بنعومة لاتليق إلا بعاشق شفيف الروح تعزف صفحات رواية ” شدو لارين” سيمفونيتها الممتعة .. ولأن عنوان الخطاب دال على جوهرة فاسم لارين ؛ أحد بطلات الرواية المهمين متعدد المعاني التي تتوافق مع تلك الروح الفردوسية ، فهو في جانب منه، كلمة فرنسية بمعني الملكة.. ولاغرابة في ذلك إذا عرفنا أن المؤلفة هي الدكتورة فتحية الفرارجي أستاذ اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة طنطا .. أما معنى اسم لارين حسب المعاجم العربية، مفتاح الكعبة.. وفي جانب آخر هي كلمة تركية معناها زهرة شجر البرتقال. كل هذه المعاني الرائعة لاسم لارين.. ونعرف من سطور الرواية أن “”لارين لها مرآتان: مرآة عليها الكُحل والعطور القرشية والباريسية، وكل ما يخص الاعتناء بالبشرة والجسد. ومرآة أخرى عليها القلم والحبر والأوراق وبوصات مختلفة الأحجام إنها تكحل سطورها بالأسود، وترسم رموش سطورها بالتشكيل، وتضع إيشادوا، ظلال لما وراء الكلمات.”
لارين روح الرواية وبطلتها. لماذا اختارت لها الكاتبة هذا الاسم ؟ وما هى الموضوعات الجديدة التى تناولتها الرواية ؟ هل هى رواية تقليدية كلاسكية عادية أم أن الرواية بها موضوعات ربما لم يتناولها البعض؟
هذه البنت الندية مثل وردة في بللها ندى الصباح الباكر، تتبختر في عالم الشعر والأدب، تكتب كلمات يرق لها الوجدان.. كل هذا رائع ومتميز إلا أنه إذا صدر عن بنت يكون عريضة إتهام لها، وكأن الموهبة للذكور فقط.. وهكذا يتم ضبط البنت” روح”، اللطيفة مثل ألوان قوس قزح في شتاء لؤلؤي، متلبسة بجريمة الإبداع وكتابة الشعر خاصة .. حين يفتش والدها ــ كعادة الأهل قديمًا ـــ في أوراقها وكتبها وأشياءها الخاصة بدعوى الحفاظ عليها، ربما ضبط وردة مخبأة في كتاب أو خطاب من صديق أو حبيب ، أو كلمات لها علاقة بالعاطفة والقلب .. فيقيم لها القيامة فزعًا على مستقبلها المهدد بالحب، وشرفه الذي ذبح سكين تلك الكلمات الرومانسية .. ووقعت الواقعة ، كانت أبيات الشعر التي كتبتها روح هي ” الفجور” الذي أقام له الأب الدنيا وأقعدها ، وأشعل في البيت حرائق الكلام والرعب ..تبدأ الرواية بلحظة الإنفجار تلك :” دخل الحجرة وقرأ من آخر صفحة في مذكراتها الشخصية : للعشق والحب معجزات ، وفي انتظارتلبية النداء واللقاء حكايات ، لكنها حكايات كلها همس”.
يانهار أصفر، يانهارأزرق، البنت خلاص فجرت.. من ورائنا، من غيرعلمنا، ياليالي؟ أنتِ ياليالي ؟ ، إنت ياست هاااانم ؟ ، بنادي عليكِ تعالي بسرعة .
ليالي: ياستار يارب.. خير يارب ؟
عجيب : اقرئي واعرفي بنتك بتعمل وبتفكر فين؟
ليالي: روح؟ قمر البيت؟ نسمتنا الصبورة؟ الذكاء النباهة؟ طيب اهدأ نفهم لمن كتبت كلام العشق والحب؟ لكن أنا عرفاها، عاقله ومحافظة على نفسها.. ومذكرتها الشخصية هى حرة تكتب فيها وتكلم الورق، حرام نكبت البنت ونحاصرها دائمًا ياعجيب، حقيقي حرام تكبتها وتفتش في أوراقها وأدواتها الشخصية ؟ الإحساس بالثقة والأمان مهم.
عجيب : ياهانم فكري وتابعي بنتك ، ودوريعلى الحكايات والقصص وافهمي .
نام البيت ونام الجميع ولم تنم الأم ليالي .. لتقرأ كل مايسبق الصفحة الأخيرة في المذكرات .بهذه المقدمة النارية بدأت رواية شدو لارين أحداثها.. ورغم تطور فاعليات الزمن إلا أن العقلية القديمة لم تبرح مكانها، فلم يمنع الاستغناء عن المذكرات الورقية واستبدالها بالهاتف المحمول أو جهاز الكمبيوتر؛ هناك من الآباء من يفتش ويراقب بدعوى الخوف والعار والشرف وما إلى ذلك من مصطلحات متوارثة من أزمان بعيدة .
تنقسم الرواية إلى اربعة فصول هي .. ” إنه المايسترو الالكتروني..إنه الحلم الافتراضي” ، بصمة القلب، جذوع حورية الماضي، تشكا دار السلام .
تتناول الرواية قضايا انسانية مهمة مثل زيادة انتحار الشباب عن المعدلات التي كانت مألوفة ، أيضًا عالجت ظاهرةغريبة على مجتمعنا ماأن تختفي حتى تظهر من جديد وهي الخداع السريع والنصب والتلاعب بأحلام الفقراء الطامعين في بحبوحة من العيش، وكذا استغلال أحلام الشباب الطامحين في مستقبل يليق بهم فإذابهم ضحايا لمحترفي النصب ،وتعرضت الرواية حكايات السفر ومرارة الاحساس بفقدان الذات، وفقدان الأحبة المفاجىء وخطورة الجهل والخرافات والعديد من الموضوعات التى يمكن للقارىء أن يجد فيها ذاته أو من يشبهه.. كما عالجت الرواية في جانب مهم منها عاطفة الحب والمحبين وأحساسيهم الرقيقة .أما الذي وقفت أمامة الرواية طويلًا هى رحلة الحج لبيت الله وزيارة المدينة المنورة حيث أخذت المؤلفة القاريء من خلال أبطال الرواية إلى تفاصيل التفاصيل ليس الواقع المعاش فقط ولكن استعراض تاريخ الأماكن والأحداث السياسية التي عصفت بها في أوقات عصيبة عطلت الحج ، فكان منها ذكر الأوبئة منذ ضرب الطاعون مكة وعطل الحج وحتى فيروس كورونا الذي شهده الجميع .
وكم كان وصف التجهيز لرحلة الحج بديعًا، وتذكر عودة الرسول والصحابة لفتح مكة أمام الاسلام والمسلمين من كل بلاد الدنيا، وكذا وصف زفة المحمل في مصروالجمال تحمل على ظهورها كسوة الكعبة الجديدة التى تتألف من خيوط ذهبية وفضية وحريرية ، وتاريخ بئر زمزم مع عبد المطلب وإعادة حفرها، وأيضا الوقوف بعرفه وجبل الرحمة ومنطقة مني .. هاهي الرواية تعيد التاريخ بنعومة وسحر يليق بالحدث العظيم .
وفي لفته لطيفة تصف المؤلفة أشقائنا الأفارقة وهم يبيعون حبوب إطعام الحمام في أكياس لتنثر في ساحة الحرم ، ويلفتها السيدة التى تتكلم الإنجليزية وهى تجمع بقايا حبوب الحمام بإعتقادها أن من لاتنجب من النساء وتناولت من هذه البقايا سوف تنجب فهو على حد وصفها السحري :” إنه حمام الحرم ” .
********
على أية حال مع” شدو لارين” يستمتع القاريء برواية عذبة ، أوبرالية تارة، روحانية تارة أخرى . وحتى نقف على تلك الحال فها نحن نعيش مع بعض سطور الرواية فيما أسمته الكاتبة الكاتبة “ن”.. ورمزية ذلك الحرف المنقوط بنقطة واحدة تحتويها اضلاع، وكأنه يخشى عليها أن تفارقه ، وكأنهما العاشق والمعشوق..ولحرف النون في الصوفية كلام عجيب.. تقول :
“وصارت تلك اللحظة هي تلك النقطة المركزية، التي توسَطَتْ حرف النون، نقطة لها نفوذ، نقطة لها قوة، اندفعت بذاتها وكأنها حجارة أُلقيت في بحيرة ساكنة، فَخَّلَقت من حول تلك النقطة دوائر أكثر اتساعاً، لم تحملها إلى الأعماق، بل ولدّت فيها فضاءاتٍ بعيدة، وكأن كل حرف عين في الجبل كبيوت نيوزيلاندا، تكسو الخضرة أبوابها المستديرة، وعيون المياه التي على يمينها ويسارها.
ويعلو وجهها ضحكاتٌ رقيقاتٌ، مثل نسمات الفجر الطائر بين العنادل والكراوين.
إنها لوحة بألوان البينولي، إنها ليست الأسطورة اليونانية، شدو من العناديل والكراوين من أباطرة الحُب المنسي وسط أخاطب الجحود.
وتجمعُ حولها أباطرةَ الحُب ليسمعوا وينشدوا، وديمومة تغزل مشاعرها بين الانتظار وحلم الحُب، وتغزل لوحات من الأشجار التي لم تخترها الطيور لتُغَرد عليها، بينما أشجار مجاورة لا يقف عليها طير واحد؟.. مع أن تلك الأشجار الأخرى كثيفة الأوراق وجميلة الملمح، لكن قلبَ العصافير الذي يختار أشجاراً يبني عليها أعشاشًا، وبداخلها كائنات صغيرة صفراء تخرج من أشكال بيضاوية، لا تملك نفس صوت العصافير كنبض الحُب في أوّل شهيقٍ وزفير .
تلك اللغة الشاعرية نعرف سرها إذا ماعلمنا أن الدكتورة فتحية الفرارجي تكتب الشعر منذ زمن بعيد ولها فيه صولات وجولات ، أيضًا هي عضو عامل باتحاد كتاب مصر .. نختم كلامنا بكلمات من ضياء رحلة البطلة إلى مكة المكرمة …تقول : هاأنت يامكة، المكان الذي كان يطمئن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، البقعة التي كان يشعر فيها بقرب السماء للأرضأكثر من أى مكان آخر، هي البقعة التي يبدو فيها القمر باهيًا ، ولم ير القمر في أى مكان أحسن مكة، هي مكة التي تقلب وجهه في السماء من أجلهالتكون قبلة المسلمينوأجابه الله تعالى . تُرى ماكل هذا العشق الذي يربط إنسان بمدينة ولد فيها وسامح أهلها، رغم أذيتهم له وقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء……
وتقول على لسان “روح” تحت عنوان ” الكعبة والنظرة الأولى”: كلما اقتربت الخطوات كانت ترتفع وتعلو دقات قلبي، وضعت يدى على صدريوقلت له: اهدأ حتى ألتقط أنفاسي وأسعد برؤيتي الأولى للكعبة المشرفة .