لقد فتحت ظاهرة الاحتكارات في الأسواق العالمية الباب على مصراعيه أمام نمو الأنشطة غير المفيدة للتنمية الاقتصادية، وتشوه، بسبب ذلك، البنيان القطاعي للاقتصاد المصري، وتركز في القطاعات سريعة دوران رأس المال.
أي أن هذه الاحتكارات قد لعبت دورا في تعثر خطوات الاقتصاد المصري في طريق التنمية. ولما كانت المنافسة هي نقيض الاحتكار، فإن محنة المنافسة تزاد كلما تركنا الحبل على الغارب لغول الاحتكار، وكلما أهملنا علاج هذه الظاهرة المرضية. وفى حالة ظل الوضع على ما هو عليه في الأسواق المصرية، فإن الوصول للمنافسة العادلة سيظل هدفا عزيزا يبعد عنا ونبعد عنه باستمرار!
ومن بين رموز الرأسمالية الأمريكية المعاصرة يمثل وارن بافت وبيتر تيل هذا النموذج برغم كل شيء. فالأول وهو من أغنى أغنياء العالم، عادة ما يتم تقديمه على أنه الثري العصامي الذي لم تتغير عاداته، بل وأحياناً ما يقدم رؤى نقدية، والثاني هو ممثل لكل نظريات الابتكار وريادة الأعمال في وادي السيليكون الشهير وهو مؤسس باي بال وأحد المستثمرين في فيسبوك. فالأول معروف، بحسب الكتاب، بأنه لا يستثمر سوى في الشركات التي تمتلك أوضاعاً احتكارية أو مسيطرة في السوق. والثاني، على عكس كل النظريات يدافع مباشرة عن الوضعيات الاحتكارية ويقول إنها شرط مباشر للابتكار، الذي يحتاج لاستثمارات كبرى وشركات ذات حجم هائل.
“الرأسمالية التي نراها اليوم في الولايات المتحدة أبعد ما يكون عن الأسواق التنافسية”، بحسب ما يقول الكاتبان. لكن هذا الوضع ليس قاصراً على الاقتصاد الأمريكي. “فعبر العالم، ينتاب الناس إحساس بأن هناك شيئاً خطأ، مما يقود إلى مستويات قياسية من الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا، وإلى تراجع التسامح ورغبة في قلب النظام القائم. اليمين واليسار لا يستطيعان الاتفاق على تعريف المشكلة لكنهما يعرفان أن هناك شيئاً عفناً”، كما يقول الكتاب مشيراً إلى أن الحديث يجب أن يكون عن احتكار القلة وليس الاحتكار المنفرد.
و الحالة القصوى أو الأعلى من الرأسمالية مع وجود بعض الاستثناءات، لكن تبقى فكرة وجود طرف أو موفر واحد فقط تقريبا لسلعة أو خدمة تجسيداً حقيقيا للفكر الرأسمالي الجشع، أو بمعنى آخر فإن الإحتكار يعني غياب المنافسة وانعدامها ومن ثم السيطرة على السوق وبسط الهيمنة التي تحاول الحكومات مقاومتها.
الاحتكار يفسح الطريق أمام شركة أو كيان بعينه إلى بسط هيمنته وفرض منتجه مهما كانت درجة جودته وبالسعر الذي يريده نظرا لعدم قدرة المنافسين على مواجهته، ومن ثم تتعاظم أرباح ذلك الكيان الذي قد ينافس نفسه في بعض الأحيان عن طريق شركات أخرى تعود ملكيتها له.
ولأن الإحتكار يهدد كيان الدولة فإن وضع القوانين الصارمة لمواجهته يعد أساسياً لخلق توازن في الأسواق وإبعاد فكرة السيطرة عن السوق وتضخم الثروات الفردية على حساب الطبقة الكادحة.
لكن رغم ذلك تبقى “منطقة رمادية” يتمكن البعض من الإفلات عن طريقها من سلطوية القوانين مع وجود فساد إداري في عمل ممارسات احتكارية للسلع والخدمات، حتى أن هذا المنحى وقعت فيه الدول المتقدمة ذاتها لكنه في النهاية لخدمة توجهاتها، ولما لا وهي حاضنة الرأسمالية ومروجة أفكارها.
فبراءات الاختراع على سبيل المثال تعني احتكارا بهدف تطوير منتج ما، وعلى الرغم من كونها حفظاً لحقوق أصحابها، بجانب منح المبدعين وقتاً لإسترداد تكاليف الأبحاث والتطوير إلا أن بيعها لشركات بعينها في النهاية يمثل احتكارا غالبا ما تتمتع به شركات غربية تتحكم عن طريقه ليس في سعر المنتج فقط، بل من سيشتريه أيضا مع دخول السياسة طرفاً في اللعبة.
احتكار العرض والطلب
ان عمليات الاندماج والتكتل الذي تقوم به شركات كبرى عابرة للقارات أو متعددة الجنسيات بهدف خدمة أغراضها التوسعية وهيمنتها أو حتى على المستوى المحلي نقلت الفكر الرأسمالي من مرحلة تشجيع المنافسة إلى تشجيع الإحتكار ولو بشكل غير مباشر.
إنها حرب تكسير العظام واكتساح الأسواق مع اعلاء فكر البقاء للأقوى عن طريق الاقتصاد لا السلاح والغزو ومن ثم صار هناك من يحكتر العرض وآخر يحتكر الطلب فما الفرق بينهما؟
احتكار العرض أو البيع يعني سيطرة من قبل شركة أو شخص أو مجموعة على انتاج سلعة ومن ثم التحكم في حركة سعرها في مواجهة المشترين، والعكس تماما فيما يخص احتكار البيع أو الطلب حيث ينفرد مشتري واحد فقط في مواجهة البائعين في طلب السلعة.
وهنا ينبغي الانتباه إلى ممارسة بعض الشركات أو الدول سياسة “الاغراق” في أسواق بلد آخر، حيث تبيع منتجها بسعر يقل عما هو موجود فعلا بالسوق المحلي، وما يتبع ذلك من أضرار واسعة باقتصاد الدول المستهدفة بالإغراق خصوصا فيما يخص تراجع أرباح الشركات المحلية أو افلاسها وتزايد نسبة البطالة مع تسريح عمال وغيره من الآثار السلبية.
لذا تقوم الحكومات بفرض رسوم اغراق بهدف تنظيم عملية تنافس المنتجات المستوردة والمحلية خصوصا اذا ثبت منح حكومة الدولة الأجنبية دعماً لشركاتها المصدرة.
أنواع الاحتكار
الدولة نفسها قد تمارس الاحتكار وهنا يطلق عليه احتكار عاما مثل شركات الكهرباء والمياه وتقوم بهذا الدور في مرحلة ما للحفاظ على تقديم خدمات بأسعار مناسبة حتى لا تتضرر فئات المجتمع المتوسطة وما دونها أو لتضمن كفاءة واستمرار الخدمات، كما يوجد احتكار خاص متى انفرد به شخص أو مجموعة محددة.
ويوجد أيضا احتكارا مطلقاً يتحكم من خلاله شخص واحد فقط في انتاج وسعر سلعة أو خدمة واحدة، والذي ينبثق منه أو يتشابه معه احتكار القلة عندما يتفق مجموعة محددة من البائعين على تنسيق انتاج سلعة ومن ثم توجيه تحرك سعرها ، حيث يؤثر قرارهم بشكل كبير على السوق مثلما تفعل قرارات “أوبك” على سبيل المثال في سوق النفط.
كما يوجد أيضا نوع من الاحتكار “القانوني” الذي يطلق عليه حق الامتياز أحيانا، حيث يعطي قانون الدولة لشركة أو كيان الحق في تقديم خدمة أو انتاج سلعة مثل حق لنقل ركاب بالقطارات، توزيع مياه، نقل كهرباء.
مسالب الاحتكار
-يساهم في تعظيم حجم ثروة المحتكر بشكل كبير وفي زمن قياسي مع تحكمه في الأسعار.
-يؤدي إلى ضعف المنافسة وانعدام وجود حافز مع عدم الاهتمام بجودة المنتج المقدم أو الخدمة.
-التحكم في حركة الأسعار يؤثر سلبا على التضخم ومن ثم القوة الشرائية للنقود وترك آثار سلبية على انفاق الفئات الكادحة.
-ضعف أداء القطاع الذي يعمل به المحتكر وامكانية حصوله على استثمارات جديدة تساهم في دعم الاقتصاد.
-ضعف دور الجهات الرقابية والمساعدة في انتشار الفساد الاداري والرشاوي ضمانا لبقاء “المنتج الأوحد” مسيطرا على السوق.
وقد يكون الاحتكار طبيعيا نتيجة نمو منشأة اقتصادية بالقدر لذي يتيح لها خفض متوسط تكاليف وحدة السلعة أو الخدمة المباعة، وتسعي إلي ذلك المنشآت التي لديها تكاليف رأسمالية ثابتة مرتفعة جدا مثل السكك الحديدية أو تقنيات متقدمة مثل توليد الكهرباء، وقد يكون احتكارا حكوميا أو تشريعيا أي تقوم به منشآت خاصة تمارس عملها تحت إشراف حكومي وتنظم نشاطها جغرافيا وحجم إنتاجها ونوعيته قوانين خاصة ، وعادة يوجد هذا النمط بنوعيه عندما يقرر المجتمع مجموعة من المنتجات يعتبرها منافع عامة مثل الغاز والبترول والكهرباء والبريد والاتصالات والصرف الصحي وأحيانا تمتد لبعض الصناعات مثل صناعة الإسمنت والحديد والصلب، وقد يكون احتكارا لموارد استراتيجية عندما تتحكم منشأة أو قلة منها في مدخل إنتاجي أساسي لنشاط إنتاجي واسع.
وهناك احتكار لنواتج الابتكارات عندما يمنح حق حصري لمنشأة ما في استخدام ابتكار معين ومنع تراخيص استخدامه للآخرين مما يتيح لها حصريا تحقيق أرباح ويحرم غيرها من أقلمة أو تبني استخدام هذا الابتكار، إلا أن هذا لا يمنع آخرين من ابتكار بديل قريب من هذا الابتكار أو منتجاته المشتقة، وهذا ما أفرزته تجارب القرن العشرين في الصراع التجاري بين الاقتصاد الأوروبي والأمريكي من ناحية مقابل الاقتصاد الياباني ثم الصيني من ناحية أخري.، وهذا يؤكد أن منح حق حصري للابتكارات يؤدي فقط إلي احتكارات جزئية وليست كاملة، وربما كان لاتفاقية حقوق الملكية الفكرية شأن آخر في هذا الصدد
وأهم خاصية تميز نموذج الاحتكار عن نقيضه نموذج المنافسة الكاملة أنه في النموذج الاحتكاري يكون اختيار السعر انتقائيا بواسطة المحتكر، وتسمي القدرة علي اختيار السعر أو التحكم فيه “تحديد إداري للسعر”، وإن كان الأمر كذلك فما هو معيار اختيار المحتكر للسعر؟، الواقع لا يوجد معيار محدد فقد يخفضه لزيادة مبيعاته ومن ثم إيراداته أو يرفعه إن كانت خدمة أو سلعة ضرورية لزيادة إيراداته أيضا.
ورغم أن المحتكر يحدد السعر والكمية المحققة لأقصي ربح ممكن لمنشأته ثم يبيع كل الكمية بنفس السعر، فقد يجد أنه من الأجدى له أن يبيع أجزاء مختلفة من هذه الكمية بأسعار مختلفة، وهو ما يعرف بسياسة التمييز في السعر’ وتعتبر أحد مثالب السلوك الاحتكاري، وتعرف بسياسة التسويق التي تتبعها المنشأة في موائمة سعر بيع سلعتها وفق تصنيف لحالات شرائية محددة للمشترين، وتتطلب ممارسة تحصيل أسعار مختلفة من فئات أو أجزاء مختلفة من السوق لنفس السلعة أن يكون هناك تباينا بين المشترين بصورة مميزة وواضحة إما لاختلاف مستوي الدخل أو لاختلاف المكان أو مدي توافر بدائل لهذه السلعة، أو تباين في الأذواق، وإلا فلا بديل عن البيع بسعر موحد لكافة المشترين
وإذا قام المحتكر ببيع سلعته أو خدمته بأسعار أقل للمستهلكين الراغبين في شراء كميات أكبر تسمي سياسة استنزاف الطلب وتعتبر هذه أحد أنماط تمييز السعر لأن المحتكر قسم السوق لشريحة مرتفعة الدخل أو كبيرة الحجم تشتري كميات أكبر وأخري أقل دخلا أو عددا تشتري كميات أقل، وهو ما تتبعه شركات توزيع الكهرباء حيث تقسم الزبائن إلي عدة أقسام “استهلاك منزلي، استهلاك تجاري، استهلاك صناعي”، وبالتالي تحقق إيرادا أعلي مما لو وحدت سعر وحدة الطاقة الكهربية الموزعة علي زبائنها دون تمييز. وتقسيم السوق إلي شرائح من المشترين وفقا للكمية المشتراة أو تخفيض السعر بزيادة الكمية المشتراة سوف يؤدي لإيراد إضافي
وتعتبر سياسة الإغراق نمطا من أنماط تمييز السعر، وتمارس لمنع منشآت منافسة لدخول السوق تقرر القلة المحتكرة سعرا يعادل متوسط التكاليف حيث يمكن أن تتحمل المنشأة الاحتكارية بعض الخسارة لفترة محدودة لإقصاء المنافسين عن محاولة دخول السوق وتتمثل في بيع المحتكر نفس السلعة بأسعار مختلفة ولكن في أسواق مختلفة، وقد أطلق عليها سياسة الإغراق عند تحليل سياسات التجارة الدولية إلا أن أسسها قابلة للتطبيق في التسويق المحلي،
ومن الأهمية بمكان توضيح أن قضية الإغراق سياسة متعددة الأوجه فقد تتبعها دولة مصدرة لتستحوذ علي أسواق دول مستوردة والتخلص من المصدرين الآخرين المنافسين، وفي هذه الحالة قد تلجأ لما هو أبعد من الاعتماد علي تمييز السعر نتيجة اختلاف طبيعة الطلب في كلا السوقين المحلي والخارجي بل قد تلجأ لدعم صادراتها لتخفيض تكاليفها مما يزيد من حصتها في السوق الخارجي مما يؤدي لإقصاء منافسيه من هذه السواق. ويقوم البائع بتقسيم الحجم الكلي للسوق إلي أقسام وفقا لاختلاف طبيعة الطلب، وتحدد أسعار مختلفة لكل جزء من السوق، وقد ينسحب ذلك علي مثال تحصيل الطبيب أجرا أعلي من المرضي الأغنياء وأجرا أقل من المرضي الفقراء، والتقسيم وفقا لخصائص السكان مثل تخفيض رسوم الدراسة لأبناء الإقليم مقارنة بغير أبناء الإقليم، أو التقسيم وفقا لمنفذ البيع بمنح خصومات لبعض الوكلاء دون آخرين، وقد تتحايل علي ذلك بإعطاء نفس السلعة اسما تجاريا مختلفا، ومثال آخر، وهناك تقسيم وفق زمن البيع فقد يتم التمييز لبيع السلعة أو الخدمة وفقا للموسم من السنة للاستفادة من تغير الطلب في المدى القصير بين المواسم أو للساعة من اليوم
يمكن تلخيص الانعكاسات السيئة للسلوك الاحتكاري علي الأداء الاقتصادي للسوق في ثلاثة محاور أولها سوء توزيع الموارد في المجتمع نتيجة سعي المحتكر لتعظيم ربحه من خلال تقييد حجم العرض وزيادة السعر عن المستوي المتحقق في حالة سوق المنافسة الكاملة،)، ويرجع ذلك لأنه في سعي المحتكر نحو تعظيم ربحه ينتج كمية ويحصل في المقابل علي السعر يسمي سعر الاحتكار يؤدي لعدم حصول المجتمع علي القدر من السلعة الذي يرغبه بقدر ما تحمل المجتمع من تكاليف لإنتاجها، وإذا فرض أن المحتكر اتبع سلوك المنشآت في ظل المنافسة الكاملة فسوف ينتج كمية أكبر عند سعر بيع أقل هذا السعر هو السعر الأمثل للمجتمع لأنه عند هذا السعر يحصل المجتمع عل القدر الذي يرغبه من السلعة مقابل ما تحمله من تكاليف إنتاج هذه السلعة، ونتيجة التزام المحتكر بسعر الاحتكار فإنه يهدر قدرا من طاقة منشأته لأنه ينتج حجما غير اقتصادي بالمفهوم المجتمعي، ونظرا لأنه لا سبيل لدخول منشآت أخري للسوق فسوف يستمر وضع السوق دون تغيير، بينما تنزع منشآت سوق المنافسة الكاملة في المدى الطويل نحو الحجم الاقتصادي الأقل تكاليف
وثانيها تعميق الاحتكار لفجوة سوء توزيع الدخل نتيجة تقييد العرض وفرض سعر أعلي مع تحقيقه ربحا أعلي. يحصل عليه فقط القلة المالكة للمنشأة الاحتكارية أو المساهمة فيها، وتصبح من أعلي مستويات الدخول في المجتمع، وبالتالي تحقق تلك الفئة المحدودة منافع كبيرة علي حساب الغالبية من المستهلكين ومالكي الموارد المكونين لباقي المجتمع، وثالثها افتقار السوق لحوافز بلوغ الكفاءة والابتكار والتقدم نظرا لأن المحتكر ليس مجبرا علي الاستجابة لضغوط قوي طلب المستهلكين أو السعي لتحقيق أقص كفاءة وليس لديه الطموح الكافي لاستخدام أفضل طرق إنتاج لهذا تكون مساهمته في تحقيق التقدم ضئيلة وأحيانا معطلة، فعدم وجود حرية لمنشآت جديدة لدخول السوق تجعله في حالة شعور بالأمان الكامل في السوق دون أي ضغوط تنافسية تدفعه للابتكار، وقد لوحظ من تتبع الاتجاه الزمني لتطور الخدمات العامة في أسواق الدول العريقة في الرأسمالية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية أن الشركات المحتكرة لتلك الخدمات خاصة السكك الحديدية وخطوط الهاتف قد أدت لعدم تطوير مخرجاتها لتجنب الاستغناء عن معداتها لتقادمها لو تم إدخال تقنيات جديدة
وبعد عرض سلبيات الاحتكار يصبح السؤال كيفية مواجهته؟، وفي هذا الشأن هناك ثلاث سياسات ممكنة لمعالجة مثالب الاحتكار حيث تسن سياسة ضريبية تسمح بامتصاص الزيادات في ربح المنشآت الاحتكارية يفوق أرباحها الطبيعية، مع توزيع حصيلة هذا الإيراد الضريبي علي المجتمع من خلال تمويل تطوير وتحسين الخدمات العامة والبنية الأساسية، وهذه السياسة لا تقصي المحتكرين من السوق، ولكن تعدّل سلوكهم الاقتصادي نحو تحقيق الأرباح الطبيعية، وأهم نتائجها التغلب علي الانعكاس السلبي للاحتكار علي توزيع الدخول، وتقنن الكميات والأسعار للمنشآت الاحتكارية كما هو متبع مع منشآت الخدمات العامة مثل الكهرباء ومياه الشرب والسكك الحديدية، حيث يطلب من مالكي المنشآت الاحتكارية أن ينتجوا أكثر ويدفعوا أقل مما كان يمكن أن يقرروه كمحتكرين إذا تركوا وشأنهم،
وقد يري البعض أن السياستين السابقتين لا تضمن منع مثالب الاحتكار بل ربما تساهم فقط في الحد منها، ولهذا يعتقدون أنه لابد من تجزئة المنشآت الاحتكارية إلي عدة منشآت تنافسية تحت مظلة تشريعات منع الاحتكار، ولكن التجربة العالمية أثبتت أن أي من هذه السياسات الثلاث أو كلها مجتمعة لن تؤدي لمنع الاحتكار أو القضاء علي أهم مثالبه وهو سوء توظيف الموارد الاقتصادية، بل ستتعاضد في الحد فقط من تلك الآثار السلبية، كما أنه قد تصلح أحد هذه السياسات مع نوع من الاحتكار ولا تصلح مع الآخر، كما لوحظ ضرورة الحفاظ علي نموذج الاحتكار سواء كان حكوميا أو خاصا في بعض أنشطة الخدمات أو إنتاج السلع الاستراتيجية أو السلع العامة والموارد الطبيعية، مع ترشيد آثارها السلبية حيث تعتبر الخدمات العامة من صور الاحتكار التي تفرضها الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للاقتصاد الوطني، فإنتاج وتوزيع الكهرباء والمياه النقية ووسائل النقل العام خاصة السكك الحديدية تطلب بلوغ الحجم الاقتصادي الكبير لخفض متوسط تكاليف الوحدة ولتوفير القدرة علي تطبيق التقنيات المتقدمة
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان