ربما يدهشك العنوان ،فالطبيعى والمالوف ان نتحدث عن صناعة النجاح واسبابه ومقوماته وليس عن الفشل والتعايش معه وبه ، الا ان ما اطرحه هنا هو مجرد راى وتشخيص من وجهة نظرى لمرض مزمن ان الاوان لمحاولة ايجاد علاج له .
للاسف اننا عانينا على مدى عقود طويلة مضت من الفشل على معظم المستويات للدرجة التى جعلت البعض يطلق على مصرنا العزيزة ( دولة الفرص الضاءعة والهدر ) ، ولكن مصر بدات عهدا جديدا وبدا البناء ، واصبح واضحا ان هناك ارادة سياسية قوية للاصلاح والتغيير وعلاج اوجه الخلل على كافة المستويات تجنبا وتجاوزا لهذا الفشل الذى اضحى مزمنا فى كثير من مناحى الحياة فى بلدنا .
والفشل مثله كنتيجة مثل النجاح لا ياتى صدفة بل ان له اسباب وعوامل- وكما يمكن ان تتوقع نجاح شخص او مهمة بتحليل الاسباب والمقومات ، يمكن ايضا ان تتوقع العكس بنفس الالية ،وكما ان للنجاح رموز ورجالات فهناك ايضا رموزا للفشل حيث تستطيع ان تتوقع اخفاقهم من اليوم الاول لتوليهم المسوولية لانهم ببساطة غير مؤهلين للقيام بتلك المهام .
لن اخوض فى اسباب الفشل فهى كثيرة ومتعددة وربما كان ابرزها هو سوء اختيار القيادات و المسوءولين فى مختلف المجالات سواء كان ذلك بسبب الجهل وقصور المعلومات ، او بسبب المجاملات والمصالح المتبادلة مما يمكن وصفه بالفساد وهو الداء الذى عانينا منه كثيرا وما زلنا .
الموضوع المثار هنا هو قبول الفشل والتستر عليه والتعايش معه والتباطوء فى اتخاذ قرار التغيير والاصلاح حتى نصل الى المرحلة التى يصبح فيها الاصلاح مستحيلا . الفشل الادارى كالسرطان اذا تم اكتشافه وتشخيصه والتعامل معه فى مرحلة مبكرة يكون العلاج سهلا وممكنا ، اما اذا اهمل وترك ليتطور وينتشر فى الجسد ربما نصل الى المرحلة التى يكون العلاج فيها غير ذى جدوى وتكون النهاية حتمية مثل الكثير من شركات ومصانع القطاع العام التى دمرتها ادارات فاشلة وفاسدة ولم يعد هناك جدوى من الاصلاح والاستمرار فكان التوقف عن النشاط والتصفية هما المصير المحتوم .
لماذا وصلنا -وما زلنا نصل – الى هذة المرحلة فى العديد من الموءسسات المملوكة للدولة ( سواء ملكية مباشرة او غير مباشرة ) ؟ اعتقد من وجهة نظرى المتواضعة ان احد اهم الاسباب هو تداخل الادوار .
حينما يكون الرقيب هو ممثل اصحاب راس المال فى الجمعيات العمومية ، وهو نفسه الذى يقوم باختيار وتعيين الادارات التنفيذية ومجالس الادارات ، والذى ايضا تقع عليه مسؤولية تقييم اداء تلك الادارات – فنحن بصدد مشكلة حقيقية توءدى حتما الى نهايات غير سعيدة . حتى لو نحينا جانبا المجاملات والمصالح المتبادلة وتوفر عنصر الفساد بصفة عامة فى اختيار القيادات ( وهو وارد جدا ) فان هناك تضارب واضح فى المصالح والاهداف فى تقييم اداء تلك الادارات ناتج عن قيام جهة واحدة بلعب كل الادوار . بالتالى يكون من السهل مثلا التستر على الاداء الضعيف للادارة التنفيذية وفشلها فى تحقيق اهداف اصحاب راس المال التى تتمثل فى تعظيم الارباح وتحقيق النمو المستهدف لان الرقيب – الذى هو نفسه ممثل اصحاب راس المال – والذى قام باختيار وتعيين تلك الادارة – مقتنع وراضى عن هذا الاداء ويستطيع ان يقدم المبررات لذلك الفشل !! وتستمر الادارة فى فشلها عام تلو الاخر والتستر على هذا الفشل ويستمر الخراب وتفشى المرض حتى نصل الى المرحلة التى يصعب فيها العلاج وتكون النهاية الحزينة كتلك التى وصلت اليها العديد من مؤسساتنا ووحداتنا الاقتصادية التى شيعت الى مثواها الاخير (وان كان البعض منها ما زال مستمرا رغم تراكم الخساءر والمديونيات وتاكل راس المال لان هناك من يرفض الاعتراف بعدم جدوى استمرارها ويقاوم اتخاذ القرار بتصفيتها ). لو تم تدارك هذا الاخفاق واتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب لكان العلاج سهلا وممكنا وما كنا وصلنا لتلك النهايات الحزينة .
مرة اخرى سوء الاختيار ، التستر على الفشل وايجاد المبرارات له ، استمرار المسؤوليين الفاشلين والفاسدين فى مواقعهم والتباطوء فى اتخاذ القرار بالتغيير ، اختلال معايير التقييم وعدم اعطاء الاهمية الواجبة للنتاءج المحققة،……… الى اخر تلك الاسباب والظواهر هى التى تمثل عن حق عوامل صناعة الفشل .