يُعدُّ الفساد السّبب الأوّل في تَخلُّف الشّعوب ودمار الدّول والحضارات وزوالها؛ فهو يؤدّي إلى فُقدان الدّولة لعناصر التّوازن، مما يُؤدّي إلى سهولة السّيطرة عليها، وبالتّالي انهيارها. تعدّدت أنواع الفساد التي تنتشر في الدُّول؛ فهناك الفساد الاجتماعيُّ، والفساد الأخلاقيّ، والفساد المالي. تُعدُّ الرّشوة وسرقة المال من أكثر الأمثلة الحيّة على الفساد، ولها تأثير سلبيٌّ وقويٌّ على الدّولة، وقد تكون الرّشوة صغيرةً صادرةً من أصحاب ذوي الدّخل المُتدنّي والمُتوسّط الذين يُحاولون زيادة دخلهم، أو قد تكون كبيرةً وضخمةً بحيث تكون المبالغ ضخمةً مُقابل تقديم الخِدمات غير المسموح بها وذات الضّرر الكبير على البلاد،
إن خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها والذي يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر وما يترتب على الفساد المالي والإداري من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية سيئة تؤثر بشكل مدمر على المجتمع، وآثار مدمرة تطال كل مقومات الحياة في الدولة، فتضيع الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل سير الأداء الحكومي وانجاز الوظائف والخدمات، وتقود إلى تخريب وإفساد ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التدهور الخطير في مؤسسات ودوائر الخدمات العامة المتصلة بحياة المواطنين.
ويعد الفساد المالي والإداري المعرقل الرئيسي لخطط وبرامج التنمية إذ تتحول معظم الأموال المخصصة لتلك البرامج لمصلحة أشخاص معينين من خلال استغلال مراكزهم أو الصلاحيات المخولة لهم. وبذلك تتعرقل عملية التنمية ويتفشى التخلف والفساد وينعكس بدوره على مجالات الحياة كافة وفي ذلك خسارة كبيرة للمال والجهد والوقت وضياع فرص التقدم والنمو والازدهار.
أن ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر، كما أن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الإداري والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي،
أي فيما يتعلق بالتنمية الشاملة، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس، مما يحتم إنشاء نظام رقابي فعّال مستقل مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة. يُعتبر الفساد مكلفا. فهو يعمل على إعاقة النمو الاقتصادي، حيث في البلد الفاسد او الصناعة الفاسدة “يختفي الحافز لدى الشركات لتحسين نوعية السلعة، وستتوقف مكاسب الانتاجية والابتكار اللذان يأتيان من شركات جديدة”. بكلمة اخرى، الفساد يُضعف تنافسية الاقتصاد ويكبح الاستثمار ويحول دون خلق الوظائف. في احدى الدراسات وُجد ان المستوى المنخفض من العائد الضريبي في العالم العربي هو جزئيا يعود الى الفساد. هذا الامر خصيصا مثير للقلق في ضوء عدم مقدرة الدول العربية النفطية الاعتماد على الموارد النفطية، وحيث الاحتياطات تنضب بسرعة وعوائدها بدأت تتناقص بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية.
سوف يستمر في الزيادة لعدة أسباب أهمهم هو وجود علاقه طردية بين الصعوبات المادية التي تواجه الاشخاص ومدى تمسكهم بالمبادئ، فكلما زادت الأمور شدة ضعف تمسك الافراد بمبادئهم. بالإضافة إلى تركيز الدولة المركزية على مكافحة الفساد الكبير الذي يشكل جزءً ضئيلا من حجم الفساد الإجمالي وترك الدولة لأنواع وأشكال الفساد الصغير الذي يمس أغلبية ا أن ظاهرة الفساد , تعكس مجموعة من المساوئ , وتؤدى
إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي , وتدهور كفاءة الجهاز الإنتاجي , وتعطيل مسيرته . حيث يترتب عليه فقد لكثير من الموارد الاقتصادية التي تتسرب خارج الاقتصاد الرسمي , ويستغلها بعض المفسدين لمصالحهم الذاتية . وبالتالي ال يستفاد منها في العمليات الإنتاجية . كما يترتب عليه تقوية أو وجود مجموعة من الأخلاقيات السالبة التي تنتشر بين العاملين في الجهاز الإداري للدولة , مما يجهلهم يخالف ما يجب أن يفعلوه ,
وخدمة لمصالحهم الشخصية , أو يسلكون سلوكا ان من المؤكد ان الفساد ليس جزءا من ثقافة الدول النامية وخاصة الدول الاسلامية لان ثقافتها الدينية والتاريخية تحرم الفساد بكافة اشكاله وتحرم الرشوة سواء تتم داخل الدولة او خارجها على العكس من ذلك نجد ان الدول الاوربية تعتبر الرشوة التي تدفع لمسؤولين خارج البلد بمثابة مصروفات وتقوم بخصمها من الضرائب التي تدفعها الشركات والافراد للحكومة وهو ما يعني ان الحكومات الاوربية تدعم الرشوة وتغذي الفساد في الدول النامية ،
ويعني ذلك ايضا ان الرشوة والفساد جزء من ثقافة وقوانين الدول المتقدمة وليس الدول النامية ، ولذلك قامت بعض الدول المتقدمة بتصحيح هذا الوضع عندما قامت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتوقيع اتفاقية تحرم تقديم الرشوة للمسؤولين في الدول النامية لأبرام الصفقات.
ج- تغليب النموذج الاقتصادي الغربي :اتبعت الكثير من الدول العربية النموذج الاقتصادي الغربي القائم على اقتصاديات السوق الذي يقوم على مبدأين اساسين هما الانفتاح والحرية ، بمعنى الغاء القيود على الواردات وحرية المستثمر داخل البلد المعني وهذا يتطلب التخلص من القيود الروتينية والتي خرجت على شكل قوانين وهذا التخلص في حد ذاته يعد تغييرا يجب ملاحظته وتسجيله.
انعكاسات الفساد الاداري على المجتمع العربي
لاشك ان الفساد الاداري يمارس دورا تخريبيا في النسيجين الاجتماعي والقيمي ، وهو من الخطورة اذ يستهدف الفرد العربي ومحيطه العائلي ، لابل انه يستهدف العلاقات الاجتماعية والاواصر التي تتعلق بصيغ التماسك الاجتماعي والقيم والاعراف التي تمسك اطر المجتمع العربي لصيانة شبكة التضامن الاجتماعي والمحافظة على الاخلاقيات العامة فيه ومكافحة القيم الوافدة الشاذة عليه كالانتهازية ، والنفعية، والانانية ، والربح غير المشروع التي غزت نسيج المجتمع ومنظومة القيم فيه. وتبعا لذلك يمكن استعراض ابرز تلك الانعكاسات وكما يأتي:
- الاختلال في المرائية الاجتماعية:
الفساد يؤثر بصورة او بأخرى على التسلسل الاجتماعي ، فعلى سبيل المثال يوجد داخل المجتمع العربي طبقات اجتماعية شغلت مكانتها بصورة طبيعية في الوظائف الحكومية بسبب امكانياتها ومؤهلاتها العلمية ومهاراتها الوظيفية ، اذ يمكن ان تثير هذه الحالة عناصر غير سوية داخل المجتمع تحاول الحصول على موارد مالية قريبة من التي تحصل عليها الطبقات سالفة الذكر بدون وجه حق ، حيث يمكن ان تعتمد اساليب التزوير والرشوة للحصول على تلك المكاسب او من خلالها استغلالها من قبل القطاع الخاص لتحقيق اغراض ومكاسب شخصية عبر هؤلاء العناصر حيث يتم دعمها وتوفير الغطاء الخاص لحمايتها لصالح العناصر التي تدعمها.
وتبعا لذلك فان الفساد سيسبب اختلال في الموارد وتوزيع الناتج في المجتمع ، حيث اصبح تخضع لاعتبارات غبر الكفاءة والصالح العام مثل الحظوة والقرب من مصادر القوة مما اسهم في تكوين حلقة شريرة تعيق التنمية وتزيد فقر الفقراء وتزيد الاختلال في المرائية الاجتماعية. 2- تشويه البنية الطبقية: يحتوي المجتمع العربي على طبقات متعددة ويمكن ان تظهر طبقات غير متعارف عليها في النسيج الاجتماعي ظهرت وولدت بفعل عوامل الانحراف والفساد الاداري، ويمكن ان تكون لهذه الطبقات شأن وكلمة داخل اجهزة الدولة بعد ان ترى النور وتملى الساحة بنفوذها باستعمال اساليب الرشوة وشراء الذمم لاستمرار عمليات هدر اموال الدولة وتبديد ثرواتها ومصالحها لأغراض شخصية.
3.استيلاء نزعات الحفد الاجتماعي: الفساد لا يخلق الا الريبة والشك والحقد في نفوس الطرفين الطرف الفاسد والطرف الصالح ، لان الصراع بين الاثنين لابد ان تشويه الاحتكاك القيمي بين القيم والاعراف الاصيلة للمجتمع العربي والقيم والاعراف الوافدة التي يتمسك بها اصحاب المصالح الشخصية وذوي النيات غير النظيفة لأملاء رغباتهم وشهواتهم عبر الاعتداء على اموال الدولة وخسارة مصالح الجمهور.
- تفتيت شبكة التضامن الاجتماعي وعلاقاته: الفساد يستهدف تخريب العلاقات الاجتماعية عبر تغليب روح الانا عند الجميع وذوبان مصالح الجماعة واندثارها من خلال التأكيد على حماية المصالح الشخصية.
- نتائج الفساد على صعيد الاسرة والجوار الاجتماعي والاخلاقيات العامة:
يخطا من يظن ان الفساد ينحصر تأثيره على الشخص الذي تلوث سلوكه بأثار الفساد فحسب لان الاخير سوف يؤثر على عقل وتفكير وسلوكية الاشخاص الذين وقعوا في فخه ، وتأسيسا على ذلك ستظهر عدة انعكاسات على اسرهم وعلاقاتهم الاجتماعية مع جيرانهم وعلاقاتهم داخل دوائرهم وعلاقاتهم العامة ، اذ سوف تظهر اثار الفساد على سلوكهم الشخصي وعدم انصهارهم في بوتقة المجتمع بصورة طبيعية لان المحرك الرئيسي في حياتهم هو الكسب غير الشريف لذلك ستأسس علاقاتهم على مدى خدمة تلك العلاقات لمصالحهم الشخصية ليس الا.
- توليد قيم الانتهازية والنفعية والانانية والربح غير المشروع:
من الطبيعي ان ينتج الفساد القيم اعلاه باعتبارها معيار لقياس مدى سلامة الشخص من عدمها في مجال انسياقه في طريق الفساد الحكومي ، اذ سوف تظل تلك القيم الدليل لتأسيس علاقاته مع محيطه العائلي والاجتماعي باعتبارها هي المعايير التي تضبط وتوجه السلوك الفردي المنحرف.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان