تعد الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان وتكريساً لمبدأ الفصل بين السلطات، فالرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة تحمل فى طياتها مكافحة الفساد والمحاسبة وهو الدور الطبيعي الذي تمارسة المجالس البرلمانية باعتبارها ممثلة عن الشعب فالشعب يرااقب السلطة التنفيذية من خلال ممثليه ، ولم تكن تلك الوظيفة وسيلة لتصفيه الحسابات بقدر ما تهدف الى تحسين أداء المجالس النيابية لرعاية المصالح العامة والمحافظة على الإطار القانوني للدولة .
فقد حملت الدساتير فى طياتها الرقابة المتبادلة بين السلطات كما أسست لمبدأ الفصل بين السلطات، وتضمنت إلى جوار اللوائح الداخلية للبرلمان عدد من الآليات التى يستخدمها أعضاء البرلمان فى ممارسة دورهم الرقابى على الحكومة وأعضائها مثل الاستجواب وتوجيه الاسئلة وطرح الثقة وغيرها، بيد أن من الوسائل الشائعة فى العمل البرلماني طرح الاسئلة على الحكومة أو أحد اعضائها فى أمور تدخل فى أختصاصهم، ففي مصر أقر دستور عام 2014 فى المادة (129) منه على حق كل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم أسئله ، وبنفس المعني جاءت اللائحة الداخلية لمجلس النواب لسنة 2016 التى أعطت لكل عضو فى المجلس الحق فى تقديم الاسئله، وقد أقر دستور مملكة البحرين لمجلس النواب العديد من الصلاحيات الرقابية التى تكفل له القيام بمهامه فى ممارسة دوره الرقابي على أداء السلطة التنفيذية بوصفه ممثلاً للشعب ، وفق آليات تتنوع ما بين تقديم أسئلة مكتوبة للوزراء لاستيضاح أمور داخله فى اختصاصهم للاستفهام أو إقتراح طلبات التحقيق أو تقديم استجواب للوزارء عن الأمور الداخلة فى اختصاصهم وتصل إلى سحب الثقة من أحد الوزارء وغيرها، حيث أعادت تعديلات دستور عام 2012 تنظيم مجلسي الشورى والنواب بما يؤدي إلى إنفراد مجلس النواب بالرقابة على السلطة التنفيذية وانفراده بحق توجيه الاسئلة إلى الوزراء تعزيزاً للدور الرقابي لأعضاء البرلمان على مخلتف أوجه العمل الحكومى، خلافاً لما أضافته تعديلات عام 2018 ، وتقدم الاسئلة يعني أن يقدم النائب طلب استيضاح من الوزير المختص أو الحكومة للحصول على بيانات يجهلها النائب وهو من الحقوق الشخصية للنائب له أن يمارسها أو يتنازل عنها إذا أقتنع بالإجابة أو يحولها الى إستجواب أو طرح الثقة بأحد الوزراء، فقد حصرت المادة (91) من دستور 2012 توجيه الاسئلة إلى الوزراء دون رئيس مجلس الوزراء ، بيد أن تعديلات عام 2018 أعطت لعضو مجلس النواب دون الشوري الحق فى توجية الاسئلة إلى أعضاء مجلس الوزراء ورئيس الوزراء.
وقد حدد الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب الإجراءات الشكلية والموضوعية لتقديم السؤال ، فقد حددت تعديلات 2012 شكل السؤال كونه مكتوب ولا يكون متعلق بمصلحة خاصة بالسائل أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة أو أحد موكليه ، نصت المادة (133) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب البحريني على أن يكون السؤال مكتوب ومحدد الموضوع للأستفهام عن أمر لا يعلمه العضو أو للتحقق من حصول واقعه وصل علمها إليه ولا يجوز أن يوقع السؤال أكثر من عضو واحد، كما لا يجوز توجيهه إلا إلى وزير واحد ، بينما أضاف التعديل الأخير للمادة (91) لسنة 2018 على ذلك حق العضو فى التعقيب على أجابة الوزير وهو نفس المعني الذي ورد فى نص المادة (206) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب المصري لسنة 2016، وبعد توافر شروط تقديم السؤال سواء كانت موضوعية أو شكلية يتم إدراج السؤال بعد أجابته فى جدول الأعمال وقد أجاز المشرع لرئيس مجلس النواب فى مصر ان يبلغ السؤال الى الوزير المختص أو وزير شؤون مجلس النواب بعد تقديمه إلى رئيس المجلس وفق المادة 201 ، وفى البحرين حددت المادة 135 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب مدة الاجابة على السؤال من قبل الوزير المختص بخمسة عشر يوماً ولا تتجاوز ثلاثين يوماً، ووفق المادة (117) يقوم الوزير بالاجابة وابلاغ البرلمان بها ، وإما أن يكتفى العضو بالاجابة أو يحولها إلى استجواب فى حال إمتناع الوزير عن الاجابة.
ومن أجل ضمان حرية العضو فى ممارسة مهامه ، فقد تقررت له حصانة سواء كانت موضوعية أو إجرائية، وهذا ما نصت عليه المادة (89) من دستور مملكة البحرين بقولها :عدم مؤاخذة الأعضاء جزائياً أو مدنياً عما يبدونه من أفكار وأراء اثناء ممارستهم لنشاطهم داخل المجلس الذي ينتمون اليه ، ويستثني من ذلك إذا كان الرأى المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة أو بالاحترام الواجب للملك أو فيه قذف فى الحياة الخاصة لأى شخص ، أما من حيث الحصانة الإجرائية ومنها ضمان إجرائي فى غير حالة الجرم المشهود ، وتستهدف حماية العضو من الإجراءات الجنائية مثل القبض والتفتيش والتوقيف والتحقيق والحبس التى قد تحول دون ممارسته لأعماله وأداء وظائفه والمواظبة على مهامه وحضور إجتماعات المجلس الذي ينتمي اليه ، وهذا ما ذهب إليه الدستور المصرى فى المواد (86, 87) حيث تقرر أنه لا يجوز فى غير حالة التلبس اتخاذ أى إجراء جنائي ضد العضو الا بإذن مسبق من مجلسه وفى غير دورة الإنعقاد يتعين أخذ إذن مكتب المجلس ويخطر المجلس عند أول أنعقاد بما اتخذ من إجراء وفى كل الاحوال يتعين البت فى طلب اتخاذ الإجراء ضد العضو خلال ثلاثين يوما ً والا أعتبر مقبولاً، ويعني ذلك أنه لا يمكن بأى حال من الاحوال مسائلة عضو البرلمان عما يقدمه من أسئلة بشأن عام لأحد اعضاء الحكومة، لأن حدوث ذلك يتعارض من الوظيفة الدستورية للبرلمان فى الرقابة على أعمال الحكومة، ويمثل تجاهل متعمد لمبدأ دستوري أصيل يتمثل فى الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة ، كما هو الحال فى الرقابة القضائية على دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان .
رئيس مركز الياسين للتدريب