لم تعد القضية مجرد فيلم سينمائى خارج عن قيم المجتمع وثوابت الدين، ولم تعد مجرد توجه لتشويه الأحاديث النبوية الشريفة والاستهزاء بالصحابة وكبار الأئمة الذين حفظوا لنا القرآن الكريم وعلومه والسنة المشرفة، بل لم تعد القضية الهجوم المتواترعلى مقام الأزهر الشريف وفضيلة الإمام الأكبر والنيل من كرامته والتحريض الوقح عليه، وإنما القضية فى حقيقتها، وكما تكشفت لكل ذى عينين، هى السعى الحثيث الممنهج والمتواصل لترويج بضاعة دينية جديدة فى بلادنا، يعلم القائمون عليها والمروجون لها أنها مرفوضة شعبيا مهما تخفت فى أثواب مضللة .
ومشكلتنا اليوم ليست فى سيد القمنى وإبراهيم عيسى وإسلام بحيرى وعمرو أديب وأحمد عبده ماهر وخالد منتصر وفاطمة ناعوت، ومن قبلهم نوال السعداوى وفرج فودة ونصر حامد أبوزيد ورفعت السعيد ومحمد سعيد العشماوى ومن سار على دربهم، فهؤلاء كلهم أدوات فى أيدى من يحركهم، ويفتح لهم أبواب القنوات الفضائية، ويمنحهم مساحات معتبرة فى الصحافة والإعلام، لكى يهدموا باسم التنوير والتجديد والتحديث أركان الإسلام وثوابته، ويعملوا على زعزعة مكانته فى النفوس، توطئة لترويج البضاعة الدينية الجديدة التى يحملها لنا الخواجة الآتى من الغرب .
وعندما يقف الشعب فى وجوههم غاضبا ورافضا هذه البضاعة الفاسدة يتهمونه بالجهل والجمود والسلفية، بل قد يصل الأمر إلى اتهام الناس جميعا بالخيانة للتحريض عليهم مثلما فعل إبراهيم عيسى وزملاؤه مع المعترضين على الفيلم البذيء .
لو كان الأمر يتوقف عند هؤلاء ما استحقوا مجرد الإشارة إليهم، فمثلهم كثير فى مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامى، هل ننسى سلمان رشدى وتسليمة نسرين وآمنة ودود وأيان حيرسى ؟!
ولو كانت المشكلة هى مشكلة هؤلاء مع الدين ما شغلوا الناس وأثاروا مخاوفهم، فقد مر الإسلام على مدى تاريخه الطويل بكثير من الفتن وعبرها بسلام، خرج منه كثيرون ودخل فيه كثيرون فما نقصوا منه ولا زادوا فيه، لكن القضية هى المشروع الكبير الذى يعمل هؤلاء جميعا تحت مظلته لترويج بضاعة دينية مرفوضة، تستهدف تغيير ديننا، وتغيير هويتنا، وضرب وحدتنا الوطنية، وتفكيك وحدة أراضينا .
وإذا كانت الديانة الإبراهيمية التى تمثل آخر اختراعاتهم وإبداعاتهم قد صارت اليوم واضحة المعالم، وأصبح لها مبشرون ودعاة، وأقيمت لها مؤسسات وشيدت لها معابد، إلا أنها لم تستقبل فى بلادنا على المستوى الشعبى الاستقبال المتوقع، وبعد فترة قليلة ستكون مجرد فقاعة هواء ليس لها أثر .
ومن قبل أن تطرح هذه الديانة الملفقة كانت هناك جهود مخابراتية دؤوبة لصياغة دين جديد لبلادنا، ظنا بأن من السهل تحويل الشعوب الإسلامية عن دينها تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والبرامج الإعلامية الموجهة التى تعمل بلا هوادة للتشكيك فى الإسلام وصلاحيته للعصر الحديث .
وقد كشفت الدكتورة منى أبو سنة الأستاذة بجامعة عين شمس عن هذه الجهود المخابراتية الأمريكية عندما تحدثت عن تلقيها دعوة للمشاركة مع أستاذها الدكتور مراد وهبة ـ عراب العلمانية فى مصر ـ للمشاركة فى مؤتمر عن فلسفة ابن رشد بأمريكا، لكنهما فوجئا هناك بمؤتمر آخر يعقد بالتزامن مع مؤتمرهما، مدعوم من الأجهزة المخابراتية الأمريكية، للبحث فى صياغة دين جديد للمسلمين، يكون بديلا ملائما ومقبولا عن دينهم .
وغنى عن البيان أن هذا العبث ليس المقصود به الدين فى حد ذاته، وإنما المقصود أيضا تغيير نمط الحياة والقيم ، لكى تصبح هذه المنطقة من العالم تابعة بالكامل للغرب، ونزع عناصر قوتها وخصوصيتها حتى لايكون هناك أى أمل فى قيامتها ونهضتها مستقبلا، فلا تمتلك البديل الحضارى الذى يعتبره الغرب تهديدا له ولحضارته، ويؤمن بأنه التحدى الحقيقى والعدو الأخضر، طبقا لما ورد فى كتاب ” صدام الحضارات ” للكاتب الأمريكى صامويل هنتنجتون .
لقد جربوا السيطرة على بلادنا وتغيير هويتنا عن طريق التبشير والإرساليات الدينية فى القرن 19 ففشلوا، وجربوا إخضاعنا للتغريب عن طريق الاستعمار العسكرى الكامل ففشلوا، والآن أدركوا أن الإسلام هو سر قوتنا وسر تماسكنا واستعصائنا على الإذلال والخضوع فشنوا علينا حربا دينية باردة وساخنة متعددة الزوايا، ليس فقط لإضعاف الإسلام فى النفوس، وإنما لاسئصال الإسلام كلية حتى يسهل عليهم زراعة الدين الجديد فى بلادنا، الدين الملفق على هواهم، منزوع العقيدة والشريعة .
وما الحملات التى تقوم بها أذرعهم الإعلامية والفكرية بين فترة وأخرى لإثارة قضايا وأفكار فرعية مختلف عليها إلا نوعا من حرق الأرض وتقليبها، ونشر الفوضى الدينية وتشكيك الناس فى إيمانهم وثوابتهم، تمهيدا للديانة الوافدة التى ستنهى استقلالنا الوطنى قبل استقلالنا الدينى .
فى بداية حياتى الصحفية عملت لفترة قصيرة فى بداية الثمانينيات مندوبا فى مجلس الوزراء، وكنت أسمع الدكتور فؤاد محى الدين رئيس الوزراء آنذاك يقول عن الشيوعيين واليساريين إننا لن نسمح لهم بأن يزرعوا الراية الحمراء فى الأرض الخضراء، ونحن اليوم نواجه تيارا أشد مكرا ودهاء، ينعق فى كل واد، يريد أن يزرع رايات الضلال والفجورفى أرضنا الطيبة، راية العلمانية، وراية الإبراهيمية، وراية سيداو، وراية الماسونية الدولية، ناهيك عن الراية الزرقاء، راية الصهيونية العالمية التى تجتمع عندها كل الرايات .