لقد حرص الإسلام على حماية نفس الإنسان وقدمها على أداء الصلاة المكتوبة فى وقتها ، بل وعلى صوم يوم ( رمضـان ) ، ومن أمثلة هذا ما أورده العز بن عبد السلام تقرير التقديم واجب على واجب لتفاوت المصلحة فيهما قوله : ( تقديم إنقاذ الغرقى على أداء الصلوات ثابت ، لأن الغرقى المعصومين عند الله أفضل ، والجمع بين المصلحتين ممكن ، بأن ينقذ الغريق ثم يقضى ، ومعلوم أن ما فاته من أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك ، وكذلك لو رأى فى ( رمضـان ) غريقاً لا يمكن تخليصه إلا بالفطر فإنه يفطر وينقذه ، وهذا أيضا من باب الجمع بين المصالح ، لأن فى النفوس حقا لله وحقا لصاحب النفس ، فقدم ذلك على أداء الصـوم دون أصله أى دون أصل الصيـام لأنه يمكن القضاء ) .
وإذا كان من الضروريات التى حرص الإسلام على المحافظة عليها حفظ النفس وحفظ العقل ، فإنه فى سبيل هذا حرم الموبقات والمهلكات المذهبات للعقل والمفسدات له .
فإن أحدا من الناس لا يشك فى إن سعادة الإنسان رهينة بحفظ عقله ، لأن العقل كالروح من الجسد ، به يعرف الخير من الشر والضار من النافع ، وبه رفع الله الإنسان ففضله وكرمه على كثير من خلقه وجعله به مسئولا عن عمله ، ولما كان العقل بهذه المثابة فقد حرم الله كل ما يوبقه أو يذهبه حرمة قطعية .
ومن أجل هذا حرم تعاطى ما يؤدى بالنفس وبالعقل من مطعوم أو مشروب ، ومن هذا القبيل ما جاء فى شأن أم الموبقات والخبائث ( الخمر ) فقد ثبتت حرمتها بالكتاب والسنة والإجماع ففى القرآن الكريم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون ) .
أفادت هاتان الآيتان أن الخمر صنو للشرك بالله ، وأنها رجس ، والرجس لم يستعمل فى القرآن إلا عنواناً على ما اشتد قبحه وأنها من عمل الشطان – وهذا كناية عن بلوغها القبح ونهاية الشر . إذ يؤدى إلى قطع الصلات وإلى انتهاك الحرمات وسفك الدماء ، وبعد هذا الضرر الاجتماعى الضرر الروحى إذ تنقطع بها صلة الإنسان بربه ، وتنزع من نفسه تذكر عظمة الله عن طريق مراقبته بالصلاة الخاشعة ، مما يورث قسوة فى القلب ودنسا فى النفس .
وجاءت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك مبينة هذا التحريم ، ومن هذا قوله : ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) .
وإذا كان ما أسكر كثيره فقليله حرام كذلك فإنه يحرم مطلقا بإجماع فقهاء المذاهب الإسلامية ما يفتر ويخدر من الأشياء الضارة بالعقل أو غيره من أعضاء الجسد . أن المخدرات بكافة أنواعها وأسمائها طبيعية أو مخلقة مسكرة ، وأن كل مسكر من أى مادة حرام ، وهذا الحكم مستفاد نصا من القرآن الكريم ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حسبما تقدم بيانه ، وبذلك يحرم تعاطيها بأى وجه التعاطى من أكل أو شرب أو شم أو حقن لأنها مفسدة .
ودرء المفاسد من المقاصد الضرورية للشريعة حماية للعقل والنفس ، ولأن الشرع الإسلامى اعتنى بالمنبهات وفى هذا يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه ) وفى حديث آخر يقول 🙁 لترك ذرة مما نهى الله عنه أفضل من عبادة الثقلين ) .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com