توقفت طويلا أمام التقرير الصادر عن وكالة «فيتش» العالمية فى يوليو الماضى الذى أشاد فيه بقدرة الاقتصاد المصرى على الصمود أمام جائحة كورونا فى وقت انهارت فيه اقتصاديات العديد من الدول الأخرى.
وصفت وكالة «فيتش» الاقتصاد المصرى بأنه «نقطة مضيئة» بين اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد أن نجح فى تحقيق معدل نمو إيجابى خلال العام الماضى رغم جائحة كورونا مما جعل مصر ضمن أفضل 3 اقتصادات فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تحقق هذا النمو الاقتصادى الإيجابى.
أشاد التقرير بالقطاع المصرفى مما يعكس النظرة المستقبلية «المستقرة» لبيئة التشغيل بالقطاع المصرفى، نتيجة عودة تدفقات رأس المال.، مما ساهم فى تعزيز السيولة بالعملات الأجنبية فى البنوك تزامنا مع تدفق تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وارتفاع حيازات الأجانب من سندات الخزانة المصرية، والتحكم النسبى فى التضخم.
توقعت مؤسسة «فيتش» أن تكون مصر هى الأعلى من حيث نمو الناتج المحلى الإجمالى على مدار السنوات الأربع القادمة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لم يكن تقرير وكالة «فيتش» هو التقرير العالمى الوحيد الذى يشيد بأداء الاقتصاد المصرى خلال الفترة الأخيرة وإنما سبقته تقارير عديدة أبرزها تقارير مؤسسة «موديز» العالمية، وتثبيت مستوى التصنيف الائتمانى لمصر كما هو عند مستوى « B2» مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى.
كل هذه التقارير وغيرها تعكس ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية فى صلابة الاقتصاد المصرى، وقدرته على التعامل الإيجابى مع أزمة «كورونا» التى أصابت الاقتصادات العالمية فى «مقتل» وأدت إلى أضخم أزمة اقتصادية عالمية بلغت فى حدتها ما يشبه الانهيار الاقتصادى العظيم الذى حدث فى القرن الماضى، واستمر لما يقرب من عقدين من الزمان فى الثلاثينيات والأربعينيات فى أوائل القرن العشرين.
ولأن «ضباب» كورونا «ومتاعبها» مازال يخيم على أجواء الاقتصاد العالمى فقد أعلنت كريستالينا جورجييفا مدير عام صندوق النقد الدولى بدء سريان أكبر توزيع لمخصصات حقوق السحب الخاصة بقيمة تعادل 650 مليار دولار بهدف استخدامها لدعم قدرات الدول على مواجهة تحديات أزمة كورونا.
هذه الزيادة فى حقوق السحب الخاصة للدول الأعضاء هى الأكبر فى تاريخ الصندوق، ومن المقرر أن تحصل مصر على حصة إضافية لمخصصاتها فى صندوق النقد الدولى بقيمة 2٫8 مليار دولار بما يعزز احتياطيات النقد الأجنبى.
وسط هذه التقارير الاقتصادية «المبشرة» التقيت محافظ البنك المركزى طارق عامر وسألته عن رؤيته لتقرير وكالة «فيتش» وماذا يعنى من وجهة نظره؟
أجاب: تقرير «فيتش» وغيره من تقارير المؤسسات الدولية شىء إيجابى ويسهم فى تعزيز النظرة الإيجابية العالمية للاقتصاد المصرى، لأن «استقرار» التصنيف يعنى ثقة كبيرة فى القطاع المصرفى الذى نجح ببراعة فى مواجهة أزمة «كورونا» ولم تحدث به أية أزمات بل إنه بات مستعدا أكثر من أى وقت مضى لمواجهة احتياجات المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن السبب فى ذلك يكمن فى نجاح رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى التى «وازنت» بين الإغلاق والتشغيل، وهى الرؤية التى ساهمت فى القدرة على تخطى أزمة كورونا بحيث تمت مراعاة عدم انتشار كورونا، وفى نفس الوقت استمرار دوران عجلة الاقتصاد المصرى بلا توقف تام كما حدث فى بعض الدول الأخرى التى وقعت فى «فخ» الإغلاق التام.
وأشار طارق عامر محافظ البنك المركزى إلى أن نجاح القطاع المصرفى فى مواجهة كل الالتزامات والاحتياجات خلال الفترة الماضية أعطى رسالة «طمأنة» للداخل والخارج، مما أدى إلى حالة من حالات الاستقرار النقدى انعكس على زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى إلى أكثر من ٤٠ مليار دولار.
الثقة فى القطاع المصرفى ساهمت فى تدفق أكثر من ١٠٠ مليار دولار من الخارج بعد إلغاء القيود التى كانت مفروضة على التحويلات النقدية من الداخل إلى الخارج، والنجاح فى إدارة سعر الفائدة، وكذلك النجاح فى إدارة أسواق الصرف بكفاءة بعد تحرير أسعار صرف الجنيه فور إطلاق خطة الإصلاح النقدى والاقتصادى التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عام ٢٠١٦.
.. وماذا عن موقف صندوق النقد من برنامج الإصلاح الاقتصادى وتقييمه لما حدث خلال الفترة الماضية؟
أجاب محافظ البنك المركزى: صندوق النقد يقوم باعتماد تقارير مصر كل ٦ أشهر، وخلال الخمس سنوات الماضية قام باعتماد جميع التقارير المصرية، وهو ما يعنى شهادة ثقة فى الأداء الاقتصادى المصرى خلال المرحلة الماضية، مشيرًا إلى أن الصندوق يعتمد فى تقاريره على عدة مستهدفات منها قواعد السياسة النقدية والمالية، ونتائج الأعمال، وكذلك القدرة على إدارة الفجوة النقدية، وكل هذه المستهدفات وغيرها نجح الاقتصاد المصرى فى اجتيازها ببراعة بحسب شهادة صندوق النقد الذى لا يعرف «المجاملة».
سألته عن رد فعل مبادرات البنك المركزى خلال المرحلة الماضية وتأثيرها على الإنتاج والأسواق؟
أجاب طارق عامر: المبادرات الأخيرة نجحت فى تعزيز قدرة القطاعات الاقتصادية المختلفة على التعافى من أزمة كورونا، وأنقذت العديد من القطاعات الاقتصادية مثل قطاع صناعة الحديد والصلب ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ الذى كان يعانى وبشدة، ووصلت نسبة التعثر فيه إلى ما يقرب من ٥٠٪، وبعد المبادرات تحركت شركات هذا القطاع الحيوى، وبدأت تستعيد مكاسبها من جديد.
وأضاف: هناك أكثر من ٨ آلاف شركة استفادت من مبادرات الصناعة والزراعة بإجمالى ٤٢٥ مليار جنيه خلال السنوات الأربع الماضية، بالإضافة إلى استفادة قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة من تلك المبادرات، إلى جوار قطاع الصناعات المتناهية الصغر، التى استفاد منها ما يقرب من ٥ ملايين عميل، وهو القطاع الذى بلغت فيه نسبة التعثر أقل نسبة بما لا يتجاوز 0.75٪.
سألت: هل هذه المبادرات كانت كافية لدعم القطاع الإنتاجى وتحقيق خطة الإصلاح الهيكلى للاقتصاد المصرى؟!
أجاب محافظ البنك المركزى: هذه المبادرات هى النواة الأولى للإصلاح الهيكلى، لأنها مبادرات مدعومة تم تخصيصها للقطاعات الإنتاجية والخدمية معا بسعر فائدة يتراوح بين ٥٪ و٨٪ بالإضافة إلى مبادرة التمويل العقارى الجديدة بسعر ٣٪.
أهمية هذه المبادرات أنها أنقذت دورة الإنتاج، وحافظت على العمالة، وهو الأمر الذى انعكس إيجابيًا على معدلات البطالة.
وأضاف: نحتاج إلى جوار المبادرات حزمة من الإجراءات لتكون محفزًا إضافيًا لدورة الإنتاج، مثل منع الازدواج الضريبى، وتخفيف العبء على الشركات المتعثرة من أجل زيادة الإنتاج وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك بما يؤدى فى النهاية إلى عدم الحاجة إلى الاقتراض، لأن الاقتراض يأتى نتيجة زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وكلما زادت الصادرات وانخفض حجم الواردات، كان ذلك يسهم فى تحسن المؤشرات الإيجابية الكلية للاقتصاد، وتخفيف العبء عن الاحتياطى النقدى الذى يقوم بسد تلك الفجوة.
وماذا عن أسعار الفائدة، وهل هناك تخفيض جديد أم استقرار ؟!
أجاب محافظ البنك المركزى: أسعار الفائدة ليست قراراً شخصياً، وإنما هى قرار لجنة السياسة النقدية التى تصدر قرارها فى ضوء المؤشرات النقدية التى يتم استعراضها، ومستوى الإيرادات، ومعدلات الإنفاق، وغيرها من المؤشرات، وحينما تم اتخاذ قرار بزيادة سعر الفائدة كانت المؤشرات تقتضى ذلك، والعكس صحيح أيضاً حينما اقتضت المؤشرات الاقتصادية تخفيض سعر الفائدة قامت اللجنة باتخاذ قرارها الذى يتماشى مع ذلك.
الآن هناك استقرار طبقا للمؤشرات الحالية، وعموماً فإن القرار الذى تتخذه لجنة السياسة النقدية يأتى فى إطار خطة متكاملة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من السيولة المتوافرة، فى إطار تكامل الإصلاحات المالية والاقتصادية والنقدية لزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى.
وماذا عن تغيير العملات النقدية واستبدالها، والشائعات التى يتم تداولها بشأن ذلك؟!
أجاب طارق عامر: شائعات ليس لها ظل من الحقيقة، فالأمور تسير وفق خطة موضوعة طبقا لسياسة «الخطوة.. خطوة»، وطبقا لبرنامج زمنى يتكامل مع برامج المدفوعات الرقمية وتعميم الكروت، والتجارب التى تجرى الآن على فئة «العشرة، والعشرين» جنيها هى تجارب فقط لاغير حتى الآن، والأهم من ذلك انه. لا إلغاء للعملات الورقية إطلاقاً حتى لو تم تشغيل تلك الفئات من العملات الجديدة، مشيراً إلى فشل التجربة الهندية التى حاولت تغيير «العملة» لديها فجأة، وهذا الأمر ليس وارداً على الاطلاق فى مصر، وإنما سيتم وفق برنامج زمنى وخطة متكاملة تتضمن عدم إلغاء العملات الورقية على الإطلاق، وسريانها مع العملات الجديدة حينما يتقرر التعامل بها.
وماذا عن الاحتياطى النقدى، ومتى يعود إلى ما قبل كورونا؟
أجاب محافظ البنك المركزى: الاحتياطى النقدى الآن يتماشى مع المعايير الدولية المتعارف عليها، وهو يتجاوز الآن أكثر من 40 مليار دولار بما يتجاوز أرقام الاحتياطى قبل 2011، وطبقا للمؤشرات الحالية فهناك ثقة كبيرة من المستثمرين العرب والأجانب فى الاقتصاد المصرى، نتيجة ثبات السياسات النقدية واستقرارها، بالإضافة إلى بدء تعافى تحويلات المصريين من الخارج من أزمة كورونا، وكذلك تحسن مؤشرات السياحة، وكلها عوامل إيجابية سوف تسهم فى زيادة الاحتياطى النقدى، واستقرار سعر الصرف، وعدم حدوث طفرات سعرية فى أسعار السلع والخدمات فى الأسواق المحلية.
أخيرا فإن كل هذه الموشرات الإيجابية تصب فى صالح الاقتصاد المصرى وقدرته على التعافى والنمو الإيجابى خلال المرحلة المقبلة مما يحقق فى النهاية رؤية وخطط الرئيس عبد الفتاح السيسى لنجاح الإصلاح الاقتصادى الهيكلى وتحويله من «الاقتصاد شبه الريعى» إلى «الاقتصاد الإنتاجى» بعد انقشاع «ضباب» كورونا ودوران عجلة الاقتصاد العالمى خلال المرحلة المقبلة.