نظرا لقلة المنتجات وزيادة الطلب عليها يرتفع التضخم، وهنا تحاول الدولة تقليل الطلب عن طريق تقليل الأموال التي في حوزة المواطنين من خلال جذبهم لإيداعها بالبنوك، وفي نفس الوقت ستمتلك الدولة أموال تمكنها من توفير المنتجات والمواد الاستراتيجية للمواطنين، لذا تقوم البنوك المصرية برفع سعر الفائدة.
وبما أن البنك المركزي قام بتعويم الجنيه بعد ارتفاع سعر الدولار ولم يتم تحديد آلية حقيقية لحساب تكاليف سعر الاستيراد وأسعار البيع وصافي الربح، فإن هذا أدي إلى ارتفاع قيمة المواد وفي تزايد مستمر، وبالتالي ستكون النتيجة أسعار غير حقيقية ومخزون أقل وسيولة مالية أقل مما سيؤدي بالتتابع لحالة من الكساد والركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم.
وهنا أرى ان الحل الوحيد هو إطلاق حر لسعر الدولار وتوفير قدر كبير من الخدمات والتخفيضات وضبط قوانين لحماية المجتمع والحفاظ على الطبقة الفقيرة والمتوسطة بالدولة، كما يجب على الدولة تطبيق العديد من القرارات والإصلاحات الاقتصادية، والتي إذا تم تنفيذها بدقة ستُحدث جذب للاستثمارات الأجنبية وعودة انتعاش السوق المصري.
أثارت الزيادات الأخيرة في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري منذ نوفمبر الماضي، توقعات بضغوط جديدة على معدلات التضخم المرتقب تراجعها بشدة في فبراير المقبل. وتراجع الجنيه المصري مقابل الدولار بأكثر من 3% منذ مطلع نوفمبر الماضي، ليصل إلى مستوى 51.22 جنيها لكل دولار قبل أيام، مقابل 49.03 جنيه بداية الشهر ذاته. وتوقع صندوق النقد الدولي وعدد من بنوك الاستثمار العالمية والمحلية أن تتراوح معدلات التضخم في مصر بين 13.1% و21.1% خلال العام المالي 2024-2025. إن ثمة مزيد من الضغوط التضخمية، مع بداية العام الجديد، نتيجة لزيادة الطلب على الدولار بسبب استيراد مستلزمات شهر رمضان، متوقعًا استمرار ارتفاع الدولار خلال الأشهر الأولى من العام المقبل حتى 55 جنيها. بين آمال الانتعاش وتحديات الواقع، يقف الاقتصاد المصري مع بداية 2025 أمام مفترق طرق، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتحقيق النمو، تستمر أزمات انخفاض العملة المحلية وارتفاع التضخم والفائدة في تعقيد المشهد الاقتصادي.
تشير التوقعات جميعها إلى استمرار تراجع الجنيه المصري ليصل إلى مستويات 54 جنيهاً للدولار خلال العام المقبل، ليظل ذلك التحدي الأكبر أمام التضخم وتحركات الفائدة في البلاد وعدم استقرار الأسواق المالية تعرّض الجنيه المصري لضغوط خلال الأسابيع القليلة الماضية ليقفز الدولار إلى مستوى قياسي قرب 51 جنيهاً مسجلاً أدنى مستوياته على الإطلاق، ما يسلط الضوء على مدى مرونة سعر الصرف التي تشكل إحدى ركائز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال إن تحرك العملة صعوداً ونزولاً في حدود 5% أمر طبيعي وفق حركة الطلب على الدولار، مرجحاً استمرار تلك الحركة في الفترة المقبلة. شهد سعر الدولار في السوق غير الرسمية في مصر ارتفاعات متفاوتة خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى زيادة التوقعات بشأن سعر الدولار، مع تصاعد الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد المصري. ويأتي ارتفاع سعر العملة الأمريكية في السوق الموازية نتيجة توقع المواطنين لاتجاهات سعر الصرف في السوق الرسمية ومتابعة حرب غزة وتأثيرها على المنطقة.
عوامل زيادة سعر الصرف في السوق الموازية:
أثار تأجيل صندوق النقد الدولي لمراجعة الاقتصاد المصري توقعات بأن قيمة العملة المصرية مقابل الدولار ستنخفض بعض الوقت، مما دفع المصريين إلى طلب شراء الدولار للاستفادة من الفارق المتوقع. و تستمر الأسعار في السوق الموازية في الارتفاع.
يضاف إلى ذلك نقص تحويلات المصريين في الخارج في الآونة الأخيرة، طبقاً لما تُظهره بيانات المركزي المصري (انخفضت بنسبة 30.8 بالمئة إلى 22.1 مليار دولار في 2022-2023).
من بين العوامل أيضاً، أزمة الاستيراد واضطرار بعض الشركات إلى سحب الدولار من السوق الموازية لعدم توافره.
توصلت مصر العام الماضي إلى اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وحصلت فقط على 275 مليون دولار، وتحتاج مصر إلى اجتياز مراجعتين من قبل صندوق النقد الدولي قبل أن تتمكن من الحصول على الجزء المتبقي.
ويرجع تأخير مراجعة الصندوق للاقتصاد المصري إلى تأخر مصر في تنفيذ بعض الإجراءات ومنها زيادة مرونة سعر الصرف. ومع ذلك، صرحت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، إن الصندوق يدرس احتمالية زيادة برنامج قروضه لمصر، للتغلب على الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن الحرب في غزة.
ومن المتوقع أن يخفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه إلى مستوى الـ 37 و39 مقابل الدولار خلال الفترة ما بين نهاية ديسمبر 2023 والربع الأول من 2024 بهدف زيادة مصادر الدخل بالعملة الأجنبية مثل التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي مع تخفيض الواردات غير الضرورية، وذلك يساعد في تقليل عجز الميزان التجاري الكبير لمصر وزيادة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي.
في النهاية، حالة عدم الاستقرار الحالية في الاقتصاد المصري، دفعت العديد من المصريين لشراء الذهب وشراء الدولار الأمريكي لحفظ قيمة أموالهم. ولكن السعر الحالي للجنيه في السوق الموازية لا يعبر عن سعره الحقيقي، في وقت تسعر فيه مؤسسات عالمية الدولار مقابل 37 أو 38 جنيهاً، فيما تضيف السوق السوداء زيادة 20 بالمئة على هذا المعدل.
إذا تصورنا إن البنك المركزي المصري تبني نظام سعر صرف مرن بشكل دائم عن طريق التعويم الحر أو المدار أو حتى بربط العملة بسلة من العملات، سيساعد ذلك في القضاء على السوق السوداء، لأن المرونة تجعل الجنيه يتحرك وفقاً لتطورات السوق وبشكل فوري.
إن تضييق الفجوة مع السوق الموازي وإصدار شهادات الإيداع ذات العائد المرتفع يساعد على إعادة ما يصل إلى 10 مليارات دولار من السوق الموازي إلى القطاع المصرفي .ويساعد ذلك على تراكم احتياطيات العملات الأجنبية، والبدء في خفض عجز صافى الأصول الأجنبية في النظام المصرفي، وتعزيز الثقة في سعر الصرف المُدار
. ومن المتوقع أن يتباطأ التضخم خلال الربع الأول من العام قبل أن يرتفع بالتزامن مع خفض العملة إلى مستويات 30% .من جانبها تسعى الحكومة إلى تخفيف وطأة أزمة العملة الحالية عن طريق توريق الإيرادات الدولارين؛ حيث من المتوقع أن يكون هذا هو الحل لأزمة نقص العملة وتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية شريطة تفعيلها بطريقة اقتصادية مخصصة للوضع الحالي. أن تتسم المدة المقبلة بتقلبات في سعر الصرف بالبلاد، مشيراً إلى أن هناك إمكانية لارتفاع سعر الدولار في حال تخلي البنك المركزي المصري عن سياسة التشديد النقدي وخفض أسعار الفائدة، وهو أمر مرجح حدوثه في العام المقبل، وهذا قد يؤدي إلى خروج بعض الأموال الساخنة، بالإضافة إلى توجه بعض المستثمرين للاستثمار في الدولار بوصفه ملاذاً آمناً. وتراجع الجنيه بنسبة 2% تقريباً منذ تصريح رئيس الوزراء المصري أن سعر الصرف قد يشهد ارتفاع أو انخفاض في حدود 5% خلال الفترة القادمة، وفق متابعة جولد بيليون لحركة الدولار في الأسواق.
هذا وقد أعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع في احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 46.95 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر مرتفعاً بأكثر من 10 مليون دولار مقارنة مع الاحتياطي في نهاية أكتوبر عند 46.94 مليار دولار.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا