الفيروس التاجي يقلب الموازين .. رأسا على عقب!!
زيادة التوجه للرقمنة والأتمتة .. و”الطبقات الهشة” تدفع الثمن!!
“بؤر التوتر الدولية” .. تعيد تشكيل الديمقراطيات الحديثة ..!!
ضعف النقابات ليس في صالح أحد .. خذوا العبرة من الكساد الكبير!!
العلاقات بين ذوي الياقات البيضاء والزرقاء وأصحاب العمل ..تتغير!!
تكاتف الجميع .. ضرورة للخروج من المأزق بأقل الخسائر
المرحلة الحالية فرصة لصياغة مجتمعات أكثر مساواة .. والارتقاء بسوق العمل
فحص طبي إلزامي واستخراج “باسبور حصانة” .. شرط العودة للوظيفة!!
تطوير المهارات وإعادة التأهيل ..لاستيعاب المهددين بشبح البطالة
ارتفاع أعداد العاملين من منازلهم .. واختلاف طبيعة الإدارة والعادات الاجتماعية!!
أزياء بألوان وأشكال مختلفة .. وتبدل الأحوال النفسية والعقلية!!
يمر العالم حاليا بلحظة فارقة في تاريخه، فقد صادف يوم عيد العمال الموافق أول مايو، أوضاعا درامية بسبب فقدان الكثير من الناس وظائفهم، نتيجة لانتشار وباء كورونا الذي قلب الموازين رأسا على عقب، حيث تم إغلاق الكثير من الشركات والمصانع. وتوقعت منظمة العمل الدولية أن يتعرض حوالي نصف القوى العاملة، البالغ قوامها 3 مليارات نسمة في العالم، لخطر فقدان مصادر رزقهم.
وأدى الإغلاق إلى تسريع ما كان يوصف بأنه “مستقبل العمل”، وهو مصطلح تم إطلاقه حول الفرص والتحديات والاضطرابات الناتجة عن التقدم التكنولوجي والعوامل الاقتصادية الهيكلية التي تحكم سبل العيش.
بالنسبة للعاملين من ذوي الياقات البيضاء، ما حدث كان يعني تزايد العمل عن بعد. أما عمال الخدمات وذوو الياقات الزرقاء، فقد فتحت الأزمة نافذة مرعبة على المستقبل، حيث يمكن للآلات أن تحل محلهم.
وبخصوص العاملين في اقتصاد الرعاية وقطاعي الصحة والتعليم، أدى الوباء إلى إعادة تقييم عالمية طال انتظارها، لأهمية هذه المهن وطبيعتها الأساسية. أما من يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، فقد كشفت الجائحة عن النقص الأساسي في سبل الحماية الاجتماعية والطبيعة غير المستقرة للعمل مقابل حد الكفاف.
ويقول تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي 2020، أعدته سعدية الزاهدي، المدير الإداري للمنتدى، إن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فورية وعاجلة للحفاظ على التوظيف، وتعزبز العلاقات بين أصحاب العمل والموظفين، وحماية الشركات الكبيرة والصغيرة من الانهيار، وتوفير دعم الدخل وشبكات الأمان الأخرى المباشرة للعمال والأسر. ويجب الاعتراف بأن اللحظة الحالية تمثل فرصة مواتية “لإعادة ترتيب الأوضاع” وإرساء أسس أكثر قوة لسوق العمل ولعالم أكثر مساواة.
تسريع الأتمتة
سبق وأن حذر علماء المستقبليات من “الروبوتات التي تسرق الوظائف”، إلا أن جائحة كورونا زادت المخاوف من أن تحل الروبوتات محل العمال. فبسبب إجراءات التباعد الاجتماعي، اضطر العديد من المنشآت للبحث عن طرق للعمل بأقل عدد من الموظفين. وهناك ميزة إضافية للروبوتات والخوارزميات، حيث إنها لا تصاب بالمرض.
ويرى الخبراء الغربيون إن الفيروس التاجي تسبب في تسارع اعتماد العمل على الآلة، وأن العاطلين يحتاجون لتطوير واكتساب مهارات جديدة، للعثور على وظائف. كما يحتاجون لإعادة تدريب هائلة، خاصة الذين تم تسريحهم من العمل.
ولسنوات طويلة، كانت الشركات تعمل من أجل أتمتة الأعمال المتكررة، فالرقمنة يمكنها إكمال المهام الإدارية، والروبوتات يمكنها تبسيط التصنيع، والطائرات بدون طيار يمكنها توصيل البضائع وتسليمها. ووجد الباحثون أن هذا النوع من الأتمتة يتم تبنيه بسرعة أكبر خلال فترات الركود الاقتصادي. ولكن مع تسارع الأتمتة والرقمنة، هل ننتظر بطالة جماعية، وتدفع الطبقات المهمشة الثمن؟
وظائف المستقبل
قدم المنتدى الاقتصادي العالمي في بداية 2020 عرضًا لوظائف المستقبل. وتتركز هذه الوظائف في اقتصاد الرعاية الصحية والاقتصاد الأخضر، الناس والثقافة؛ البيانات والذكاء الاصطناعي والهندسة والحوسبة السحابية وتطوير المنتجات؛ والمبيعات والتسويق والمحتوى. ومن المتوقع أن تستمر الوظائف في مجال التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية واقتصاد المعرفة. وبالنسبة لاقتصاديات الدول النامية، يجري إعادة النظر في سلاسل القيمة المضافة العالمية (النشاطات التي تساهم في زيادة قيمة المنتج أكثر من تكلفته) والتي كانت سائدة حتى وقت قريب ومعها نموذج للنمو يعتمد على التصنيع.
دعم العمالة
في الوقت نفسه، يمثل تقديم الدعم للعمال المعرضين للخطر والعاطلين أمرا حاسما بالنسبة للشركات والحكومات. وبرز العديد من الشركات في تقديم الدعم بإعادة توزيع العمال العاطلين ونقلهم بسرعة من الأعمال ذات الطلب المنخفض إلى الأعمال ذات الطلب المرتفع، كالخدمات اللوجستية والرعاية. وعندما تفكر الحكومات في منح حوافز مالية للشركات، يجب عليها إعطاء الأولوية لخدمات سوق العمل المتعلقة بإعادة توزيع العاملين وإعادة التوظيف.
وقد أصبح واضحا أن العمال الأساسيين هم من أصحاب الوظائف الأقل أجرًا والأكثر هشاشة، وأن الحماية الاجتماعية الأساسية في كثير من الاقتصادات النامية غير متوفرة بالنسبة لكثير من القوى العاملة الرسمية وغير الرسمية.
عقب الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، أخذت عطلة نهاية الأسبوع وحقوق العمال الأخرى طابعا رسميا وتم إنشاء شبكات أمان للصحة والدخل. وتم ضخ استثمارات تعليمية واسعة في أوروبا والولايات المتحدة. ورغم تغير طبيعة اقتصادات العالم، حاليا، فلم تواكب القوانين والمعايير والأجور احتياجات العمال، وربما أرباب عملهم، في حالات كثيرة. لذلك يجب أن تتكاتف الحكومات والشركات وممثلو العمال معًا للخروج بأقل الخسائر وإجراء عملية تحول تاريخي للارتقاء بالقوانين والاتفاقيات التي تحكم أسواق العمل.
فحص طبي إلزامي
ويتوقع خبراء الصحة والقانون أن يصبح الفحص الطبي إلزاميا لمن يعودون إلى العمل في الأشهر المقبلة، ويشمل ذلك قياس درجة الحرارة واختبارات الأجسام المضادة. ولمكافحة انتشار الفيروس التاجي، بدأت بعض الشركات الأمريكية الكبرى، ومنها أمازون Amazo ووالمارتWalmart قياس درجات حرارة موظفيها. ويمكن أيضًا مطالبة العمال باستخراج “شهادة حصانة”، للتحقق من مناعتهم ضد كوفيد 19، قبل عودتهم للعمل.
هذا النهج، الذي يخضع فيه العمال لاختبار الأجسام المضادة والتأكد من تمتعهم بالحصانة، يتم تبنيه في بريطانيا، التي تحاول طرح برنامج “شهادة الحصانة” أو “باسبور الحصانة”. ومع ذلك، حذر بعض العلماء بأنه لم يثبت علميًا بعد أن وجود أجسام مضادة للفيروسات التاجية دليل على المناعة.
العلاقات الاجتماعية
النقطة المضيئة لتأثير الوباء على مستقبل العمل، أنه يمكن أن يعزز الشعور بقيمة العلاقات الشخصية والاجتماعية مع الزملاء. ويقول بعض الخبراء: كنا نعتقد منذ فترة طويلة أن القدرة على رؤية زملائنا في العمل كل يوم أمر عادي، ولكننا لم ندرك أهمية ذلك.
ويؤكد البعض أن اللمسة الشخصية التي توفرها بيئة المكتب لا يمكن تجاهلها، حتى في قطاع تكنولوجيا المعلومات. هذه اللمسة تمثل تحولًا ذهنيًا. فمجرد التوجه إلى شخص ما أو التحدث إلى فريق العمل له تأثير مختلف. فنحن الآن نفتقد اللمسة الإنسانية والتفاعل الاجتماعي الذي اعتدنا عليه جميعًا.
أما العمل في المنزل من داخل غرف المعيشة وعلى طاولات الطعام فيمكن أن يشكل تحديات من نوع آخر. فالأطفال في المنزل يتوقعون اهتماما أكبر من الوالدين وبالتالي تكون هناك صعوبة في التركيز الفعلي على أداء الوظيفة، حيث يفترض الأطفال أن الوالد في إجازة. وهناك أيضًا ضغوط على من يعيشون في الشقق الصغيرة أو وسط أسر كبيرة، خاصة في المدن ذات الإيجارات الباهظة.
وبينما يدمج المحترفون بين متطلبات الحياة العملية والحياة العائلية وهم في منازلهم، فقد خفف العديد من الشركات الارتباط بمواعيد محددة لبدء يوم العمل وإنهائه. ومع نجاح تجربة العمل من المنزل، سيتحتم على الشركات إبداء المرونة فيما يتعلق بساعات العمل.
آدم جرانت، عالم النفس التنظيمي، وأستاذ كلية وارتن، ومؤلف كتاب “Originals”. يتفق مع ذلك ويتوقع أنه مع عودة زملاء العمل إلى المكاتب، سيتخلصون من عادات المراسلة السابقة وينهضون بالفعل ويتجولون ويزور بعضهم البعض شخصيًا. لكن، رغم التفاعل الشخصي بين الزملاء، فإن المصافحة في طريقها للزوال، حيث يجب أن تتوقف حتى بعد انتهاء الوباء، لتحل مكانها الإيماءات التي تعبر عن الود والاحترام من مسافة بعيدة، كالإشارة أو الابتسامة، ويمكن أن تصبح هي القاعدة.
تغيير الأزياء
رغم أن الملابس الرسمية ستبقى على الأرجح هي الأساسية في المكاتب، هناك نوعان جديدان من الملابس يمكن أن يشهدا انتعاشا، هما ارتداء ملابس العمل في المنزل، وأقنعة الوجه كملحق اجتماعي. ويمكن لمن يتعاملون كثيرا بالفيديو إعادة تجهيز خزانة ملابسهم لتكون صديقة للكاميرا .. ألوان أكثر جرأة وأنماط واسعة ومريحة وخطوط واضحة؛ نسبة أقل من الألوان المحايدة.
تقول ناتالي نودل، المؤرخة بمعهد تكنولوجيا الموضة في نيويورك، “إذا كان تعاملنا في حياتنا المهنية على الشاشات سيستغرق وقتا أطول، فسيفكر الناس أكثر في كيفية ظهورهم على الشاشة. وقد يصبح ارتداء قناع الوجه بالمكتب أمرًا شائعًا، خاصة في الشركات الكبيرة لوجود عدد أكبر من الأشخاص في مساحات ضيقة. وهذه فرصة أمام صناعة النسيج لابتكار أقنعة أكثر حماية وراحة وأناقة.
ميزة مشتركة
عندما أصدرت شركة تويتر Twitter وشركة التجارة الإلكترونية Shopify أوامر العمل الإلزامي من المنزل للموظفين في مارس، زود أصحاب العمل الموظفين بموارد إضافية للمساعدة في تسهيل التحول للعمل عن بعد. حصل كل موظف بشركة Shopify للتجارة الإلكترونية على 1000 دولار لشراء أجهزة لمكتبه المنزلي. ومنحت تويتر جميع الموظفين، حتى الذين يعملون بالساعة، تعويضًا عن مستلزمات المكاتب المنزلية بما في ذلك المكاتب والكراسي والوسائد المريحة.
وفي المتوسط ، يوفر أصحاب العمل حوالي 11000 دولار سنويًا لكل موظف يعمل بدوام جزئي عن بعد، وفقًا لشركة الاستشارات العالمية Global Workplace Analytics. وبعض الشركات تفضل عدم تحمل تكلفة إيجار أو امتلاك المساحات المكتبية، وعدم توصيل الموظفين ذهابا وإيابا.
ويقول الخبراء إن استثمار هذه الأموال في تجهيز المكاتب البعيدة سيضمن ولاء موظفيك لأنه يظهر مدى اهتمامك بهم، وببيئة عملهم في المنزل وحرصك على أن يكونوا سعداء ومنتجين.
الفجوة الرقمية
هناك حوالي 21 مليون أمريكي يفتقرون إلى الوصول للإنترنت، وفقًا للجنة الاتصالات الفيدرالية، وترى بعض التقارير أن هذا أقل كثيرا من الرقم الفعلي. معنى ذلك أن ملايين العمال، بغض النظر عن طبيعة الصناعة، لا يمكنهم العمل عن بعد. ورغم أن الحديث عن الفجوة الرقمية بدأ منذ سنوات، فقد سلطت جائحة كورونا الضوء بشكل أكبر عليها.
ومع بقاء المدارس والمكاتب مغلقة، يجب أن يدرك المسؤولون الحكوميون مدى الحاجة إلى زيادة البنية التحتية للعمل عن بعد. ويحتاج إنشاء شبكات النطاق العريض وقتًا وموارد كثيرة، لكنه الحل طويل الأمد بالفعل، سواء للدراسة أو الامتحانات أو العمل عن بعد.
وفي تقرير أعدته آجانا باريتشا، ونشره موقع فويس اوف أمريكا، تقول إن قطاع تكنولوجيا المعلومات بالهند في طريقه لاعتماد نموذج العمل من المنزل حيث يضم القطاع أربعة ملايين شخص، وهناك استعدادات لتشغيل 50% منهم عن بعد، بينما كان 20% فقط منهم يعملون عن بعد قبل مارس. وتقول أكبر شركة تكنولوجيا في البلاد Tata Consultancy Services أن 75 بالمائة من موظفيها سيمارسون العمل من المنزل بحلول عام 2025.
وفي الأشهر والسنوات المقبلة، قد يستمر تفريغ الإدارة الوسطى. ويقول بريان كروب، نائب رئيس شركة أبحاث جارتنر: “إنه خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، ألغت المؤسسات جميع أنواع طبقات الإدارة الوسطى. ويرى أن هذا من أسباب بطء زيادة حجم الأجور، وحتى رغم وصول الاقتصاد إلى آفاق جديدة، لم تتم ترقية العاملين إلى الإدارة الوسطى، وتم الاستغناء عن الكثير منهم.
هناك خبراء أكثر تفاؤلا بأن الطلب على المديرين من الدرجة الأولى سوف ينتعش بمجرد أن يهدأ الوباء لأن الشركات سترغب في التأكيد على الإنتاجية. وأحد المخاوف من عدم وجود قيادات وسطى أن عددًا أقل من المديرين سيتولى الإشراف المباشر على حجم أكبر من التقارير، مما يفسح المجال للخطأ، وانعدام الرقابة وسوء الإدارة.
صحتنا العقلية
لا تزال البيانات محدودة حول تأثر الصحة العقلية لمن يعملون من المنزل مقارنة بمن يعملون في المكاتب. لكن دراسة استقصائية بريطانية قارنت بين العاملين في المكاتب والعاملين المستقلين. وتشير التوقعات إلى أنه سيكون هناك من 25 إلى 30 مليون موظف أمريكي يعملون بانتظام من المنزل في غضون العامين المقبلين، رغم أنه قبل أزمة الفيروسات التاجية كان يعمل 5 ملايين فقط من المنزل نصف الوقت أو أكثر.
وغالبًا ما يُوصف العمل المستقل والعمل عن بُعد باعتباره مفيدا للصحة العقلية. وكتب جوشوا إفريغي تقريرا لموقع أوزي، يقول فسه إن العاملين لحسابهم الخاص هم مديرو عملهم ورؤساء أنفسهم، ويعملون وقتما يريدون، وحتى من لديهم عقود ويعملون عن بعد كما يمكنهم تجنب الضغوط الناشئة عن الانتقال أو ارتداء الأحذية.
ولكن قد يكون العمل من المنزل محبطًا، حيث يجد العمال أنفسهم معزولين أحيانا كثيرة، وينسون ترك المنزل ويفقدون القدرة على الإغلاق في وقت محدد بنهاية اليوم، وهو ما يوفره شيء كمغادرة المكتب جسديًا.
توم ميللر الرئيس التنفيذي لشركة كلير فورس ClearForce، المتخصصة في تحديد ضغوط الموظفين والسلوكيات عالية المخاطر، يعتقد أن أصحاب الأعمال لهم دور مهم في ضمان رفاهية الموظف، خاصة أثناء الوباء، فقد يكون من يعملون عن بُعد معزولين اجتماعيا وغير آمنين ماليا ومنهكين بالضغوط.
وفقًا لما ذكره ميللر، يجب على الشركات وزملاء العمل البحث عن العاملين عن بُعد ومحاولة البقاء على اتصال معهم. ويمكن أن يكون العمل من المنزل صعبًا حتى خارج سياق جائحة عالمية.
وربما تفوق فوائد العمل عن بعد أضراره. ووجد استطلاع أجري عام 2020 أن 98% العاملين عن بعد لا يرغبون أبدًا في العودة للحياة المكتبية. ومع ذلك، قال 20% إن أكبر صراع مع العمل عن بعد هو الشعور بالوحدة، وقال 20% آخرون أنهم كانوا يتواصلون ويتعاونون مع الآخرين.
ومن المهم الاعتماد على علاقات غير مرتبطة بزملاء العمل لمساعدة نفسك على الراحة أحيانا. لكن العمل عن بُعد قد يتيح لك ميزة التنزه لنصف ساعة خارج المنزل، أو ممارسة التمارين في غرفة المعيشة لتجديد نشاطك عند الشعور بالإرهاق. كما يمكنك اللعب مع أطفالك.
حقوق العمال
غالبًا ما يتم انتقاد صناع الملابس بسبب استغلالهم للعمالة التي تنتج أحدث التصميمات للعلامات التجارية الكبرى الأكثر مبيعًا. لكن في مصانع ميانمار التي تنتج ملابس للعلامات التجارية الشعبية الإسبانية، يثير العمال قضية مختلفة، وهي أن أصحاب المصانع ينتهزون فرصة الركود العالمي للقضاء على النقابات.
في أبريل، طلب الموظفون توفير أقنعة الوجه وضمان التباعد الاجتماعي في مكان العمل، ولم تمر سوى سويعات قليلة حتى فصل أحد المصانع أكثر من 500 عامل نقابي. ونظم موظفون آخرون احتجاجا خارج المصنع ضد محاولات تكسير قوانين النقابة. وتشير هذه الاحتجاجات في واحدة من أفقر دول العالم إلى عاصفة متصاعدة من الاضطرابات العالمية، حيث ترمي الحكومات والشركات، لتوفير نفقات حماية العمال، لصالح أصحاب الثروات!
ويقول تشارو سودان كاتوري، في تقرير على موقع أوزي الأمريكي، إنه مع تحول تركيز العالم من القضاء على الوباء إلى التركيز على آثاره الاقتصادية، فإن بؤر التوتر الناشئة في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والهند يمكن أن تشكل الاتجاه السياسي المستقبلي للديمقراطيات الحديثة، مثلما حدث بعد الكساد الكبير. وما لم يكن قادة هذه الديمقراطيات حذرين، فلن يسير هذا الاتجاه وفق رغبتهم.
وقد أصدرت ولاية أوتار براديش، وهي أكبر ولاية في الهند ويبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة، منذ أيام قانونًا شاملاً يعفي الشركات من جميع قوانين العمل لمدة ثلاث سنوات، في محاولة لجذب المستثمرين. وتنازلت ولايات هندية أخرى عن قوانين تلزم الشركات بدفع مقابل العمل الإضافي للموظفين.
وفي بريطانيا، تحتج النقابات على إعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي طالب من لا يمكنهم العمل من المنزل بالعودة إلى المصانع والمتاجر، دون إلزام أصحاب العمل بضمان سلامة العمال. وأثارت هذه الخطوة المخاوف حول اتساع الفجوة بين من لديهم وظائف ذات أجر أفضل ويعملون من المنزل وبين عمال المصانع الذين يتقاضون أجوراً أقل ويخاطرون بتعريض أنفسهم للفيروس.
وتضغط النقابات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ضد الشركات التي تطرد من يمكن الاستغناء عنهم. ففي البلدان الثلاثة، من حق العمال المسرحين الحصول على جزء كبير من رواتبهم من الحكومة. في فرنسا مثلا، تقدمت شركات بمئات الشكاوى، تطالب فيها بتعويضات حكومية لدفع أجور موظفين، تحت زعم أنهم جالسون في منازلهم، بينما كانت هذه الشركات تضغط عليهم وتعيدهم للعمل. وهناك أكثر من 200 عامل في مجزر بألمانيا ثبتت إصابتهم بـ كوفيد-19 حتى مع قيام الدولة برفع قيود الإغلاق.
الاسترشاد بالتاريخ
وشهدت الولايات المتحدة طفرة في العمل النقابي خلال الوباء. أضرب عشرة آلاف عامل بناء في ماساتشوستس بسبب ظروف العمل غير الآمنة. ونظم موظفو شركة هول فودز احتجاجا على المستوى الوطني. وكان هناك إضرابات في مصانع تعبئة اللحوم، إضافة إلى مطالب بتوفير أدوات الحماية الشخصية وبدل المخاطر من قبل عمال آخرين. وهناك توقعات بالمزيد في الأشهر المقبلة مع اندفاع الدول لإعادة تشغيل عجلة اقتصاداتها، وتجاهل مخاوف العمال.
يقول كاتوري: إذا أردنا الاسترشاد بأحداث التاريخ، فالتكاليف الاجتماعية والسياسية لتجاهل حقوق العمال -خلال هذه الأزمة -ربما تهدد ديمقراطيات السوق الحرة. وقد شهد آخر ركود اقتصادي بمثل هذا الحجم. عام 1934، أضرابات كثيرة في مختلف الفطاعات والولايات. في الوقت نفسه، أعطى التحرر الاقتصادي الواسع فرصة لظهور الديماجوجيين الفاشيين، خاصة في أوروبا، الأمر الذي مهد الطريق للحرب العالمية الثانية.
خرجت الولايات المتحدة من الكساد الكبير في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي انتهجت إدارته ما يسمى بـ “الطريق الثالث” وسنت مجموعة من القوانين المنصفة للنقابات العمالية، بما في ذلك قانون التفاوض الجماعي، وشهدت النقابات الأمريكية زيادة عضويتها من 3 ملايين في 1933 إلى 10 ملايين عام 1940.
ويرى كاتوري إنه بعد تسعة عقود، يجد العالم نفسه الآن في مفترق طرق. الحركات الشعبوية اليمينية المتطرفة تنزعج من احتمال أن يستفيد من المحنة الذين تركتهم الديمقراطيات ليعتمدوا على أنفسهم في هذا الركود. ربما لم يكن أمام بعض الشركات خيار سوى قطع الأجور أو تسريح العمال. لكن على الحكومات أن تختار بين دعم العمال أو السماح باستغلال الأزمة الاقتصادية لإضعاف قوانين العمل.
وبالنسبة للديمقراطيات، فإن الشرعية من وجهة المواطنين العاديين هي الأساس. والسماح بتآكل هذه الشرعية، يضع الجميع في مسار زلق. فهل يمكن للعالم أن يكرر أخطاء الثلاثينيات؟؟
توفير الحماية
يشير تقرير على موقع هارفارد بيزنس ريفيو، إلى أنه منذ أواخر السبعينيات، أعطى المسؤولون التنفيذيون الأولوية لتعزيز أرباح المساهمين على حساب حماية الموظفين، الذين تم إسناد عملهم إلى جهات خارجية ورقمنته وتقليص حجمه. وفي كتاب بعنوان “المجردون: انعدام المساواة في عصر المال”، Divested: Inequality in Age of Finance، يوضح المؤلفان ميجان توبياس نيلي وكين هوي لين، كيف أن هذا التحول في حوكمة الشركات قوض قدرة العمال على المساومة. ورغم زيادة التغطية التأمينية في قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، فقد ضاقت ظروف العمل العامة، والحماية، والأجور.
إن وجود شبكة أمان أكثر قوة يمكن أن يساعد في تخفيف العواقب بالنسبة للعمال اليوم، فمثل هذه الشبكة تعزز الاقتصاد في مواجهة حالات الانكماش الاقتصادي المستقبلية. ولا شك في أن الإجازة المرضية والرعاية الصحية الشاملة من شأنهما تخفيف الضغوط التي يواجهها العمال وتضمن للمرضى الوقت الكافي للتعافي، مما يجعلهم أكثر إنتاجية عند عودتهم إلى العمل. وبدون تكاليف التأمين على العمال، يمكن لأصحاب العمل أن يتكلفوا المزيد. ومن شأن زيادة الدخل أن تولد المزيد من الإنفاق وتحفز الاقتصاد.
كما أن تقليل الاعتماد على الشركات الكبيرة سيمنح العمال حرية العثور على وظائف تناسب مهاراتهم بشكل أفضل، مما يخلق اقتصادًا أكثر رشاقة وابتكارًا.
وتوفر اللحظة الحالية فرصة لإجراء تغييرات دائمة على الوضع الراهن وتحسين الظروف لجميع العمال. وكما يفترض علماء الاجتماع، فإن الأزمات والانهيارات تكشف عن الشروخ والتصدعات في النظم التي ترسخ لانعدام المساواة. ويوفر التاريخ دليلاً على أن الأزمات توفر فرصًا لتغيير المجتمع بطرق تحد من التفاوت الكبير بين مختلف الفئات. وربما كان عدم التعاطف مع العاطلين والموظفين الذين يتقاضون أجوراً منخفضة ويعملون لساعات طويلة، قد عزز حجة الشبكة الاشتراكية العالمية التي دعت مؤخرًا للتضامن مع العاملين الذين يخاطرون بحياتهم من أجلنا جميعا.