قال..
يتيم ذلك النبض الذي اعتادك دون قصد..
اتخذك قبلة ومنتمى وتجاهات أربع للدنا، أينما ولى كنت أنت مقصده..
ثم سرقك الغياب فجأة دون سابق إنذار..
في واحدة من أكثر جرائمه بشاعة وقسوة..
حزين، ذلك الصبح الذي يشرق وأنا وحدي رفيق الشوارع والأرصفة..
هائم على وجهي لا وطن يرضى بي، ولا منفى يقبلني..
لأعاني على الدوام وجع المنتصفات واللا مسميات..
كأنما نُذرت لعصف الرياح تلقي بي أينما شاءت..
ويبقى مصيري معلقا حتى يحن وطن أو يجود منفى..
أقتني لهفة تتقزم أمامها كل ما يمكن أن يُنسب في عرف البشر إلى الشعور أو المشاعر..
وقد جارت في هدأتها، تمردت وثارت..
حتى بِتُ بها أرزى ممن نالت منه نوائب الدهر، وغاصت في ضلعه أظافر الحدثان حتى طالت العظم..
وأكلت على مأدبة روحه حوادث الزمان وشربت حتى الثمالة ولم تكتفي..
ما زلتُ ذلك الغر الذي يبحث عن آخر قطرة من عطرك، تميمة لأمل، أحمله في جعبة ذكرياتي المتخمة عن آخرها..
المزدحمة بتلك الأشياء التي كتبت في دفتر أحدهم يوما هزلا..
عبثا..
وسدى..
لتؤول ببساطة وعدم اكتراث إلى سلة مهملاته إذا ما جََّد جَدُّ قلبه، محتسبا كل ما كان على ملة اللهو البريء..
ولله در براءته كم كان ذلك النقي الذي لا يقترف قلبه خطيئة أبدا..
وربما كنتُ أنا وحدي جملة خطاياه..
ما زلت ذلك الصغير الذي يحمل صورة وجهك بين ضلوعة، خبيئة صبي من عهد الطفولة..
يدسها في أعماقه وِردا، يحمله في صدره لصلاة شوق يقيمها إذا ما اجتازت قدماه عتبات بيوت العبادة..
تهجد وألهج..
أو..
عساه يكون تأشيرة عبور لغد يعاني دونك وجع الولادة..
وليتها الأحلام كانت تجربة تقبل التكرار والإعادة..
لعدت، وحلمت بك مرتين..
الأولى على قيد حياة، أظنها ظلت هي الأخرى حلما لم يكتب له أن يرى النور….
والثانية..حنوط بدن لم يستفق من وجع السهام، وقرع الرماح وهي تتبارى على ساحته، أيها يكون له قصب السبق في النيل من كبد صاحبه..
ورجع الصدى في ذلك الأفق الممتد بلا نهايات..
حينما يضيق مثل صدري أو أشد منه ضيقا..
مثل دمدمة القوارع إذا دقت طبولها دونما استئذان في جوف ليل أشد حلكة وسكونا من قبور الموتى..
أو..
كدوي رعد يتهاطل ضجيجا بداخل أذني الصماء يعلن ثورة الشتاء على قانون الفصول، وتمرد الصقيع على عرف المواسم..
آثم قلب يجمع في جعبة واحدة بين السقوط إلى قمة الهذيان فيصرخ مستغيثا وهو يعلم يقينا أنه ما من جواب ولا مجيب، والصعود إلى قاع الصمت فيمارس السكون طقس حياة حتى يُظن به الموت من كثرة ما ساد واستأسد..
فهل دلني أحدهم كيف تُمارسُ من نوافذ الموت حياةٌ؟!..
سبحان من أسمع الصم النداء، هذا إذا كانت علة الأذن صممٌ..
سبحان من أحيا موات القلب من بعد طول البرزخ ..
وسبحان من جمع فيك بين الموت والحياة..
فكم أحيا بك وكم أموت؟!..
لست أدري..
انتهى النزف لموت القلم..
النص تحت مقصلة النقد
بقلمي العابث..