المرض هو أمر طاريء على الكائن يغير من طبيعته سواء في ذلك قدرته على العمل أو مزاجه النفسي أو ردود فعله تجاه الاشياء فالمرض عكس السلامة مثلما الاعوجاج عكس الاستقامة
بالتالي فإن القلب المريض قلب أصابه ما يعيق عمله على أكمل وجه بحيث يأتي بنتائج بعيدة عما يفترض أن تكون إذا ما كان القلب في حالته الأولى النقية من الأمراض فالذي في قلبه مرض “وأقصد هنا الأمراض غير العضوية”يفسر كل الاشياء بمرض أيضا في الفهم ومرض في التصور ومرض في تحليل الحوادث والسلوك وربطها بعضها ببعض وقد جاء في بردة البصيري:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم فالقلب المريض على غير الصحيح “سليم القلب” الذي ينظر إلى الأشياء بصواب في التحليل والتصور ولا يعني سلامة القلب أن يخدعه مخادع أو يفسر الأشياء دون وضعه في الاعتبار خداع المخادعين وخطط المتآمرين وقديمًا قالوا عن سيدنا عمر بن الخطاب: ” ليس بالخب ولكن الخب لايخدعه” أي ليس مخادعًًا أو خبيثًا
وبالتالي فالقلب المريض هو المقابل للقلب السليم الذي يتسق مع كل ما يستقيم مع الفترة السوية من تقوى وصلاح واطمئنان ورضى وحب إلى آخر القيم السوية أي أنه يضم كل مسميات القلوب السوية وفي المقابل يضم القلب المريض كل مسميات وصفات القلوب المعوجة التي تتصرف على خلاف الفطرة السوية .
وقد ذُكر القلب المريض فى القرآن الكريم 12 مرة تتعلق كلها بالمرض المعنوي والنفسي المتمثلة في الحقد والحسد والرياء والنفاق والغفلة وعبادة الذات والنرجسية والهوى والشك وحب الفاحشة وحب فاعليها وبيئتها وحب إشاعتها ونشرها والكبر والكذب والضغينة والقسوة والفساد وحب فاعليه وانحراف المزاج وانحراف التصور للأشياء وتفسيرها باعوجاج وسوء النية وسوء رد الفعل وهكذا كل أمر منحرف عن الاستقامة والصواب.
يقول تعالى : “فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” (10)البقرة الآية تفسر سلوك طائفة من الناس يدعون الإيمان ويتصورون أنهم يخادعون الله ويقرر الله سبحانه بأنهم لا يخدعون إلا أنفسهم لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ويعلم السر وأخفي من السر وبالتالي كيف يخدعوه وهو قادر عليهم ،متصرف في مصائرهم .إذن فهؤلاء وصل بهم انحراف قلبهم بأنهم يتصورن أنهم يستطيعون الكذب على الله يوم القيامة :”وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ” الانعام ” بل أنهم في الدنيا يتصورون أنهم أقوى من الخالق وأغنى فوصفوه بالفقر وبأن يده مغلوله أى لا يستطيع فعل اشياء كثيرة مما يستطيعون قعله.
ولأن قضية القلب ومرضه شديدة الاثر علي المجتمع البشري سواء في التلقي من الآخرين بل في التلقي من الله سبحانه وتعالى أو في التصرف تجاههم وتجاه أنفسهم بل تجاه الله سبحانه فقد تتضمن الربع الأول من سورة البقرة تفاصيل أحوالهم وصفاتهم ثم قامت الآيات بتصوير تمثيلي لهذه الأحوال يقول تعالى : “مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ” ثم يقدم صورة أخرى فيقول :” أو كصيب فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في أذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين، يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا” فلو تخيلنا هذه الصورة من الخوف والشك والريبة والفزع التيه لأدركنا ما يكون عليه أصحاب الأمراض القلبية من زيغ وعذاب نفسي ومن أثر سيء في المجتمع الذي يعيشون فيه وكلما زادوا في هذا المجتمع زاد عذاب المجتمع ومعاناته.