ما إن صدر بيان لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ضد المفاهيم والتصورات والمضامين المغلوطة التى حملها مسلسل إبراهيم عيسى ( فاتن أمل حربى ) حتى خرجت جحافل العلمانيين ترغى وتزبد، وتهدد وتحرض بكل فجاجة ضد الأزهر وشيخه الجليل، لم تعد هذه الجحافل المستنفرة تتحمل مجرد بيان يرد على أباطيلهم، وبعد أن كانوا يتهمون الأزهر والشيوخ بأنهم إقصائيون يرفضون الرأى الآخر ويدعون لأنفسهم قداسة، صاروا هم الإقصائيين الذين يضيقون بالرأى الآخر، ويصنعون لأنفسهم أصناما لها ذوات لا تمس، وينتابهم هياج مقيت إذا قرأوا أو سمعوا ما يخالفهم، بل يتجاوز هياجهم كل الحدود المرعية وطنيا ودينيا .
بيان الأزهر لم يكفر أحدا، ولم يهن أحدا، ولم يذكر أحدا باسمه، ولم يحكم على دين أحد، ولم يدع لفرض الحجاب أو تطبيق الحدود، وإنما قال كلاما عاما حذر فيه من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم وهدم مكانة السنة النبوية فى الأعمال الفنية، مؤكدا أن تشويه المفاهيم الدينية والقيم الأخلاقية بهدف إثارة الجدل وزيادة الشهرة والمشاهدات أنانية ونفعية بغيضة، تعود آثارها السلبية على استقامة المجتمع وانضباطه وسلامه .
ودافع البيان عن الإبداع المستنير الواعى الذى يبنى الأمم ويحسن الأخلاق ويحقق أمن واستقرار المجتمعات ولا يصنع الصراعات، حتى لايقال إن الأزهر ضد الفن، لكنه أشار إلى أن تعمد تقديم عالم الدين الإسلامى بعمامته الأزهرية البيضاء فى صورة الجاهل الإمعة معدوم المروءة دنيء النفس عيي اللسان تنمر مستنكر وتشويه مقصود مرفوض، لايتناسب مع توقير شعب مصر لعلماء الدين ورجاله، منبها فى الوقت ذاته إلى أنه لا كهنوتية فى الإسلام، ولم يدع أحد من العلماء العصمة لنفسه، ونسبة هذه الأوصاف الشائنة للعلماء تدليس ووصاية وخلط متعمد، يهدف إلى تشويههم وإسقاط مكانتهم ومقامهم، كما يهدف إلى تشويه مفاهيم الدين الحنيف وتفريغه من محتواه .
وأوضح البيان موقف الإسلام من الزواج والأسرة وحقوق الزوجين والأبناء، وموقف الإسلام من المرأة وحقها فى حضانة طفلها عند الطلاق، محذرا من أن الشحن السلبى الممنهج فى بعض الأعمال الفنية تجاه الدين، واتهامه بالقصور، ونسبة كل المعاناة والإشكالات المجتمعية إلى تعاليمه ونصوصه تحيز واضح ضده، ونذير خطر يهدد الأمن الفكرى والسلم المجتمعى، وأن التستر خلف لافتات حقوق المرأة لتقسيم المجتع وبث الشقاق بين الرجال وزوجاتهم وتصوير التراث الإسلامى كعدو للمرأة، واستخدام الإعلام والدراما لتشويه هذا التراث، فكر خبيث مغرض يستبيح الانحرافات الأخلاقية ويحاول تطبيعها، كما يستهدف تنحية الدين جانبا عن حياة الإنسان وتقزيم دوره، ويدعو إلى استيراد أفكار غربية دخيلة على المجتمعات العربية الإسلامية بهدف ذوبان هويتها وطمس معالمها .
على هذا النحو جاء البيان الأزهرى قويا رصينا كاشفا، وموضحا للقضايا التى أثارها مسلسل إبراهيم عيسى فى حلقاته الأولى، لم يتقدم ببلاغ للنائب العام لمحاكمة صانعى المسلسل الساقط فنيا وفكريا، ككل أفكار صاحبه المنحرفة، ولم يطلب وقف إذاعته، وإنما اكتفى بالرد على افتراءاته وضلالاته، لكن جحافل العلمانيين كبر عليهم أن تمس أصنامهم، وأن يواجههم الأزهر برأى ناقد ومصحح، فانطلقوا هائجين منفلتين، يوجهون اتهامات بذيئة للأزهر وشيخه، ويحرضون على علمائه، وحجتهم فى ذلك أن أحد الشيوخ أعلن أنه راجع سيناريو المسلسل، وأنه مسئول عن كل كلمة فيه، وهم يعلمون جيدا أن هذا الشيخ الذى يلحدون إليه مرفوض شعبيا، ومرفوض أزهريا بعد أن فقد مصداقيته .
إحدى العلمانيات المتطرفات اتهمت الأزهر بأنه ” تكفيرى “، وكتبت ” يسقط حكم الأزهر”، مدعية أن ” مكتب الإرشاد فى الأزهر”، وطالبت الأزهر بتكفير داعش حتى تكون له ذرة مصداقية، بينما تساءل أحدهم : ” من ينقذ مصر من إدارة الأزهر الحالية ؟ من ينقذنا نحن جميعا من الأزهر؟ “، وتطاول بعضهم متهما الأزهر بتشجيع الإرهاب، وشاغب آخرون فى جدوى علوم الأزهر، والفائدة التى تعود على مصر من هذه العلوم، والأموال التى يتحملها الشعب من أجل ميزانية الأزهر ويتحكم فيها شيخه !!
ووصل الأمر إلى الدعوة لتعديل الدستور وإلغاء المواد الخاصة بالأزهر، وإلغاء المادة الثانية التى تنص على أن الإسلام دين الدولة، والعربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع .
وهكذا كشفت ردود أفعالهم أننا لسنا إزاء تيار علمانى قادر على المواجهة والحوار، وإنما نحن بصدد مراهقة علمانية شرسة، تشوه كل ماله علاقة بالدين، وتستقوى على الأزهرالشريف، وتحرض عليه ” امسك إخوانى .. امسك سلفى”، وتمارس لونا فجا من الإرهاب الفكرى والمكارثية البغيضة، تستهدف شيطنة الآخر وإقصاءه واغتياله معنويا .
لقد حصر هؤلاء المراهقون علمانيتهم فى كراهية الإسلام وتعاليمه وقيمه، ومهاجمة مصادره وكتبه وتراثه، وتحقير رموزه والتهوين من شأن مؤسساته، بينما مدوا جسور الود والتفاهم مع الأديان الأخرى، حتى مع عبادة البقر، وابتعدوا عن التبشير بالحريات وكرامة الإنسان وحقوقه، ومحاربة الجهل والفقر والتمييز الطبقى والفئوى، وكلما بالغوا فى مراهقتهم وشغبهم ازدادوا نفوذا وانتشارا وثراء، وهذا ما يفسر أسباب الغلو الذى انتابهم بعد وفاة سيد القمنى، فالواضح أنهم يتنافسون على خلافته ومقعده الخالى .
هذه المراهقة العلمانية ليست لوجه الله، وليست قائمة على مبدأ، وإنما هى موظفة وممولة، يحركها موجه محترف، يدفع بسخاء ويلعب على أوتار متعددة، ويرفع شعارات مضللة للتنوير والحرية والديموقراطية، وما لهم فى ذلك من قطمير، فقط يريدون أن يفرضوا علينا دينا جديدا، ودستورا وقانونا وأنماط حياة لاتوافق المجتمع دينا وأخلاقا وأعرافا .
ورغم كل المؤامرات المعلنة والخفية، القديمة والمستحدثة، سيظل الأزهر مؤثرا فى قلوب المسلمين بعلمائه الراسخين، وستظل الكنيسة مؤثرة فى قلوب المسيحيين، ولن يقبل المصريون التحلل من الدين، وستظل مصر فى حفظ الله ورعايته .