أن التطور الذى تشهده مصر حاليًا والسعي لامتلاك القدرة بمفهومها الشامل هدفه بالأساس هو التنمية والبناء والسلام، والحفاظ على الأمن والاستقرار للمنطقة بأسرها. وتسعى أهداف التنمية المستدامة إلى الحد بشكل كبير من جميع أشكال العنف، والعمل مع الحكومات والمجتمعات المحلية لإيجاد حلول دائمة للصراع وانعدام الأمن.
ويعد تعزيز سيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان أمر أساسي في هذه العملية، يشمل كذلك جهود خفض تدفق الأسلحة غير المشروعة وتعزيز مشاركة البلدان النامية في مؤسسات الحكم العالمية.
ان تدهور الأمن الاقتصادي يؤثر على الأمن القومي بالسلب، ويحتاج الى وقفة لدراسة التحديات التي تقابل الاقتصاد المصري وبالتالي الأمن القومي، حيث أن الأمن الاقتصادي مفتقد لدى شريحة كبيرة من المواطنين بسبب الفقر وانخفاض الدخل، فقد تراكمت المشكلات التي يواجهها المجتمع المصري على مدار العقود الأربعة الماضية وكانت سببا لقيام ثورة 25 يناير 2011.
في كتاب "الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي" الذي سعى فيه صمويل هنتنجنتون لتفسير أسباب موجة التحول الديمقراطي حول العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ذكر أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي قد يكون محفزا لحدوث الثورات.
وقد استنتج ذلك من خلال الربط بين ارتفاع معدلات نصيب الفرد من إجمال الدخل القومي وعملية التحول الديمقراطي، وكانت فكرته أن ذلك يسمح بظهور طبقات وسطى متعلمة أكثر وعياً بحقوقها المدنية والسياسية. لكن يبدو أن اندفاع الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي جاء متأخرا الى تونس ومصر وليبيا وغيرها، ربما بتأثير فواعل خارجية وداخلية.
ويعتبر غياب العدالة الاجتماعية أحد أسباب الحراك الاجتماعي الثوري الذي تشهده مصر وبعض الدول العربية. فمبدأ المساواة وعدم التمييز، وتكافؤ الفرص الذي يمثل حجر الأساس في العدالة الاجتماعية، جرى اهداره على مدى عقود، شهدت تغيرات محلية واقليمية وعالمية.
ان العدالة الاجتماعية الناتجة عن التوزيع العادل للدخل هي من أهم اركان السلام الاجتماعي. والنظريات الحديثة في التنمية وربطها بالحرية دحضت الادعاء القائل بان تركيز الثروات في ايدي قلة قليلة من النخبة تزيد كفاءة الانتاج،
بل على العكس وجد ان الحرية والديموقراطية مع التوزيع العادل للدخل قد زود الانتاج بعامل مهم وضح تأثيره الايجابي على النمو الاقتصادي والتنمية في تجارب العديد من الدول الصاعدة في العالم . كما ان اهمية السلام الاجتماعي تأتي بترتيب عالي في هرم الاحتياجات الاجتماعية ربما قبل الحاجة الى الغذاء والدواء .
وهناك علاقة وثيقة بين الأمن القومي والأمن الاقتصادي. فالتهديدات التي تؤثر على الأمن القومي لا تأتي من الخارج فقط، بل قد تنبع من الداخل نتيجة لسوء السياسات التي تؤثر على الغذاء والصحة والتعليم والصناعة، وجميع المجالات الاقتصادية التي تؤدي بدورها لرفع نسب البطالة التي تمثل مشكلة ذات حدين اجتماعية واقتصادية.
ان الفيصل في تأثير التهديدات الخارجية والداخلية هو ما يُسمى “حد الخطر”، الذي تتحول بعده مشكلة عادية إلى مشكلة أمنية،
وحينما نتحدث عن مفهوم جديد للأمن القومي والأمن الإنساني أكثر شمولية، لابد من الإشارة إلى أنّ المصادر المهددة للأمن الإنساني باتت تتركز في ظواهر عديدة أهمها الإجرام المنظم الذي يشكل تحديا أمنيا كبيرا، وظاهرة المخدرات التي باتت تشكل خطرا على الأفراد نظرا لتعدد أبعادها.
إضافة إلى ظواهر أخرى مثل ظاهرة غسيل الأموال التي تمكن من تسهيل عمليات ارتكاب جرائم عديدة منها التجارة بالمخدرات والأسلحة والمتفجرات، وتوسيع دائرة الفساد السياسي والإداري، ونشر الرشوة.
وفي هذا السياق، تساهم كذلك ظواهر أخرى في تهديد الأمن مثل ظاهرة انتشار الأسلحة التقليدية، كالسلاح الخفيف، والألغام البشرية المهددة لأمن الإنسان. وكذلك خطر الأوبئة التي تفتك بالملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة، مهددة بزوال العنصر الإنساني فيها خاصة مرض الإيدز أكثر الأمراض فتكًا،
ويتركز حوالي 90 % من المصابين به في الدول النامية. يضاف إلى ذلك الهجرة غير المشروعة، والنمو الديمغرافي السريع وغير المنتظم خاصة في الدول الفقيرة، وكذلك ظاهرة الفقر الذي يهدد الكثير من سكان الدول النامية.
والنزاعات والحروب الأهلية التي أدت إلى تشريد أكثر من 35 مليون لاجئ في العالم. إضافة إلى هذه التهديدات نجد خطر التلوث البيئي الذي يهدد الأمن البيئي والصحي وبقاء الجنس البشري. وكذلك ظاهرة انتشار السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي.
ومفهوم الأمن القومي يركز على القوى الشاملة للدولة التي تشمل القضايا ذات الطابع العسكري السياسي، والاقتصادي الاجتماعي. وهناك علاقة وثيقة بين الأمن القومي والأمن الاقتصادي، فالتهديدات التي تؤثر على الأمن القومي
لا تأتي من الخارج فقط، بل قد تنبع من الداخل نتيجة لسوء السياسات التي تؤثر على الغذاء والصحة والتعليم والصناعة، وجميع المجالات الاقتصادية التي تؤدي بدورها لرفع نسب البطالة التي تمثل مشكلة ذات حدين اجتماعية واقتصادية. والفيصل في تأثير التهديدات الخارجية والداخلية هو ما يُسمى “حد الخطر”، الذي تتحول بعده مشكلة عادية إلى مشكلة أمنية،
الأمن الاقتصادي على المستوى القومي يعنى في هذا السياق البعد الاقتصادي للأمن، والذي يهدف إلي توفير سبل التقدم والرفاهية للمواطن وحماية المصالح الاقتصادية على المستوى القومي، وذلك بخلق الظروف المواتية والمشجعة للزيادة النسبية لإنتاجية العمل ورأس المال، والتي تضمن للأفراد مستوى معيشة مرتفع ويتحسن باستمرار، وتأمين وضع اقتصادي عادل وآمن. أما الأمن الاقتصادي للمواطن فهو يشمل تدابير الحماية والضمان الاجتماعي التي تؤهل الإنسان للحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج والتعليم وضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة.
فرض واقع ما بعد انتهاء الحرب الباردة، والتأثير الكبير للعولمة، ضرورة إعادة التأكيد على أهمية الفرد الإنساني في الدراسات الأمنية، ومن ثم الاهتمام بدراسة “الأمن الإنساني”. والتعريفات التي تناولت المصطلح اختلفت في تعريفها للمفهوم، إلا أنّ غالبيتها أكدت على أن الأمن الإنساني يهتم بحماية الفرد من كافة التهديدات التي تمس حياته، وحقوقه، وتنميته، وتحريره من القيود التي تشكل خطرا على حياته في كافة الأوقات، مهما كانت هذه التهديدات جسمانية أو أخلاقية، ولابد على الجميع سواء كانوا أفرادًا مثله أو مؤسسات ضمان أمن الفرد الإنساني.
وبالتالي يمكن أن ننظر إلى مفهوم “الأمن الإنساني” على أنه الأمن الذي ينطلق من الفرد، وهو يركز أكثر على الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفرد، ويؤكد على أن يكون الإنسان بمأمن من الحرمان الاقتصادي والتمتع بنوعية حياة مقبولة، وضمان الأداء للحقوق الإنسانية الأساسية.
فهو إذا مفهوم يضع الإنسان في قلب السياسات الأمنية، كما أنه لا يحصر الأمن في نطاق الدولة، بل يوسعه إلى المستوى العالمي، ويدعو مختلف الفواعل على الساحة العالمية إلى التعاون. وعليه نخلص مما سبق إلى أن هناك بعدا أخلاقيا يحمله مفهوم الأمن الإنساني، كونه لا يركز على المصلحة، بل على تأمين حاجات الفرد الإنساني مهما كانت.
يعتبر الأمن الاقتصادي من أهم دعامات الأمن الإنساني، نظرًا لما لعامل الاقتصاد من أهمية وتداخل في مجالات الحياة شتى. فلا يمكن الحديث عن تنمية انسانية من صحة وغذاء وتعليم إلا في ظلّ اقتصاد سليم. وفي ظلّ عولمة الاقتصاد أصبحت اقتصاديات الدول مترابطة بعضها مع بعض على جميع المستويات، وهذا ما يجعل أي خلل يصيب اقتصاد إحدى الدول يؤثر بالضرورة على اقتصاد دولة أخرى.
ومن ناحية ثانية يرتكز الأمن الاقتصادي على اتخاذ الإجراءات الكفيلة من أجل حماية الاقتصاد الوطني من مخاطر العولمة الاقتصادية، وبالتالي العمل على تأمين الاستقرار في الاقتصاد على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، لأن عدم الاستقرار سينعكس سلبًا على الأمن الإنساني ويجعله في حالة تهديد مستمرة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان