والمال الحرام وبال على صاحبه في الدنيا ونار يُكوى بها يوم القيامة
كتب عادل يحيى
في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر ، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في الحلقة الثامنة عشرة من برنامج “رؤية” أن ديننا الحنيف حثنا على تحري الحلال بيعًا ، وشراء ، مشيرًا إلى أن كتاب : “قضايا الدين والحياة .. رؤية عصرية” الصادر ضمن سلسلة “رؤية” للفكر المستنير قد تناول الحديث عن الأسواق ، وضوابطها ، وأهمية تحري الحلال ، حيث يقول (سبحانه وتعالى):”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” ، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): “يا أيها الناس إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين؛ فقال تعالى:” يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” ، و(قال تعالى) :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” ، ونبه نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى أهمية تحري الحلال فقال: “إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ” ، فإن وقع الإنسان في الحرام لقيه قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “يا كعبُ بنَ عُجْرةَ إنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به” ، ولا شك أن الدين هو المعاملة ، وأن الأسواق هي الترجمة العملية للمعاملة ، فمن نجح في تجارته فجزاؤه عند الله عظيم حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء” ، ومن آداب السوق أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا دخل السوق قال : “لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، له الملكُ ، وله الحمدُ ، يحيي ويميت ، وهو حيٌّ لا يموتُ ، بيده الخيرُ ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ” ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “من دخل السُّوقَ فقال: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، له الملكُ ، وله الحمدُ ، يحيي ويميت ، وهو حيٌّ لا يموتُ ، بيده الخيرُ ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ؛ كتب اللهُ له ألفَ ألفِ حسنةٍ ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيئةٍ ، ورفع له ألفَ ألفِ درجةٍ” ، نتأمل في الدعاء ، فالدعاء قائم على أمرين : الأول ؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، ليتذكر الإنسان الدار الآخرة عندما يتعامل في الأسواق ، الأمر الآخر ؛ بيده الخير ، ما كان لك لم يكن ليخطأك ، وما أخطئك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطأك ، وليس لك إلا ما كتب فلا تتعجل الأمر بطلب الحرام.
مؤكدًا أن من آداب الأسواق التي حثنا عليها النبي ( صلى الله عليه وسلم) ؛ الصدق في المعاملة ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “الْبَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِما” ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ علَى فَضْلِ ماءٍ بطَرِيقٍ، يَمْنَعُ منه ابْنَ السَّبِيلِ، ورَجُلٌ بايَعَ رَجُلًا لا يُبايِعُهُ إلَّا لِلدُّنْيا، فإنْ أعْطاهُ ما يُرِيدُ وفَى له وإلَّا لَمْ يَفِ له، ورَجُلٌ ساوَمَ رَجُلًا بسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ باللَّهِ لقَدْ أعْطَى بها كَذا وكَذا فأخَذَها” كناية عن غضبه عليهم ، ” ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ ولا ينظُرُ إليهم رجُلٌ حلَف بعدَ العصرِ على مالِ امرئٍ مسلِمٍ فاقتطَعه ورجُلٌ حلَف لقد أعطى بسلعتِه أكثرَ ممَّا أعطى ورجُلٌ منَع فَضْلَ الماءِ يقولُ اللهُ: اليومَ أمنَعُك فضلي كما منَعْتَ فَضْلَ ما لم تعمَلْه يداكَ “، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):” مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبْرٍ، وهو فيها فاجِرٌ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ وهو عليه غَضْبانُ “، وفي رواية” المنفق سلعته بالحلف الكاذب “، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “إيَّاكم وكَثرةَ الحَلِفِ في البَيعِ؛ فإنَّه يُنفِّقُ، ثُمَّ يَمحَقُ”، والخلاصة في ذلك أن الناس الذين يكذبون في بيعهم وشرائهم ليضللوا المشتري ، فيقول أحدهم : “أقسم بالله أنها قدرت لي بكذا ، أو أني اشتريتها بكذا ، أو أني إذا بعتها بأقل من كذا أكون خاسرًا ، كل هؤلاء ممن يخاصمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، وليس لك إلا ما كتب ، ستبيعها بالثمن الذي قدر الله أن تبيعها به ، فلماذا الكذب ، ولماذا الافتئات على الله ، لماذا التطاول ، ولماذا التجاوز ، ولماذا الحلف الكاذب ، واليمين الكاذبة تسمى باليمين الغموس ، سواء في بيع أو في غيره ، وسميت غموسا لأنها تكون سبباً في غمس صاحبها في نار جهنم يوم القيامة ، نعوذ بالله من ذلك ، ومن آداب الأسواق ؛ الأمانة ، والتراضي ، وعدم الغش ، والبيان التام يقول الحق (سبحانه ): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ” ، لا تقتلوا أنفسكم بأكل الحرام ، لقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا عثمان : “إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل”، وعن السائب قال قال أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فجعلوا يثنون علي ويذكروني فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “أنا أعلمكم – يعني به- قلت صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري – أي لا تجادل-“، وفي الحديث القدسي يقول رب العزة : “أنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَينِ مَا لَمْ يَخُنْ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَينِهِمَ” ، ومن آداب الأسواق أيضاً وتعليماتها ؛ عدم الغش ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “من غشنا فليس منا”، وعدم الاحتكار ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “مَنِ احْتَكَرَ فَهو خاطِئٌ”، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أنْ يُغْلِيَ بِها على المسلمينَ ؛ فهوَ خَاطِئٌ”، ومن مخاطر الأسواق ؛ تطفيف الكيل والميزان ، والغش في الكيل أو في الوزن يقول الحق (سبحانه): “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ”، يقول الشاعر:
يا بائعاً بالغش أنت مُعَرّض
لدعوة مظلوم إلى سامع الشكوى
فكل من حلال وارتدع عن محرم
فلست على نار الجحيم غداً تقوى
،( قال تعالى) :”وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ” ، رحم الله امرأ سهلًا إذا باع ، سهلًا إذا اشترى ، سهلًا إذا اقتضى ، يقول النبي(صلى الله عليه وسلم): “دخل رجلٌ الجنةَ بسماحتِه قاضيًا ومقتضيًا”، ما أنبل السماحة واليسر في البيع والشراء ، ما أجمل الأمانة في البيع والشراء ، ما أسوء الغش ، ما أسوء الاحتكار ، ما أسوء الاستغلال، ما أسوء الحلف الكاذب ، كل ذلك يورث المال الحرام ، الذي يكون وبالًا على صاحبه في الدنيا ، ونارًا يكوى بها يوم القيامة ، نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، وبفضله عن من سواه ، وأن يرزقنا حسن التعامل ، وحسن البيع ، وحسن الشراء ، وحسن الأخلاق ، وسماحة البيع والشراء.