يروي الكاتب (هـيربرت . ج . ويلز) ، عن مرض غريب ، انتشر في قرية نائية معزولة عن العالم تقع في جبال الأنديز ، فأصاب المرض سكان القرية بالعمى ، ومنذ تلك اللحظة ، انقطعت صلتهم بالعالم ، ولم يغادروا قريتهم ، فتكيفوا مع العمى ، وأنجبوا أبناء عُميان ، جيلا بعد جيل ، حتى أصبح كل سكان القرية من العميان ، ولم يكن بينهم مبصر واحد ..
وذات يوم ، وبينما كان متسلق الجبال (نيونز) يمارس هوايته ، انزلقت قدمه ؛ فسقط من أعلى القمة إلى القرية ، لكنه لم يُصب بأذى ،لانه سقط على عروش أشجار القرية الثلجية .. وكانت أول ملاحظة له أن البيوت بدون نوافذ ، وأن جدرانها مطلية بألوان صارخة ، وبطريقة فوضوية ، فحدث نفسه قائلاً : لا بُد أن الذي بنى هذه البيوت شخص أعمى ..
وعندما توغل إلى وسط القرية ، بدأ في مناداة الناس ، فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه ، هنا عرف نيونز أنه في (بلد العُميان) ،
فذهب إلى مجموعة من أهل القرية ، وبدأ يعرفهم بنفسه : من هو ، وماهي الظروف التي أوصلته إلى قريتهم ، وكيف أن الناس في بلده (يبصرون) ..
وما إن نطق بهذه الكلمة حتى انهالت عليه الأسئلة : ما معنى يبصرون ؟ وكيف ؟ وبأي طريقة يبصر الناس ؟ سخر القوم منه ، وبدأوا يقهقهون ..
بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك ، حين اتهموه بالجنون ، وقرر بعضهم إزالة عيون (نيونز) ، فقد اعتبروها مصدر هذيانه وجنونه ..
لم ينجح (نيونز) في شرح معنى البصر ، فكيف يفهم من لا يبصر ، معنى البصر ؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه ، وهو يتساءل : كيف يصبح العمى صحيحاً ، بينما البصر مرضاً ؟! .
“بلد العميان” هو كل مجتمع يسوده الجهل والفوضى والفساد والتخلف والفقر والعنف والتعصب ، بسبب أفكار غير صالحة ومُهيمنة عليه ، وأي دعوة تنويرية تواجه برفض وريبة وعنف ..
بلد العميان ، هو كل مجتمع تسوده الطائفية ، وكره الآخر المختلف ، والتبرير لإيصال الأذى لكل من أختلف ..
بلد العميان ، هو ذلك المجتمع الذي يوجد فيه أفراد جل همهم ماذا يأخذون منه ، لا ماذا يقدمون له ..