كتب عادل احمد
افتتح صباح اليوم مؤتمر “التمكين الاقتصادي للمرأة: آفاق واقع ما بعد كوفيد-19” الذي يقيمه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) في إطار أعمال مشروع مرصد المرأة المصرية، بالتعاون مع البنك الدولي وسفارة المملكة المتحدة في مصر.
وخلال المؤتمر عرض الدكتور ماجد عثمان دراسة حول “تمكين المرأة المصرية: ما بعد جائحة كوفيد-19″، حيث أوضح أن الدراسة تهدف إلى استشراف المستقبل فيا يتعلق بالتمكن الاقتصادي للمرأة المصرية في ضوء جائحة كوفيد- 19 وما لازمها من مربكات لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتتبنى الدراسة تصور وسطي يُرجح أن تأثير الجائحة سيكون له تبعات سلبية على الاقتصاد العالمي في الأجل القصير والمتوسط لاسيما في ظل ظهور موجة ثانية من الوباء وظهور وانتشار سلالات جديدة من الفيروس في عدد من دول العالم، إلا أن المستقبل يحمل فرصاً كما يحمل تحديات. وهناك إمكانية لتحقيق أكبر استفادة من الفرص وتكبد أقل خسارة من المخاطر إذا ما تم تبني السياسات والتدخلات الوطنية الفعالة والملائمة.
وقد أشار عثمان إلى أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى زيادة أعباء الرعاية المنزلية على المرأة وانخفاض المساهمة الاقتصادية للمرأة خاصةً في ظل منظومة القيم السائدة التي تلعب دوراً كبيراً في الحد من قدرة المرأة على الالتحاق بسوق العمل نظراً لانتشار فكرة تقسيم العمل بين الجنسين، بحيث يكون العمل خارج المنزل من نصيب الرجال ورعاية الأسرة والأبناء، والقيام بأعمال المنزل من نصيب الإناث.
وقد قسم عثمان القطاعات الاقتصادية إلى قطاعات فائزة وهي القطاعات التي شهدت تحسناً نتيجة كوفيد-19، وقطاعات لم تتأثر بالجائحة، وقطاعات خاسرة وهي القطاعات التي تأثرت سلباً بالجائحة. وأكد عثمان على أن القطاعات الفائزة يمكن أن توجد بها فرص سانحة لزيادة معدل تشغيل الإناث وهو ما يجب أن تعمل الدولة على تعزيزه. وفيما يتعلق بالقطاعات التي لم تتأثر بالجائحة أشار عثمان إلى ضرورة أن يتم التركيز في هذه القطاعات على تحقيق التوازن العادل بين الأدوار المزدوجة للمرأة العاملة “الدور الإنتاجي والدور الرعائي” بحيث تقوم هذه القطاعات بالتغييرات المؤسسية والقانونية والإدارية التي تسمح للمرأة بفرص أوسع وأكثر استدامة للعمل المرن الذي يتيح لها تحقيق التوازن بين أدوارها المختلفة دون التأثير على إنتاجيتها، وعلى التوازي يجب القيام بإطلاق برامج متنوعة لرفع قدرات المرأة للعمل في الأنماط الحديثة للعمل بما في ذلك العمل عن بعد. وأشار عثمان إلى أن القطاعات الخاسرة من جراء الجائحة من المتوقع أن تواجه تحديات في الاحتفاظ بالعمالة، ومن ثم فإن السياسات ذات الصلة بتمكين المرأة يجب أن تتجه إلى توفير التدريب التحويلي للإناث العاملات في هذه القطاعات لتأهيلهن للعمل في القطاعات الفائزة التي من المتوقع أن تشهد نمواً يصاحبه فرص عمل يمكنها أن تعوض ولو جزئياً فرص العمل التي تقلصت في القطاعات الخاسرة.
كما أكد عثمان على أن هناك حاجة ماسة للاستمرار في إجراء المسوح واستطلاعات الرأي العام التي تسمح بإنتاج مؤشرات مستجيبة للنوع الاجتماعي تكون بمثابة مدخلات محدثة لعملية صناعة السياسات وتقييم التدخلات، ويشمل ذلك رصد كمي لتأثيرات الموجات المتتالية من الجائحة على الجوانب المختلفة للتمكن الاقتصادي للمرأة وللعنف المنزلي ولاستخدام الوقت ولتأثير الجائحة على منظومة القيم السائدة ذات الصلة بتمكن المرأة.
وعرضت دكتورة حنان جرجس نائب الرئيس التنفيذي لمركز بصيرة دراسة عن توفير خدمات الرعاية للأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة وأثره على توفير فرص عمل للمرأة وإتاحة الوقت للمرأة لدخول سوق العمل، وقد اعتمدت الدراسة على مسح تليفوني أجراه مركز بصيرة في أبريل 2020 على عينة حجمها 2016 أسرة. وقد أشارت جرجس إلى أن معظم الأسر المصرية تلقي عبء الرعاية على المرأة ومعظم الأسر التي ترفض وجود مسئول رعاية لمعاونة الأسرة على رعاية الأطفال أو كبار السن أو المعاقين ترى أن ذلك مسئولية الأم ولا حاجة إلى وجود شخص لمساعدتها، وقد زادت أعباء الرعاية على المرأة داخل الأسرة بعد ظهور فيروس كوفيد-19 في مصر، حيث أوضح استطلاع أجري عن أثر كوفيد-19 على المرأة المصرية أن الوقت الذي تقضيه 61% من السيدات في رعاية الأطفال زاد، كما زاد الوقت الذي تقضيه 51% من السيدات في الأعمال المنزلية. هذه الزيادة في الأعباء قد تؤدي إلى خروج نسبة من السيدات من قوة العمل بصورة مؤقتة، كما قد ترفع الطلب على خدمات الرعاية للأطفال. ويرى 81% من المصريين أن قيام المرأة بعملها كربة منزل فيه إرضاء لها تماماً مثل عملها مقابل أجر، ويذهب 87% من المصريين إلى الاعتقاد بأن “الأطفال بيعانوا لما تعمل المرأة خارج المنزل وتجيب حد لرعاية أطفالها”، ورفض 62% من المصريين أن ” من حق الأم إنها تجيب حد لرعاية أطفالها عشان تقدر تشتغل”.
وأشارت جرجس إلى أن هذه القيم بالإضافة إلى عدم ثقة المصريين في مقدمي الرعاية أدت إلى انخفاض الطلب على مقدمي خدمات الرعاية مقابل أجر لتقديم خدمات الرعاية اليومية ففقط 3% من الأسر التي لديها أطفال و3% من الأسر التي لديها كبار سن و9% من الأسر التي لديها معاقين قد أبدوا رغبتهم في استخدام مقدم رعية مقابل أجر. ورغم هذا الطلب المنخفض إلا أن معظم الأسر تفضل أن يكون مقدم خدمات الرعاية من الإناث مما يفتح عدد كبير من فرص العمل أمام المرأة المصرية يقدر بحوالي 578 ألف فرصة عمل. خلق هذه الفرص يؤدي إلى خفض عدد المتعطلات إلى حوالي نصف مليون سيدة، وخفض معدل البطالة بين السيدات من 21.7% في 2019 إلى حوالي 10.3%. وأوضحت جرجس أن تحقيق ذلك إنشاء كيان يعمل على ربط السيدات اللاتي ترغبن في العمل في مجال تقديم خدمات الرعاية بالأسر التي ترغب في توظيفهن بعد الحصول على كافة بيانات الطرفين، وذلك لضمان انتظام الخدمة وضمان سلامة السيدات وسلامة أفراد الأسر التي ستوظفهن، مع وضع ضوابط لتقديم الخدمة والأسعار التي ستقدم بها، وتدريب السيدات اللاتي ستقمن بتقديم خدمات الرعاية على تقديم خدمات الرعاية الأساسية بما في ذلك الرعاية الصحية الأولية، والرعاية النفسية، وأساليب العناية بالمرضى من كبار السن والمعاقين. كما يقوم هذا الكيان بتوعية المواطنين بأهمية وجود مقدم للرعاية لتقديم الرعاية اللازمة لكبار السن والمعاقين والذين قد تحتاج نسبة غير قليلة منهم إلى مقدمي خدمات رعاية مدربين، وتغيير الصورة الذهنية للمصريين عن مقدمي خدمات الرعاية من خلال تقديم نماذج ناجحة في هذا المجال للجمهور العام.
وعرضت الأستاذة شيرين جمال الدين الباحثة الاقتصادية دراسة تم إجراؤها تحت مظلة مرصد المرأة المصرية حول أثر الثورة الصناعية الرابعة على النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث أشارت إلى أن التكنولوجيا تقدم فرصاً وتمهد الطريق لخلق وظائف جديدة وتزيد الإنتاجية وتعزز تقديم الخدمات العامة، وأن الدول المتقدمة متفائلون بشأن الفوائد الناتجة عن التكنولوجيا في مكان العمل وجودة الحياة، ولكنهم لايزالون قلقين بشأن تأثيراتها على التوظيف حيث ستُفقد وظائف التصنيع والمهام الروتينية بسبب الأتمتة في الدول المتقدمة وبعض من الدول متوسطة الدخل. وأوضحت جمال الدين أن مشاركة النساء الاقتصادية ضعيفة، حيث احتلت مصر المرتبة 140 بين دول العالم بنسبة مشاركة اقتصادية للمرأة بلغت 24.7%، و20% منهن يعملن بعقد دوام جزئي. وعلاوة على ذلك، يشغل عدد قليل جدًا من النساء المناصب الإدارية (7,1 %)، كما يعد وجودهن ضمن مالكي الشركات وكبار المديرين محدود للغاية (2,4%) و (4,9%) على التوالي، وكذلك لا تزال الفروق في الدخل -الذي يشمل الإيرادات من الأجور وغر المتعلقة بالأجور – كبيرة بن الرجال والنساء. وتشير التقديرات إلى أن متوسط دخل الرجل يبلغ حوالي 3,8 ضعف متوسط دخل المرأة.
وقد أكدت جمال الدين على ضرورة أن تغطي مظلة الحماية الاجتماعية النساء المهددات بفقدان وظائفهن، واعتماد طريقة العمل الجديدة للعمل عن بعد والعمل الحر، وضرورة إزالة جميع العوائق التي تمنح حصول متكافئ على التدريب للنساء والرجال لتكون بمثابة الخطوة الأولى للاستفادة من المواهب البشرية غير المستغلة للنساء في مصر.
وعلقت الأستاذة نهلة زيتون خبير اول الحماية الاجتماعية بالبنك الدولي قائلة أن البنك الدولي يدعم التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تعزيز السياسات المدعومة بالأدلة وإلقاء الضوء على أهم المحاور والإصلاحات للنهوض بمكانة المرأة في الاقتصاد المصري.
ويتعاون البنك الدولي مع المجلس القومي للمرأة لإصدار هذه السلسلة من الأوراق البحثية لخلق حوار مجتمعي مع الجهات الحكومية والاكاديمين من أجل انجاح البرامج والسياسات الخاصة بالتمكين الاقتصادي للمرأة.