قال د. مدبولي رئيس الوزراء لأسامة هيكل وزيرالاعلام “أوقات الأزمات تتطلب إعلاما قادرا علي مواجهة الشائعات” .. وهذه حقيقة لكن الأهم أن تكون الحكومة قادرة علي إيصال المعلومة للرأي العام بوضوح وبلا لبس لاغلاق أي مجال للاجتهاد الذي عادة ما يجلب نتائج سيئة .. وقد راعني كم التفسيرات التي قدمت علي السوشيال ميديا عن الموقف المصري من خليفة حفتر قائد الجيش الليبي ، فانعكس سخطنا من الأوضاع الاقتصادية وتدهور الصحة والتعليم وغياب دور فعلي للبرلمان في تقديم تشريعات تخدم المواطن في شماتة وفرح غير مبرر لهزيمته واعتبارها ضربة لمصر لأنها أيدت وناصرت شخصا غير مؤهل .. في الوقت ذاته أكد آخرون أن هناك قوات مصرية تتقدم باتجاه ليبيا وكأن من يردد هذه الترهات ينسي أن إرسال القوات المصرية خارج حدودنا لابد وأن يحظي بموافقة مجلس الشعب .. العقلية العسكرية المصرية تعي دروس حرب اليمن وبالتالي فإن المرة الوحيدة التي شاركنا فيها في حرب كانت لتحرير الكويت ضمن تحالف دولي “شمل 36 دولة وبموافقة من مجلس الأمن الدولي والبرلمان المصري معا ..
ان القراءة المتأنية للملف الليبي ينبغي أن تتم في إطار صراع قوي اقليمية ودولية علي ثروات ليبيا .. أو بمعني أصح روسيا وامريكا ممثلة في حلف الأطلنطي الذي تعتبر تركيا وكيله في أوروبا .. منذ مؤتمر برلين شعرت مصر أن روسيا وتركيا متفقان علي تقسيم ثروات ليبيا كما تقاسما النفوذ في سوريا .. الخطأ الذي وقع فيه الجميع تصور أن حفتر حصل علي مساندة عسكرية مصرية مباشرة .. بالعكس روسيا هي التي استخدمت مرتزقة فاجنر الخبيرة في الحرب بالوكالة لتدعيم حفتر بالاضافة لخبرات عسكرية روسية في ليبيا .. بينما اقتصر الدعم المصري علي المواقف السياسية ومعلومات مخابراتية .. الاقتصاد دائما يلعب لصالح السياسة .. وإذا كانت القاهرة قد تحالفت مع اليونان وقبرص ولبنان وإسرائيل لإنشاء محطة لتصدير الغاز لأوروبا ، فإن روسيا أيضا متفقة مع تركيا علي نقل الغاز الروسي لأوروبا من خلال خط السيل التركي الذي ينقل الطاقة من روسيا لتركيا عبر أنبوب طوله 930 كيلو مترا ثم إلي أوروبا من خلال فرع آخر طوله 180 كيلو مترا .. وهو في الأساس مشروع بوتين الذي طرحه علي أردوغان في ديسمبر 2014 خلال زيارته التاريخية لأنقرة..
خريطة الثروات الاقتصادية بالمنطقة تشهد تجاذبات خطيرة ويهم مصر فيها شيئين الأول ألا يعتدي أحد علي كنزها الاستراتيجي من الغاز والثاني ألا يتواجد إرهابيون ودواعش علي حدودها الغربية حيث سبق ودكتهم القوات الجوية المصرية انتقاما لمقتل 21 مسيحيا مصريا .. وبصراحة أكثر اعتذرت مصر بلباقة لموسكو عن إقامة قاعدة بحرية روسية قرب السلوم بزعم حماية محطة الضبعة النووية .. من ثم جاء الصراع في ليبيا علي طبق من ذهب لروسيا لتحصل علي الشرق الليبي بغازه وبتروله (قطاع بني غازي) وتقيم قاعدة عسكرية فيه وظهرت طائرات روسية قرب حدودنا الغربية وبالتالي لن يخترق الدواعش تحصينات روسية!!.. وحصل الأتراك علي طرابلس الغرب التي تبعد عنا ألفي كيلومتر .. السبب الرئيسي لهزيمة حفتر ليس لأن مصر حاربت معه ولكن لأن الروس سحبوا مرتزقاتهم القوية التي كانت تؤازره وتحمي ظهره بالاتفاق مع تركيا علي أن ينسحب بدون الدخول في معارك .. إذن حفتر انضرب من الروس قبل الأتراك ..
ودخول ما يسمي بقوات الوفاق المناطق التي كان يشغلها حفتر في ترهونه والمطار وضواحي طرابلس والوطية لم يكن انتصارا ولكن كان أقرب لخيانة أو انسحاب تكتيكي حقنا لدماء المدنيين..
أجئ لموضوع سد النهضة وهو يختلف عن الأزمة الليبية تماما لأنه تهديد مباشر للأمن القومي من دولة ليست عربية وتم استنزاف كل وسائل التفاوض والوساطات ولم تقابل حسن النية المصرية إلا بغطرسة وتحد واستعلاء نعلم من يقف خلفه وبلغ التجاوز حده أن خزانات السد ستمتلئ رغما عن أي شيء .. وردا علي السخرية التي تبثها قنوات معادية وانزلاقات لرواد الفيسبوك انسياقا وراء تدهور الأحوال الاقتصادية للمصريين ، فإني أزعم أن مصر بدأت تظهر العين الحمراء وتمثل ذلك في تصريحات السيسي واجتماع مجلس الأمن القومي فقد اقترب موعد الملء (أول يوليو) ومازلنا محلك سر بعد 7 سنوات تفاوض .. نحن الآن أمام أمر واقع .. لا ينفع أن نبكي علي اللبن المسكوب .. لقد ذهبت شرذمة ينايرجية إلي إثيوبيا في 2011 تشجعهم علي بناء السد وساروا في مظاهرات في أديس أبابا يسبون مبارك وعمر سليمان .. لقد أشار الرئيس نفسه في أحد لقاءاته إلي هذا وقال بالحرف : “بتقولوا لنا حل ياسيسي أزمة المياه .. طب ما أنتم اللي عملتوها .. وتحرك يناير دفعنا ثمنه وبندفع وسندفع ” خلص الكلام .. ماذا سنفعل .. أما أن تتدخل أمريكا بقوة لفرض الاتفاق الذي جري التوصل إليه برعاية وزير الخارجية بومبيو وحضور ممثلين عن مصر والسودان وإثيوبيا وصندوق النقد الدولي وإما أن نلجأ لخيار عسكري وهو ما يتعارض مع بنود القانون الدولي .. لذلك أرسل وزير خارجيتنا إلي جميع أعضاء مجلس الأمن مذكرة تشرح الجهود المصرية لإنجاز حل سلمي للأزمة خصوصا وأن إثيوبيا قاطعت الجلسة الختامية لمفاوضات واشنطن التي كانت مخصصة للاحتفاء به ..
بصراحة مصر تقول للعالم كله لا تلومونا إذا لجأنا للخيار العسكري ، فقد قبلنا كل الوساطات ولم نصل لنتيجة! الرئيس يؤكد في كل مناسبة أنه يفضل الحل السلمي لكنه في نفس الوقت يرفض سياسة فرض الأمر الواقع علي مياه النيل لأنها قضية وجود وحقوق مشروعة كفلتها معاهدات دولية .. التقارب المصري السوداني الأخير قلب المنضدة 180 درجة خصوصا بعد زيارة رئيس المخابرات المصري للخرطوم وتبعه نائب الرئيس السوداني محمد حمدان للقاهرة..
يقيني أن القيادة العسكرية والسياسية لمصر لن تقبل أن تدخل التاريخ متهمة بتجويع وتعطيش المصريين .. وإذا كانوا يريدون موتنا هنا أذله ، فمن الشرف أن نموت هناك كرامًا..