لم تربط أى دولة فى العالم تنميتها وثراءها لا بالمياه ولا بالكهرباء، فالأخيرة ليست بترولا ولا غازا طبيعيا ولها العديد من مصادر التوليد. لم نعرف دولة فى العالم تحولت إلى الثراء من إنتاج وبيع الكهرباء ولا حتى الدول الثرية التى تنتجها من المفاعلات النووية. وبالمثل أيضا ربط التنمية والثراء بالمياه لأن المياه أحد محاور التنمية وليست كل المحاور ولو كانت التنمية بحجم الموارد المائية لكانت دولة الكونغو بنهرها العظيم الذى يلقى بالمحيط الأطلنطى بنحو 1284 مليار م3 كل عام، لكانت أغنى الدول الإفريقية وليس أفقرها، وبالمثل كندا التى تستحوذ على خُمس مياه العالم ليست أكثر الدول ثراء فى العالم ولا البرازيل بنهر الأمازون الذى تبلغ تدفقاته 5500 مليار م3 سنويا، وبأمطارها الغزيرة ونصيب الفرد من المياه بها والذى يتجاوز 23 ألف متر مكعب سنويا مقارنة بنصيب 600 متر فقط فى مصر، بل إن بعض دول الخليج معدومة المياه والتى لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه فيها 10 أمتار مكعبة فى السنة أصبحت من الدول الثرية بدون المياه. هذه المقدمة للرد على ما تدعيه إثيوبيا للعالم بأن مصر لا تريد لها الرخاء بحسن استغلال مواردها المائية ولا بتوليد الكهرباء وأنهما السبيل الأمثل للتنمية والرخاء، وهو ما يعتبر وهما ومخادعة للمجتمع الدولى، فلا المياه ولا الكهرباء وضعت دولة واحدة فى العالم فى مسار الرخاء ولا جعلتها من الدول الصناعية الكبرى، ولكنها سلسلة طويلة تبدأ بالعلم والتكنولوجيا والموارد البشرية وتنتهى بالموارد الطبيعية البترول والغاز الطبيعى والتعدين والمياه.
أيضا أن ما تدعيه إثيوبيا بشأن التوزيع المنصف والعادل لمياه الأنهار الدولية والتى حرص القانون الدولى لمياه الأنهار الدولية بالنص على التوزيع العادل وليس المتساوى،
.. فقد أوضح القانون أن الأساس لتوزيع المياه الدولية العابرة للحدود هو مدى وجود أكثر من مصدر للمياه ووجود بدائل للمصدر الواحد ثم وجود المياه الجوفية والأمطار بل وأوضح أن حوض النهر لا يعنى فقط ما يجرى من مياه بين ضفتى النهر، بل أيضا حوض المياه الجوفية ومناطق تجميع مياه الأمطار والبحيرات العذبة. وعلى سبيل الإيضاح أوضحت دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة عام 2012 أن حجم مياه الأنهار فى إثيوبيا يبلغ 123 مليار م3 سنويا يخرج منها إلى نهر النيل عبر أنهار النيل الأزرق وعطبرة والسوبات 72 مليار م3، وبالتالى يتبقى لإثيوبيا 51 مليار متر مكعب من مياه الأنهار الأخرى وأن حاجتها لمياه أنهار النيل منعدمة لتوافر البدائل الغزيرة. وأضاف التقرير أن حجم مياه الأمطار التى تسقط على إثيوبيا سنويا تبلغ 936 مليار م3 سنويا يصل منها إلى أنهار النيل 72 مليارا فقط بنسبة 0.08% فقط، وأن ما تستحوذ عليه إثيوبيا من أمطار تعطيها المراعى الخضراء الوفيرة و100 مليون رأس من الماشية تساهم بنسبة 24% من الدخل الزراعى بها، وجعلتها تتربع على قمة الدول المصدرة للبن العضوى والعديد من الأغذية العضوية المربحة، بالإضافة إلى شحن المياه الجوفية الإثيوبية دوريا. هذه الأمطار وما تخلقه من أنهار وأماكن تجمعات للمياه أعطت إثيوبيا تسعة أحواض أنهار يحتوى كل حوض على عشرات الأنهار. فمثلا عندما ينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا لا يزيد تدفقه عن 5 مليارات م3 فقط وعندنا يصل إلى حدود السودان تكون تدفقاته وصلت إلى نحو 50 مليارا بما يوضح حجم وعدد الأنهار التى انضمت للنيل الأزرق على طول مساره. الأمطار وأنهارها أعطت إثيوبيا أيضا بحيرة تانا التى تبلغ مساحتها 3673 كم مربع ومتوسط عمق المياه بها 14 مترا أى بها مياه بنحو 51432 مليار متر مكعب تستفيد منها إثيوبيا وحدها ولا يخرج منها للنيل إلا خمسة مليارات، ومياه البحيرة وحدها تفوق حصة أى دولة أخرى من دول الحوض. فإذا حسبنا كل الموارد المائية لإثيوبيا والتى لا ترى منها إلا ما يذهب إلى أنهار النيل الثلاثة، فنجد أن إثيوبيا تستحوذ على نحو 99% من إجمالى موارد نهر النيل كأمطار ومياه جوفية وبحيرات وأنهار، ولكنها تنظر فقط للواحد بالمائة الذى يذهب إلى مصر والسودان وبدلا من أن تتفرغ لاستثمار كل هذه الموارد اتجهت فقط لخلق المشاكل مع مصر ومشاركتها فى مياهها القليلة متحججة بمبدأ التوزيع المنصف والعادل لموارد مياه الأنهار والتى هى فى صالح مصر تماما.
نفس الأمر ينطبق على باقى دول منابع النيل الأبيض والتى تحتوى بحيرة فيكتوريا على 3450 مليارم3، وتحتوى بحيرة ألبرت على 153000 مليار م3، بالإضافة إلى مياه بحيرات إدوارد وجورج وكيوجا وتقع جميعها فى أوغندا، بينما تتشارك أوغندا مع الكونغو فى بحيرة ألبرت وهى التى تم اكتشاف البترول فيها منذ عشرين عاما وتقتسمه الدولتان دون حسد ولا غل من مصر!! هناك أيضا نحو ألف مليار م3 من الأمطار تسقط على حوض بحيرة فيكتوريا ولا يصل منها إلى نهر النيل إلا نحو 45 مليارا فقط يفقد منها 30 مليارا فى مستنقع «السد» بجنوب السودان، أى أن مصر والسودان لا تستفيدان إلا بأقل من 1% فقط من موارد النيل الأبيض وبحيراته ومياهه الجوفية ومن غير المعقول أن نترك كل هذه الموارد بخيراتها وعائداتها لكى ننظر فقط إلى القليل الذى يسرى بين ضفتى النهر، وندعى أن مصر والسودان تستحوذان على كامل مياه نهر النيل فى حين أن الواقع يشير إلى أنهما تستفيدان بنسبة 3.7% من إجمالى موارد النهر تاركة خيرات البحيرات وبترولها وأسماكها وأمطارها ومواشيها ومراعيها وزراعاتها للأشقاء دون مزاحمة ولا مغاطة مرتضين بما قسمه القدر من مياه تعودنا أن تصل إلينا عبر آلاف السنين. إثيوبيا تفعل مثلما فعل قابيل صاحب التسع والتسعين نعجة حين نظر إلى نعجة أخيه الوحيدة التى بارك له الله فيها.
بالتطبيق الفعلى للاستخدام المنصف والعادل لمياه نهر النيل تكون لمصر ديون ومياه ومنافع كثيرة لدى إثيوبيا التى لا ترضى بقسمة القدر وتتعمد إحداث الضرر الجسيم لجيرانها وتعرض نفسها لتهمة تعمد الإضرار بالجار والتى تنظر فى محكمة العدل الدولية.
كلية الزراعة- جامعة القاهرة