كثيراً ما نسمع فى مجالسنا عبارة ( المسلمون مقصرون ) كل يوم المسلمين وينسى نفسه . نقول لا يختلف اثنان فى تقصير المسلمين عن واجبهم فى نشر الدعوة ولكن من هم المسلمون ؟ هم نحن . إن بصيص الأمل الذى نراه اليوم فى سبيل الدعوة لا يساوى أدنى نسبة تذكر لما يعمله الأعداء فى جميع أنحاء العالم وعلى المستويات كافة لمحاربة هذا الدين فهم صعدوا الجبال وهبطوا الأودية ووصلوا إلى عمق الأدغال فى السلم والحرب والكوارث واستغلوا كل نقطة ضعف فى صفوف المسلمين وهرعوا إلى المنكوبين فى الزلازل والفيضانات باسم الإنسانية – وهذا مصطلح لا نقره – ليرسموا على كل رغيف يقدمونه للجائعين صليباً ليشبعوا ذهن الصغير والكبير . أن ما خدمهم إلا أصحاب هذا الصليب فماذا عن المسلمين ؟ صراع على السلطة وانشغال بالاستفتاء وتعامل بالربا وتكاثر فى الأموال والأولاد إلا من رحم الله . إن الدعوة إلى الله بحاجة إلى نشر وإن المسلمين فى أنحاء المعمورة بحاجة إلى تبصير لتعريفهم بحقيقة الإسلام وسماحته وتحصينهم مما يكيده أعداء هذا الدين فى الداخل والخارج ومع بزوغ هذه الصحوة المباركة بين أوساط البنين والبنات على مستوى العالم بفضل الله وليس جهداً من مخلوق ( لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم ) . حارب الإسلام كل لون من ألوان العصبية ، التى تفضل جنساً على جنس ، أو أمة على أمة ، لأن هذه العصبية ، تدعوا إلى الفرقة والانقسام ، وإلى الصراع الاجتماعى ، والعصبية تفرق البشر ، وقد جمعهم أصل واحد . والإسلام يدعو الناس إلى الحياة فى مجتمع إنسانى واحد ، يكفل له الأمن والحرية والسلام ، فالإسلام كما يدعوا إلى أخوة إسلامية ، يدعو فى الوقت نفسه إلى أخوة إنسانية عامة واسعة . لا فرق فيها بين العناصر أو الأمم أو العقائد ، ولو دققنا النظر فيما تخلق به رسولنا العظيم صلوات الله عليه وسلم من اخلاق كريمة .. وما تحلى به من صفات حميدة لرأينا أنه رفع كثير من الناس من حياة الرذيلة والوثنية والخرافات رفعهم الى مدارج الفضيلة والاعزاز النفسى وعلمهم الحق والكرامة واسداء المعروف . وجعلهم يتمسكون بهذه المثل الرائعة .. ويجاهدون فى سبيلها مهما لاقوا من سبيلها .. حتى صار اتباعه سادة العالم وقادته .. علمهم العلم والمدنية وأخذ بيدهم الى جادة الحق والصواب . الأمر الذى جعل المستشرق الفرنسى ( رينيه جينو ) يقول ( ان الغربيين لم يدركوا قيمة ما أقتبسوه من الثقافة الإسلامية ، ذلك لأن الحقائق التى تلقى اليهم مشوهة .. حظها من الصحة قليل – وقالوا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والفضل ما شهدت به الأعداء ( لقد كان محمداً فيلسوفاً وخطيباً ومشرعاً وقائداً وفاتح فكر وناشر عقائد تتوافق مع الذهن ، ومنشىء عشرين دولة فى الأرض ، أى رجل قيس بجميع هذه المقاييس التى وضعت لوزن العظمة الإنسانية كان أعظم منه ؟ . وقال ( اشنجتن أيرفنج ) : إن انتصارات ( محمــد ) الحربية لم تبعث فى نفسه شيئاً من الفخروالزهو ، لأنه لم يكن له فيها مأرب شخصى . وعندما بلغ أوج سطوته وسلطانه ، ظل محتفظا بالبساطة فى مظهره وأخلاقه ، وقال دكتور ( غوستاف ول ) : كان ( محمــد ) أسوة حسنة لقومه ، كان خلقه نقياً من كل دنس ، مبرأ من كل عيب ، وكان ملبسه ومطعمه يمتازان بالبساطة النادرة . وكان متواضعاً يكره الادعاء فلا يقبل من أصحابه مظهراً خاصاً من مظاهر الأحترام . وقال ( جيبون ) : كان ( محمـد ) لوفور عقله يحتقر أبهة الملك وهو فى أوج سلطانه الدنيوى . وكان رسول الله فى مهنة أهله يستوقد ناره ، ويقم بيته .. ومع ذلك لم يفخر بأنه من الزهاد الذين يعذبون أنفسم . وقال ( مستر بول ) : لقد حباه الله بحفظ وافر من الرقة والحنان ، وقسط كبير من الشجاعة حتى ليحار المرء ما يستولى عليه من شعور الحب والاحترام اللذين تبعثهما فى النفس هذه الشخصية الفذة . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينس قط الى آخر يوم فى حياته أنه رسول الله ولم ينس قط تلك الرسالة التى كانت لحمة حياته وسداها ، وبلغ الرسالة الى قومه محتفظاً بعزة نفسه لشعوره بمنصبه الرفيع ، وهو مع ذلك جم التواضع لاعتقاده أنه من جنس البشر . ومهما يكن من أمر اعداء الإسلام وخصومه والمنكرين لرسالة رسولنا الكريم .. فاننا لا نكون مبالغين ابدا حينما نردد .. أن الإنسانية كلها مدينة له برفع شأنها وتقدمها ورقيها . لأنه فتح الآفاق أمامها وأرشدها للعلم والمعرفة .