لقد تجاوز العالم اليوم تعليم العلوم وتبسيطها إلى البناء التثقيفي العلمي والتنموي البشري للأفراد المتعاملين مع العلوم، حيث تجاوزنا الحاجة إلى شرح المبادئ العلمية الأساسية بأسلوب بسيط يستطيع فهمه غير المتخصص، إلى التنويع في الآليات التي تكسبهم المهارات الحياتية والمهنية أو المهارات الإبداعية والابتكارية، وتساعدهم على فهم المشاكل الواقعية وحلها، من خلال أنشطة مختلفة وتجارب عملية وألعاب مسلية وأنشطة ترفيهية.. وعبر العمل الجماعي، أو التعلم الذاتي أو العروض العلمية أو التطبيقات التكنولوجية أو التجارب المرحة أو المعارض والعروض الحية، أو الجولات الميدانية أو المحاضرات والمناقشات التفاعلية أو الأنشطة التي تربط بين العلم والصناعة، أو بين العلوم والفن.. أو غير ذلك من الآليات التي غيرت النظرة للعلوم وقربت وسهلت ويسرت أساليب تعليمها بأسلوب مباشر وغير مباشر، يحفز الأطفال على حب العلوم ويزيد شغفهم بها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “تشويق العلوم” أو “تشويق تعليم العلوم”.. فالتعليم عملية تتعدد مداخلها ومخارجها بتقلب الظروف، وتنوع المعالجَات، فلا تستقيم على طريقة واحدة، ولا تركن إلى نهج منفرد.. ولا يلقى العلم الإقبال إذا لم يكن ممزوجاً بنشاط جماعي يحقق المتعة والتشويق لأخذ انتباه المتعلم وجعله يتفاعل وجدانيا، ويشارك بكل ما يحظى به من مؤهلات معرفية ومهارية.
إن هذا الفهم التربوي الحديث لعملية التعليم يتسق مع التوجهات التربوية لنشر الثقافة العلمية والتكنولوجية ولإيجاد حلول لظاهرة عزوف طلاب الثانوية العامة وطلاب الكليات متعددة التخصصات عن الأقسام العلمية، ودرستها وحللت أسبابها التي تمثلت في طبيعية الطفرة العلمية والتكنولوجية التي غيرت نظرة الشعوب الفقيرة إلى ضرورة تعلم العلوم؛ لأنهم يتعاملون معها بكفاءة عالية وإن كانوا ليسوا منتجين لها، هذا فضلاً عن عدم تطور المناهج التدريسية، وجمود القوالب والوسائل التعليمية، واقتصارها على التلقين في عصر انفتح فيه المتعلم بشكل لم يكن معهودًا على عدد من المثيرات التي أفرزتها التغيرات الحضارية الحديثة، والتي يعد عنصر التشويق من بين أساسياتها.
إن النظام التعليمي يجب أن يساعد على الفهم والتفكير، أكثر من التلقي السلبي، وأن التبسيط ليس عملية عشوائية بل هو معرفة ملتزمة بنظام وبنسق محددين، وهو نوع من أنواع التواصل بين العلم والحياة، فالوسائط المتعددة والتعليم الإبداعي للعلوم لتبني الطلاب والمعلمين وتنمي مهاراتهم حيث يكتسب التبسيط معنى جديداً يقترن بمعاني التشويق وإكساب المهارات العلمية والحياتية والمهنية، عبر عددا من البرامج العلمية والتفاعلية التي تغطي غالبية المجالات العلمية والتكنولوجيا وتناسب جميع الفئات العمرية، وتركز على الإنسان، فتراعي اختلاف خصاله المعرفية، والوجدانية، وتنوع دوافعه واتجاهاته النفسية، وسمات شخصيته متبعة في ذلك أحدث الأساليب العملية في تنمية الإبداع، وزيادة الشغف بالعلوم عبر التدريب على توليد الأفكار وتنشيط العمليات المعرفية التي تقوم عليها عملية الإبداع..