تحتل الوثيقة الدستورية لدى المصريين مكانة خاصة باعتبارها كانت مطلباً وطنيـاً تسعي إليه الحركة الوطنية لحقبة طويلة من الزمن، وتمحورت حولها حركة الكفاح الوطني منذ بدء العهد الحديث لمصر سنة 1805 حتى صدور أول دستور للبلاد عام 1882، والذي ألغى نتيجة للاحتلال البريطاني – واستمرت حركة الكفاح الوطني في مسارها حتى صدور دستور الاستقلال عام 1923 ثم تعاقبت بعد ذلك الدساتير الوطنية لتواكب الظروف السياسية التي عاشتها البلاد، إلى أن صدر دستور عام 1971،
والذي جاء بعد استفتاء الشعب عليه في 11سبتمبر1971 ، وجرى تعديله في مايو1980 بإضافة مجلس الشورى وسلطة الصحافة كما تم تعديله في مايو 2005 بجعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر بين أكثر من مرشح بدلاً من الاستفتاء كما تم في مارس 2007 تعديل عدد كبير من مواد الدستور
بهدف تعزيز سلطات المجالس النيابية ورئيس مجلس الوزراء وحذف الإشارات الواردة في مواد الدستور بشأن الاشتراكية وإضافة الحق في البيئة إلى قائمة حقوق المواطنين. وقد كان من الطبيعي والمنطقي في ظل الظروف والمستجدات الدولية المتعلقة بموضوعات وقضايا حقوق الإنسان المعاصرة لتوقيت إعداد دستور عام 1971، أن يضع القائمون على إعداده نصب أعينهم، فضلاً عما هو مستقر ومتعارف عليه عالمياً في إعداد الدساتير
وما ورد بالدساتير السابقة لمصر، كافة المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والمستجدات الحاصلة عليها والتي كانت تموج بها الساحة الدولية آنذاك بما صدر عن المجتمع الدولي من مواثيق واتفاقيات وإعلانات وقرارات – وأن يحرصوا على أن تتناولها نصوص الدستور من منظور الرؤية المصرية القومية والحفاظ علي ثوابت وسمات الهوية الوطنية المصرية، وذلك كله في إطار من الوعي والإدراك الكامل بدور مصر الحيوي والمحوري على الساحة الدولية وتأكيد احترامها لالتزاماتها الدولية والإقليمية الناشئة عن انضمامها للعديد من المواثيق الدولية المعنية.
وعقب ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011 مرت البلاد بتطورات وأحداث سياسية هامة – حيث شهدت البلاد مرحلة انتقالية صدرت خلالها عدة إعلانات دستورية ثم صدر دستور في 25 ديسمبر2012
ولم يحظ بعد إصداره بتوافق وطني لما شابه من ابتعاد عن ثوابت الهوية المصرية وخصوصيتها – ثم قامت ثورة 30 يونيو 2013 حيث أقرت القوى الوطنية في 3 يوليو خارطة الطريق والتي تم بموجبها تعطيل العمل بدستور عام 2012، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد كرئيس مؤقت للبلاد وتشكيل لجنة وطنية لإعداد الدستور الجديد للبلاد – وقد قامت اللجنة بإعداد الدستور الجديد وطرح في استفتاء شعبي حظي فيه بموافقة الشعب المصري بأغلبية كبيرة جاوزت 98 % وصدر في يناير 2014.
وقد تضمنت نصوص الدستور مستجدات جوهرية وهامة علي الهيكل السياسي للبلاد وعلى أوضاع وصلاحيات السلطات الوطنية فيها من أجل تلبية طموحات الشعب المصري بما يتناسب مع التضحيات التي قدمها وتتماشي مع الأهداف التي قامت من أجلها ثورتيه في يناير 2011 ويونيو 2013
ولتحقيق آمال المستقبل من خلال إرساء دعائم الديمقراطية والحكم الرشيد وتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ووضع الحلول الدستورية المناسبة لتلافي الظروف والمعوقات والسلبيات التي عانت منها البلاد وأدت إلى قيام ثورتيه المشار إليهما وضمان عدم تكرارها.
ويمكن بإيجاز استخلاص أسس ودعائم التزام وحرص مصر على إدراج مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأسـاسية بالدستور الجديد وإعلاء شأنها على الصعيدين الوطني والدولي، فيما يلي:
• أن مصر بحكم تكوينها الحضاري الفريد وتاريخها المتميز والممتد عبر آلاف السنين والذي صنع وصاغ هويتها الوطنية التي أمتزجت بقيم الأنبياء وما سطرته الكتب والرسالات السماوية الثلاثة، ونتيجة لعضويتها في الأمم المتحدة منذ إنشائها وعضويتها كذلك بجامعة الدول العربية آنذاك ( عام 1945 )،
كانت مؤهلة حضارياً وقومياً ودينياً وثقافياً وسياسياً، لكي تكون من الدول التي شـاركت بجدية في إعداد وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصـادر عـن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 ووقعت عليه وقت صدوره.
• أن الشريعـة الإسـلامية الغراء باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع على نحـو ما نصـت عليـه المادة الثانية من دستور 1971 وما تلاه من دساتير حتى الدستور الأخير، أتت سواء بالقرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة بقيـم ومبادئ وأحكام تشكل نظاماً اجتماعياً متكاملاً يضمن للإنسان في كل زمان ومكان وأياً كانت عقيدته وبدون تمييز أو تفرقة، حقوقه وحرياتـه في كافـة مناحي الحياة وهى بذلك تسبق من أربعة عشر قرناً جميع ما استقرت عليه المجتمعات الإنسانية وما توافق عليه المجتمع الدولي الآن من مبادئ في هذا الصدد،
وقد ساعد ذلك مصر وبغير شك على خلق مناخ موات وضاغط للوقوف بقوة إلى جانب كل الجهود الدولية أو الإقليمية الداعية إلى تكريم التواجد الإنساني على الأرض ونبذ كل صور التفرقة والتمييز والعنف والقهر والدعوة إلى القضاء عليها ونشر قيم الخير والمحبة والتسامح واحترام الآخر والعدالة والسلام.
إن حق الفقراء خاصة الأطفال في العلاج المجاني ليس منحة من الحكومة بموجب سلطتها التقديرية وإنما هو حق مستمد مباشرة من الدستور والقانون وهو ليس تفضلا من الحكومة عليهم ولا يجوز لها الإحجام تنصلا منها إليهم.
أن الأساتذة المتفرغين طبقا لقانون تنظيم الجامعات يندرجون في عداد أعضاء هيئة التدريس ولهم كأصل عام ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وأن الأستاذ المتفرغ إنما يعامل معاملة الأستاذ العامل القائم بالعمل فى كافة الحقوق المالية ومن بينها المكافاَت المقررة عن القاء الدروس والمحاضرات والتمارين العملية وكذلك الحوافز المتعلقة بتطوير العملية التعليمية والساعات المكتبية التى تصرف لباقى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة .
أن من أمضى منهم هذه المدة فى وظيفة أستاذ قبل سن إحالته إلى المعاش فى تاريخ سابق على نفاذ الحكم المستحدث يحق له الاستفادة من هذا الحكم بما يستتبعه ذلك من زيادة المكافأة الممنوحة بمقدار الزيادة التى طرأت على مرتب قرينه
باعتبار أن المشرع قصد فى بيان طريقة تحديد الربط المالى ألا يقل ما يتقاضاه الأستاذ المتفرغ عما يتقاضاه مثيله الذى لم يصل إلى سن المعاش، وبهذه المثابة فإن ربط معاش هؤلاء الأساتذة بالربط المالى لنائب رئيس الجامعة هو حق لهم مستمد من القانون مباشرة وليس منحة من رؤساء الجامعات إن شاءوا منحوها وإن رغبوا منعوها.
عندما لاحق في الأفق الظاهرة الإدارية تلقاها الفرنسيون بنظرة أخرى تتمثل في منع رقابة القضاء على الظاهرة الإدارية لان ذلك يؤدي إلى الإساءة لمبدأ عدم تدخل السلطة القضائية في عمل السلطة التنفيذية و كرس ذلك في قانون المنع الذي صدر في نهاية القرن 19 الذي يمنع القضاء من محاكمة الإدارة و ما تنتجه من ظواهر إدارية
و كان البديل نشاء جهاز قضائي أخر مستقل عن السلطة القضائية قمة هرمه ليست محكمة النقد الفرنسية ( في الجزائر تسمى المحكمة العليا ) بل قمة هرمه مجلس الدولة الذي يحق له محاكمة الإدارة و ما تنتجه من ظواهر و هذا ما دفع مجلس الدولة إلى العزوف عن تطبيق قوانين السلطة القضائية و إطلاق شرارة الاجتهاد في كل محاكمة إدارية و منذ نهاية القرن 18 و الاجتهادات تتراكم في ساحة مجلس الدولة إلا أن سميت هذه الاجتهادات بالقانون الإداري .ــ اعتبارا من ظهور الدولة بالمقاييس القانونية و السيادة الاجتماعية في وقتنا
و أيام تشكل الأنظمة التي انتهجتها هذه الدول فان مسالة علاقة الحاكم بالمحكوم ظهرت في قالب جديد تتحكم فيه الأنظمة الديمقراطية الثلاث الكبرى : النظام البرلماني و النظام الرئاسي و النظام شبه رئاسي و التي توحدت كلها في معنى و مفهوم الحاكم الذي يتجسد في ثلاثية السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية المعلن عنها في النصوص الدستورية
و التي لا تختلف عن الدستور كوثيقة نابعة من سيادة الأمة و سيادة الشعب ، و بدون الدخول في المناقشات الدستورية فان الاكتفاء بمشروع الدولة الذي تصنفه هذه السلطات كل على حدا فالسلطة التشريعية التي تسند لقوانين و السلطة التنفيذية التي تنفذ القوانين ، و السلطة القضائية التي تفصل بموجب هذه القوانين .ــ و انطلاقا مما أدلي به رجال القانون لما لاحظوا ازدهار السلطة التنفيذية في مقابل تراجع السلطتين المتبقيتين اعتبارا من :
إن كانت السلطة التنفيذية تنفذ القوانين فان صلاحياتها أكثر من ذلك و تتمثل في قواها في السلطة التنظيمية التي تستمد من السلطة المعيارية للقائم عليها ( رئيس الجمهورية ) و هذا انطلاقا من الدستور الجزائري الذي نص في مادته 125 يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في مجالات غير مخصصة للتشريع )
و هي المادة المستمدة من الدستور الفرنسي لسنة 1958 الذي نص في مادته 37 بنفس الشيء و كثيرا من دساتير الدول الأخرى و هذا ما فجر آلة قانونية بيد السلطة التنفيذية لها من القوة و الاتساع ما يفوق النصوص التشريعية يضاف إلى ذلك سلطة رئيس الجمهورية في إصدار الأوامر ذات الطابع التشريعي
و حقه في اللجوء إلى إرادة الشعب مباشرة عن طريق الاستفتاء دون المرور بالسلطة التشريعية و هذا ما أدى إلى ازدهار السلطة التنفيذية في مقابل تدهور السلطة التشريعية ، كما انه بالمقارنة مع السلطة القضائية فان هذه الأخيرة لا تبدوا بحالة جيدة اعتبارا من أن وزير العدل كعضو من أعضاء السلطة التنفيذية هو الذي يشرف عليها و رئيس الجمهورية هو قاضي القضاة و القاضي الأول في البلاد و هو الذي يعين القضاة بموجب مراسيم
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان