قد نشأ عن هذا الخلق أخطار حاقت بمستقبل البلاد ، وانطوت مشروعات كان ينبغى أن تسبق وجودها بسنوات ، وتوقف الدولاب الحكومى بعض التوقف ، وران على أعمالنا جو من السرية والشك . وهذا طبع من طباعنا ، وخلق فاش فينا ، فالمرؤس يتشكك فى رئيسه والجمهور لا يثق بمن يتصدون للخدمة العامة أو يتصدون منصباً من المناصب ، والرؤساء يطعن بعضهم فى بعض ، وكل منا يستريب فى الآخر . ومرد هذا إلى الفئة التى استغلت البلاد استغلالا غير مشروع ، وما وقع فى عصرنا من ضحايا نتيجة حسن النية ، وتوافر الثقة فقد كان الأخ يضمن أخاه فيما يقع فيه من ديون ، وإذا هذا الأخ لا يوفى بدينه ، ويترك الأخ فريسة للربا الفاحش . وكان رجل الشارع يأتمن الداعين إلى التبرع لمشروعات البر والخير والخدمات الاجتاعية ، وإذا هؤلاء لا يفون بوعدهم ، وقد يتصرفون فى المال المتبرع به تصرفاً غير كريم أو على أساس غير سليم . وكان القائمون على المناصب فى العهود السابقة يستغلون وظائفهم استغلالا دنيئاً أو غير مشروع فيقدمون المحظى لديهم ، والمقرب إليهم ، ويهدرون حق صاحب الحق ، ويتوسلون إلى ذلك بشتى الحيل والأساليب . ورأينا الوعود تبذل فى أيام الانتخابات العامة ، وإذا ممثلو الشعب أو من أطلق عليهم هذا الاسم ينصرفون عن تحقيق هذه الوعود إما لإغراقها فى الخيال أو يتعذر تحقيقها أو بانصراف النائب إلى مصالحة الشخصية البحتة . ولمسنا كثيراً من الشكاوى لا تحقق تحقيقاً عادلا بل يبرم فيها لصالح القوى وإهدار حق الضعيف وهذا أثر من آثار الاستبداد الاجتماعى . وهو أثر من آثار النظام السياسى الفاسد الذى كانت تحكم به البلاد . بل هو أثر من آثار عدم توفير الكرامة للمواطن أيا كان شأنه ووضعه . وإن الثقة بدأت تعاودنا بعد أن غيرنا أسلوب الحكم ، ونظام الحكم وطاقم الحاكمين .وإذا كان فينا شيات من العهد البائد فلأن أمثال هذه الطبائع لا تغير بين لحظة وأخرى أو يوم وآخر بل لا بد لها من سنوات حتى تستقر فى النفوس ، وتركز فى الطباع . فالمشروعات اليوم تأخذ طريقها إلى التنفيذ ، بعد دراسة وتعمق وإحاطتها بكافة الضمانات . والموظف اليوم يبرم الأمر فى شجاعة وجرأة بعد أن مر عليه زمان كان يقدم فيه رجلا ويؤخر أخرى بل إنه كان يعرض الأمر على رئيسه ، والرئيس على من فوقه وهكذا وكل يخشى أن يرمى بعدم النزاهة أو أنه يبغى من وراء إبداء الرأى كسباً لقريب أو تحقيق ربح لشركة متواطىء معها أو جر مغنم إليه . كل هذه المعانى من التشكيك كانت تدور فى خاطره فيلقى المسئولية على غيره ، ومن الضحية ؟ إنه الوطن المسكين ، والصالح العام . ومن مظاهر هذا التشكيك التجاء الرؤساء فى تافه الأمور وجليلها إلى تكوين اللجان والتستر وراءها حتى يزول كل أثر من آثار الشك ، ولكن ليست هكذا تدار سياسة الدولة ، وما هكذا يبت فى مصاير الناس والجماعات . إن المفروض فى الموظف أنه مؤتمن على وظيفته ، فمن حقه أن يبرم الأمر وأن يحله ، ومن حق رئيسه أن يراجعه فيه ، ومن حق الدولة أن تحاكمه إذا فرط أو ظهر منه استغلال نفوذ أو ضعف نفسى . إننا نريد أن نستعيد ثقتنا بأنفسنا ، وثقة بعضنا ببعض وثقتنا فى رؤسائنا وحكامنا .