القمر واستغلال الموارد الفضائية الأخرى. وهناك معاهدتان رئيسيتان تتعلقان بالموارد الفضائية، وهما معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 واتفاقية القمر لعام 1979.
وبموجب اتفاقية القمر، يجب أن يخضع الاستخدام غير العلمي لموارد الفضاء للجنة تنظيمية دولية. ومع ذلك، وقعت الاتفاقية 18 دولة فقط، ولم توقعها الولايات المتحدة!!
في السياق ذاته تعتزم الصين، في وقت لاحق من هذا العام، إرسال مركبة آلية لإحضار عينات من تربة وصخور القمر بهدف تحليلها وإجراء الدراسات عليها. والهدف من ذلك بالطبع هو التعرف على مكونات تربة القمر وما تحتويه من معادن وأملاح وغيرها ودراسة كيفية الاستفادة منها، سواء في حالة إقامة مستوطنة صينية هناك أو لاستخدام هذه المعادن والأملاح هنا على الأرض!!
ومن غير شك فإن إقدام الصين على هذه الخطوة يفتح الباب أمام التنافس والصراع على مناطق النفوذ والملكية فوق سطح هذا الجرم الفضائي التابع للأرض. وسيؤدي ذلك إلى سباق تسلح فضائي، يختلف في طبيعته وأدواته وتقنياته عن برامج التسلح المستخدمة في الحروب البشرية على كوكبنا المنكوب بالجنس البشري!!
ويبدو أن صراعات البشر وأطماعهم، سواء على الأرض أو في الفضاء، وسواء بسبب الأوبئة أو سباق التسلح، ستكتب نهاية وجودهم على هذا الكوكب النادر من نوعه!!