ولقد أتهم الخطاب الديني في الآونة الأخيرة بأنه يغذي العنف والتطرف وبأنه يميل الى الغلو والتنطع ويعلم الكراهية وعدم قبول الآخر . وبغض النظر الى هذه الاتهامات وعن الظروف السياسية والدولية الراهنة المعادية للإسلام ، فأن مراجعة الخطاب الديني ونقده تعد عملية حيوية وضرورية لتقويم مسيرته وتطوير أدائه ،لأنه لا يعدو أن يكون جهداً بشرياً واجتهادا لا عصمة له ،
ولهذا بات أمر تحديث الخطاب الاسلامي ونقده عملية حيوية وضرورية بهدف تطويره سواء من حيث المحتوى أو من حيث الاساليب واللغة لرفع مستوى فعاليته وتأثيره وكذلك لتلبية حاجات المجتمع والارتقاء به ، وكذلك حاجات الحضارة المعاصرة للمساهمة فيها ولإنقاذها والحفاظ على منجزاتها ، وعلى هذا يتعين أن يكون الخطاب الديني على مستوى المرحلة الراهنة وتحدياتها الخطيرة ، والابتعاد عن الخطاب الذي يطرح موضوعات لا حاجة للمسلمين بها أي من النوع الذي يثير البلبلة ويشتت الفكر ويشكك الناس في تدينهم ويفرق الناس بدلاً من ان يجمعهم .
الفرع الاول :
الخطاب لغةً متأتي من الفعل الثلاثي ( خطب ) سبب الامر فنقول ما خطبك أي ما امرك ، ونقول هذا خطب جليل وخطب يسير ، وجمعه خطوب ، وكل كلام يتضمن شرح خطب عظيم فهو خطبة ، ويقول الفيروزي آبادي أن الخطبة هي الكلام المنثور السجع ونحوه ، وكذلك القول بأن الخطاب والمخاطبة هو مراجعة الكلام وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً وهما يتخاطبان
وقد وردت لفظة الخطاب في القرآن الكريم في عدة مواضع منها في سورة ص ، الآية (20 ) (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) ، وكذلك قوله تعالى في سورة ص في الآية (23) ( إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ
أمّا الخطاب اصطلاحاً فهو عملية متواصلة من التعاطي المستمر بين طرفين احدهما مرسل والثاني مستقبل ، أو بين ذات موضوع أو بين فكر وواقع انسان ، فالخطاب ليس هو النص فحسب وإنما هو النص مضافاً اليه سلسلة من التفاعلات بين مرسل الخطاب ومتلقيه ، فعلّى هذا فان الخطاب هو شكل من اشكال التواصل يتحقق باللغة ومن خلال اللغة ، ودراسة الخطاب وفهمه على هذا الاساس تتوسط بين اتجاهين مختلفين في التناول الاول يقوم على دراسة الجمل في ذاتها وفصله عن سياقات الاتصال التي وردت فيها ، والثاني يقوم على مناصرة الاتجاه الفردي في تفسير كل جزء من اجزاء الخطاب ، الشيء الذي يميز الرؤية التأويلية.
وهناك مفهوم آخر للخطاب هو آلية استراتيجية ايديولوجية لتناول موضوع او غرض ما من اجل الاخضاع في بعض الاحيان ، واذا كان الخطاب كلاماً فهو يرتبط بما يضاف اليه ، فإذا اضيف الى الدين سمي الخطاب الديني . فالخطاب الديني فالمقصود به هو كل ما ينشر لإظهار حقائق الاسلام وشرائعه وتاريخه وتراثه في شتى مجالات الحياة ، وذلك عبر مختلف الوسائط و الوسائل الاعلامية ، وعلى رأسها المسجد ، ولذلك يدخل في مفهوم الخطاب الديني أيضاً الاسلوب والوسائل والتقنيات .
فالخطاب الاسلامي على هذا النحو هو أذن آلية التعامل مع الآخرين وهو مرآة الاسلام في عقول الآخرين وتصرفاتهم ، فإذا أحسن أعداد هذا الخطاب لأصبح عنصر بناء وجذب لهذا الدين .
ومن كل هذا نلاحظ بان للخطاب الديني اهمية كبيرة لما له من تأثير في نفوس الافراد ، وعليه فأنه يحتاج الى تزويده بكثير من طرائق التدريس ووسائل الاتصال والفنون الاعلامية ونتائج علم النفس والاجتماع ، لكي يرتقي بالخطاب الديني ويمنحه قدرات كبيرة على التأثير ، ويجب الابتعاد عن الخطابات الدينية التي تزرع الافكار الطائفية و تغرس العداء والحقد بين طوائف و افراد المجتمع ، وهذا بدوره سيقضي على الارهاب الفكري ، لأنه قد تم القضاء على أحدى مسبباته .
ثانياً : مناهج التعليم
لقد كثر الحديث عن المناهج وشاع استعمال هذا المصطلح واختلف الناس في فهمه ومعرفة مدلوله ، لذا لابد من تعريفه لغةً واصطلاحا : المناهج هي جمع منهج أو منهاج ، والمنهج والمنهاج مصدرين من الفعل نهج ، والنهج هو الطريق الواضح ، وانهج الطريق أي استبان وصار نهجاً واضحاً بيناً ، وفلاني ستنهج طريق فلان أي يسلك مسلكه ، ونهجت الطريق أي ابنته و اوضحته ، وقد ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم لقوله تعالى في سورة المائدة الآية 48 ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
وللمناهج تعاريف اصطلاحية متعددة نذكر منها ، يعرف الفقيه رونالد دول المناهج ( أنه المحتوى في العملية التعليمية الشكلية وغير الشكلية والتي بواسطتها يحصل المتعلمون على المعرفة والفهم ، وينمون بها سلوك واتجاهات ومدارك وقيم تحت اشراف المدرسة وبتوجيه منها ) ، وأيضا فقد عرفها الفقيه فالين سايلور ووليام الكساندر ( هو مجموع الجهود المدرسية للحصول على النتائج المرغوبة في المدرسة وفي خارج المدرسة )
، والمنهج بمفهومه السائد من زاوية المادة الدراسية هو مجموعة من المواد الدراسية المقررة على صف من الصفوف المدرسة أو مرحلة من مراحل الدراسة أو بمعنى آخر عبارة عن المحتوى الذي يتعلمه الفرد أو مجموعة الموضوعات المقررة التي تشمل المعارف والحقائق والأفكار والمفاهيم المجردة التي يجب ان يتعلمها التلاميذ في اطار كل مادة من المواد الدراسية.
أمّا التعليم لغة مصدر الفعل علم ، يقال : علّمه العلم والصنعة تعليما ، أي : جعله يتعلمها ، وأعلمه إياه فتعلم ، وعلم يعلم علما نقيض جهل ، والعلم اليقين يقال علم يعلم إذا تيقن ، وجاء بمعنى المعرفة أيضا كما جاءت بمعناه ضمن كل واحد معنى الآخر لاشتراكهما في كون كل واحد مسبوقا بالجهل لأن العلم وإن حصل عن كسب فذلك الكسب مسبوق بالجهل ، قال تعالى في سورة المائدة الآية 83 ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ ) ، أي علموا ، وقال تعالى في سورة الانعام الآية 62 (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) ، أي لا تعرفونهم الله يعرفهم .
أمّا التعليم اصطلاحا فقد تعددت رؤية العلماء في تحديد مفهوم التعليم اصطلاحا لتعدد مناهجهم ومدارسهم الفلسفية على أقوال ، منها : فالتعليم ( هو تنبيه النفس لتصور المعاني ، والتعلم تنبه النفس لتصور ذلك ، وربما استعمل في معنى الإعلام ، لكن الإعلام اختص بما كان بإخبار سريع ، والتعليم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلم ، ويعرف كذلك بأنه ( فرع من التربية يتعلق بطرق التدريس. وأن التعليم والتعلم هو حق لكل انسان بغض النظر عن عمره أو تحصيله الدراسي ، فهو حق ممنوح للكافة من غير شروط ، وقد نص على هذا الحق المواثيق الدولية والوطنية ، منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 والذي نص في المادة (26) منه على :
(لكل شخص الحق في التعلم…..) ، وكذلك فقد نصت المادة (9) من الاتفاقية الاوربية لعام 1950 والمادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (13) من الاتفاقية الامريكية والمادة (41) من الميثاق العربي لحقوق الانسان لعام 2004 .
أمّا بالنسبة للدساتير فقد اشار الدستور الفرنسي لسنة 1958 في المادة (34) منه الى اختصاص المشرع بتحديد المبادئ الاساسية تاركاً للحكومة حق تنظيمها في حدود هذه المبادئ الاساسية والتوجيهات التشريعية العامة ومن ضمن تلك الاختصاصات هو تنظيم مسائل التعليم ، وكذلك المادة (66) من الدستور المصري الجديد لسنة 2014 ، والمادة (34) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005( ) ، وهذه الحرية وان كانت مكفولة في المواثيق والدساتير ، إلا أنها ليست مطلقة من كل قيد ، بل يجب ان تكون في حدود النظام العام والآداب العامة.
إن مناهج التعليم التي تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات لها دور كبير في تحديد انماط سلوك الافراد وتكوين آرائهم واتجاهاتهم تربوياً ونفسياً ، فالتعليم يعمل على زيادة مستوى وعي الافراد فضلاً عن اكسابهم القدر المناسب من المعارف والمعلومات العامة المتخصصة وبما يسهم برفع نسبة تفاعل الافراد في المجتمع ، ويعد التعليم من العوامل المساعدة في معرفة الفرد لحقوقه الشخصية والمدنية حيث ان المدرسة هي الرديف المباشر للأسرة بما تغرسه من معارف وقيم وثقافة.
وإن مناهج التعليم على عدة انواع منها مادة التربية الاسلامية التي اهتمت بشكل كبير بالتربية والإعلاء من شأن اصحاب العلم لقول النبي محمد ( ثلاثة يشفعون يوم القيامة : الانبياء ، والعلماء ، والشهداء ) ، ولقد تدرجت المناهج التعليمية مثلاً في التربية الاسلامية حيث يحتوي المنهج على تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن وتفسير بعض آياته ، ثم ينتقل الطالب الى الكتاب ذي المستوى الارقى والذي يحوي نظاماً ارقى في مستواه الثقافي من الكتب الاولى ، وهكذا حتى يؤهل الافراد الى للعيش في المجتمع كأفراد صالحين ، حيث ان التربية الاسلامية جمعت بين تأديب النفس وتصفية الروح وتثقيف العقل وتقوية الجسم ، فهي تعنى بالتربية الدينية والخلقية والعلمية والجسمية دون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر ، فأهداف التربية الاسلامية العامة انها تتصف بآمرين : تبدأ بالفرد فتعده اعداد يأخذ بيده في طريق التقدم ، وتنتهي بالمجتمع الانساني عامة فتهيؤه للحياة الاجتماعية السعيدة ، والثاني تبدأ بالدنيا وتنتهي بالآخرة بأسلوب متكامل متناسق
، أمّا بالنسبة لمادة التربية الوطنية التي كانت تدرس في المدارس ومادة الثقافة التي كانت تدرس في الجامعات في عهد النظام البائد والتي كانت تساهم في خلق افكار حزب البعث المنحرفة فهي تعد من المواد التي تنشأ جيل ذا افكار منحرفة ويزرع فيهم التفرقة الطائفية (حالة من حالات الارهاب الفكري )
من كل هذا نلاحظ اهمية مناهج التعليم في اعداد الافراد وكي تجعل منهم مواطنين يعيشون في الحاضر ويستعدون للمستقبل في ذات الوقت ، وهكذا فـأن مناهج التعليم في الوطن العربي هي اداة حقيقة في تربية المواطن العربي المؤمن بربه ودينه ووطنه والقادر على المشاركة في صناعة المستقبل ، أما على العكس من ذلك أي في حالة اذا كانت مناهج التعليم مناهج قاصرة عن اعداد الافراد اعداد صحيحاً أو أنها لم تتعرض للتجديد حتى تعاصر المجتمع وتكون قادرة على أن تواجهه مشكلاته ، فبالتالي فأن المناهج التعليمية
سوف تكون احدى مسببات الكثير من المشاكل التي تواجهه المجتمع ، فقد تؤدي الى خلق افكار متطرفة أو افكار طائفية أو احقاد بين بعض طبقات المجتمع أو بين طائفة وآخري ، وبالتالي مجتمع متخلف تسوده الفوضى والاضطراب وانعدام الامن ، هذا يبين ان المؤسسات التعليمية ومناهجها الدراسية قادرة على ان تجعل من المجتمع مجتمعاً مثقفاً ومتطوراً أو مجتمع مضطرب ، ومن خلال ذلك نكون امام احدى وسائل صناعة الافكار المنحرفة وأنماط وأساليب الارهاب الفكري .
على هذا ومن وجهة نظرنا لابد من وجود سياقات يتم اتباعها في تطوير مناهج التعليم منها وجود متخصصين في تخطيط المناهج وتطويرها بحيث تكون المناهج والكتب قادرة على مواجهة ومواكبة مستجدات العصر ،
وكذلك وجود مراقبة على المناهج لمعرفة فيما اذا وجدت افكار متطرفة أو طائفية أو غيرها وبالتالي العمل على الغائها ، وتدريب من يقومون بالتدريس حتى يتمكنون من زرع الافكار التي تدفعهم الى حب وطنهم ودينهم في نفوس الطلاب وتوصيلها الى اذهانهم بمختلف الوسائل .