في عام 1950 أنشأت المخابرات الأمريكية واجهة ثقافية لأنشطها تحت مسمى ” منظمة الحرية الثقافية “بهدف مواجهة النموذج الثقافي الشيوعي والترويج لاسلوب الحياة الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص وفرضه على العالم .
ودائما المخابرات الأمريكية وكل أجهزة تلك الدول الاستعمارية تتستر وراء اسماء براقة لتنفيذ مخططاتها التخريبية . فالمسمى الحقيقي لتلك المنظمة هو” منظمة الحرب الثقافية “. وتم تسجيل الفظائع التي ارتكبتها تلك المنظمة في كتاب قيم بعنوان ( الحرب الباردة الثقافية.. المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب.. من الذي دفع للزمار؟). تأليف/ فرانسيسكو ستونر سوندورز ، ترجمة/ طلعت الشايب .
وذكر الباحث عاطف الدسوقي في تقديمه الطبعة الرابعة المترجمة
عام 2009 أن المنظمة أسست فروع لها في ٣٥ دولة وأصدرت اكثر من ٢٠ مجلة ذات تأثير واسع في مقدمتها مجلات كومنتري ونيوليدر ، بارتيزان ريفيو في عام ١٩٥٢.وفي العام التالي أصدرت مجلة العلم والحرية ،ومجلة إنكوانتر، وأستكتبوا فيها أسماء لامعة ومشهورة مثل المؤرخ أرنولد توينبي والفيلسوف برتراند راسل ، وهربرت سبنسر. وشهد عام ١٩٥٥ إصدار مجلات خارج أمريكا مثل سوفييت سيرفي في إيطاليا ، وكوادراد في أستراليا ، وكويست في الهند ، وجيو في اليابان . وتم الاستعانة بمؤسسة فورد لتنفيذ مشروعات مشتركة وكذلك مؤسسة روكفلر التي كان أحد خبرائها وزير الخارجية الامريكي الشهير هنري كيسنجر. .
وبحسب ما ورد في الكتاب قامت المنظمة من اجل الترويج لنموذج الحياة الغربي نظمت المعارض الفنية والحفلات الموسيقية وانتجت مئات الأعمال الدرامية في السينما والتلفزيون. كما وضعت المخابرات الأمريكية تحت سيطرتها متحف الفن الحديث في نيويورك للترويج للاعمال المتحررة من القواعد الفنية المتعارف عليها. وفي منتصف الستينات من القرن العشرين اصبح لـ (نادي القلم الدولي) التابع للمنظمة ٧٦ فرعا في ٥٥ دولة.
وفي الوقت التي كانت المنظمة تدفع بسخاء لكل من يعمل معها ويروج لأهدافها ، فإنها كانت تطارد المعارضين للنهج الأمريكي حتى تدفعهم لتدمير حياتهم مثل الروائي العالمي الشهير إرنست هيمنجواي الذي أصيب بالإكتئاب قبل الانتحار. و كانت هذه المنظمة وراء عدم فوز شاعر تشيلي الشهير نيرودا بجائزة نوبل عام ١٩٩٤
وبالتأكيد الترويج للنهج الغربي عامة والأمريكي خاصة لم يقتصر على الإتحاد السوفيتي والدول الشيوعية ولكن الحرب الثقافية امتدت لتشمل دول اخرى في كل القارات وبخاصة الدول الإسلامية وبصفة أخص الدول العربية .
بعد سقوط الإتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991 .عقب اعتراف مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة وتم ذلك على يد الرئيس الأخير للاتحاد السوفيتي والحاكم الثامن له منذ إنشائه، ميخائيل غورباتشوف. غيرت منظمة الحرب الثقافية أولوياتها وأصبح التركيز على الدول الاسلامية .
وهذا التبدل في الأولويات موثق رسميا وعلى أعلى مستوى ويتضح ذلك في رؤية الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون التي جاءت في كتابه (اقتناص اللحظة) وكشف فيه بكل وضوح عن ثقافة كراهية الإسلام. بقوله : “يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يكون قوة جغرافية متعصبة ومتراصة. وأن نمو عدد أتباعه، ونمو قوته المالية سوف يفرضان تحديا رئيسيا ، وأن الغرب سوف يضطر لتشكيل حلف جديد مع موسكو من أجل مواجهة عالم إسلامى معاد وعنيف”.
ووثق الكاتب الصحفي اللبناني محمد السماك في دراسة بعنوان (لماذا يخافون من الإسلام ) نشرتها جريدة الشروق المصرية 20 ديسمبر 2009 حالة العداء الغربي للاسلام والمسلمين. واستشهد بخطاب ألقاه هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق أمام المؤتمر السنوى لغرفة التجارة الدولية عام 1990 قال فيه: «إن الجبهة الجديدة التى يتحتم على الغرب مواجهتها هى العالم العربى الإسلامى، باعتبار هذا العالم هو العدو الجديد للغرب (لاحظ كلمة الجديد أى بعد سقوط الشيوعية).
واستشهد السماك أيضا بدراسة نشرتها مجلة ألمانية متخصصة فى الدراسات الإستراتيجية.. إثر انتهاء الحرب الباردة وسقوط الشيوعية فى عام 1990 وركزت على إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسى ولى كلايس في ذلك الوقت والذي جاء فيه : “لقد حان الوقت الذى يجب علينا فيه أن نتخلى عن خلافاتنا وخصوماتنا السابقة وأن نواجه العدو الحقيقى لنا جميعا وهو الإسلام.. إن الأصولية الإسلامية هى على الأقل فى مستوى خطورة الشيوعية سابقا”.
وتسجيل حالة العداء الرسمي والشعبي للاسلام والتي غرستها وكرستها الحروب الثقافية تحتاج الى مجلدات لتسجيلها . وما تبثه المنصات الالكترنية يوميا خير شاهد على ذلك ويدخل فيها بث فيلم ( أصحاب ولا أعز ) الذي قوبل برفض شعبي مصري لانه يدعو للرذيلة ويروج للشذوذ . ومنها الهجوم الاعلامي المنظم على الأزهر الشريف وعلى شيخه ، ومنها تقليص دور المساجد ومحاربة الكتاتيب.
وواكبت الحروب الثقافية حروب عسكرية واقتصادية وسياسية ويشهد على ذلك واقع العالم العربي والاسلامي المعاصر الملئ بالفقر والصراعات والدمار والدماء . ورغم هذا الواقع المرير الذي نعيشه تتصاعد الحروب علينا لانهم يعلمون تمام العلم أن العرب والمسلمين إذا انتبهوا ولو لفترة زمنية قليلة وتوحدوا فان موازين القوى العالمية ستتغير لصالحنا . فهم يطلقون على العالم الاسلامي مسمى (المارد النائم ) ويبذلون كل جهدهم ليظل نائما ، فمتى نستيقظ ؟!!.
Aboalaa_n@yahoo.com