مما يؤثر عن سيدنا الفضيل بن عياض أنه قال :”إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري” ويقصد بذلك استقامة الأشياء له واستقامة معاونيه ومن يتعامل معه وإذا أردنا أن نقرب المعنى في عصرنا فإن الخدم هنا كل من تحتاج إلى عونه في أداء حاجاتك في مصلحة حكومية مثلا؛ في السوق الذي تشتري منه حاجاتك في المدرسة التى ترجو التعلم في سفرك في إقامتك أي في سكنك و جيران المنزل والعمل ؛ في زوجك؛ في زوجتك في ابنك وابنتك. أى في كل من يشاركك في القيام بمسئولياتك الإيمانية و الحياتية والاجتماعية ويدخل الراحة القلبية عليك .
فالفضيل يضع ميزانا وعلامات لمن أراد أن يعرف أين يقف من الصواب في نفسه. لأن الاستقامة لها علامات يجدها الإنسان في نفسه ؛ويجدها الآخرون في الإنسان من خلال اختبارات لا تخيب والفضيل يضعنا هنا أمام علامة الإنسان في نفسه من خلال ما يراه في ردود فعل الآخرين تجاهه خاصة أقرب اشيائه إليه أو معاونيه كما أن ميزان الفضيل يتعلق بالنتيجة أو آثار السلوك لأن هناك ميزانا يتعلق بالفعل والمتمثل في العون على الاستقامة أقصد العون الإلهي لأن الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه أن يعين المجتهدين في طريق الهداية إلى ما سعوا إليه مادام صادقين في جهاد أنفسهم حتى تصبح الاستقامة أيسر الأشياء إليهم يقول : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ” وكذلك أخذ على نفسه أن يدع المجاهدين في سبيل الشيطان للشيطان فلا يكون لديهم ايسر من المعصية ولا أحب إليهم منها يقول تعالى في وصفهم :” اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”
أما الميزان الذي يضع المسلم نفسه عليه ليحقق الاستقامة ويتحلى بخلق أصحاب الصراط المستقيم فقد حدده القرآن للإنسان في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَوَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَوَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَوَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَإِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَفَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَوَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَوَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَأُولَـئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَالَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) كما حدد لهم وسائل أعلى درجات الاستقامه السلوكية والانسانية وهى البر في قوله تعالى :
” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
ونتيجة هذا التخلق والمداومة على هذا الخلق نجد مؤمنا يألف ويؤلف كما قال
رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (المؤمِنُ يأْلَفُ ويُؤْلَفُ، ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤْلَفُ، وخيرُهُمْ أنفعُهُمْ لِلنَّاسِ”
كما نجد سيدنا عمر بن الخطاب يضع ميزانا للناس ليتعرفوا على المؤمن الذي تشربت نفسه خلق الإيمان ونضحت هذه الروح على جوارحه سلوكا يلحظه الآخرون فقال رضوان الله عليه :إذا شهد للرجل جيرانه في الحضر( أي في المنزل والقرية والحي وكل ما يقيم فيه ) وشركاؤه في السفر ومعاملوه في الأسواق فاشهدوا له بالإيمان”كل هذه الصفات نتيجة ورد فعل لاعتقاد وأخذ النفس بهذا الاعتقاد أي ما وقر في القلب وصدقه العمل وهذا كله يراه الآخرون.
إذن لدينا مقياسا من رد فعل الآخرين لدينا ولدينا وسيلة وطرق للتخلق ولدينا مقياسا لمعرفة حقيقة من نتعامل معهم لنشهد لهم أو عليهم .