باعتماد تقسيم النقد الأدبي إلى مراحل ثلاث-تجوُزًا- هي:
1- مرحلة ما قبل الحداثة، ممثلة بنظرية الانعكاس (العمل الأدبي صورة لبيئته- المحاكاة الأرسطية).
2- مرحلة الحداثة، ممثلة في البنيوية التكوينية (سوسيولوجيا الأدب، النقد الاجتماعي، بمفهوم لوسيان جولدمان، وبيير زيما).
3- مرحلة ما بعد الحداثة، ممثلة بالمنهج السوسيونصي والتلقي والتفكيك والسيمياء والتأويل والنقد الثقافي.
فإن السؤال المطروح هنا: ما المنهج أو الاتجاه النقدي المعتمد لدينا راهنا في مصر؟
ومع تسليمنا بأن ثقافة الناقد تحتل المكانة الأكبر في طريقة تحليله النص، وكذلك ماهو مقرر من أن النص هو ما يفرض منهج تحليله، أو طريقة تناوله، ففي تقديري أن ما يغلب على النقد المصري الآن في تحليل العمل الأدبي والفني اتجاهان، هما : النقد السياقي، المنهج الخارج نصي، والمنهج البنيوي التكويني، مع أمشاج من المنهجين السوسيونصي والسيميائي، وهذا على خلاف النقد السائد في بلاد المغرب العرب، تونس، المغرب، الجزائر، الذين تبنوا في أغلبهم، إن لم يكن جلهم، مناهج ما بعد الحداثة، كالسيميائية والتأويل والتلقي والتفكيك، محاولين تطبيق مقولاتها، النابعة أساسا من بنيوية سوسير وحلقة براغ، إلى أن تطورت إلى المناهج المذكورة، أقول: إن أبرز تجليات هذه المناهج، باجهزتها المفهومية/ الإجرائية، قد برزت في أعمال كل من : محمد مفتاح، في : تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، والتلقي والتأويل، وسيمياء الشعر القديم، وسعيد يقطين في: القراءة والتجربة، تحليل الخطاب الروائي، وانفتاح النص الروائي، وقال الراوي (البنيات الحكائية في السيرة الشعبية)، وكذلك حميد لحمداني، في: الرواية المغربية دراسة بنيوية تكوينية، وسوسيولوجيا النص الروائي، وبنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، وأسلوبية الرواية، وحسن بحراوي في: بنية الشكل الروائي، والخطاب المسرحي، وأيضاً لدى محمد الداهي، في: شعرية السيرة الذهنية، وسيميائية الكلام الروائي، وصورة الأنا والآخر في السرد، وعبدالفتاح الحجمري، في: عتبات النص..البنية والدلالة، والأنساق الخطابية في الرواية، وعبدالملك شهبون، في: العنوان في الرواية العربية، وعتبات الكتابة، والبداية والنهاية في الرواية العربية، والحساسية الجديدة في الرواية العربية.
وبالمثل، تبنى النقد التونسي، ممثلاً بأبرز أعلامه المناهج البنيوية وما بعد البنيوية، منطلقين من تطبيقات جيرار جينيت وتودوروف والمناهج التداولية، ويمكن أن يلحظ المرء ذلك في أعمال كل من: محمد رجب الباردي، في: الرواية العربية والحداثة، وإنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة، ونظرية الرواية، والحداثة وما بعد الحداثة في الرواية العربية، وكذلك محمد القاضي، في: الخبر في السرد العربي، والرواية والتاريخ، والصادق قسومة في: البنية الذهنية في رواية الشحاذ لنجيب محفوظ، وباطن الشخصية القصصية، وطراىق تحليل القصة، ونشأة الجنس الروائي في الأدب العربي وعلاقته بالحضارة، ومحمد نجيب العمامي في: الوصف في النص السردي/النظرية والإجراء، والذاتية في الخطاب السردي، وفي تحليل الخطاب السردي، ومحمد الناصر العجيمي، في: المشهد الآخر في كتابة الذات، والنقد الروائي.
والأمر نفسه نلحظه في النقد الجزائري، المتبني لمناهج مابعد الحداثة، مع التركيز على اللسانيات، ويمكننا في هذا المقام الاستشهاد بأعمال عبدالملك مرتاض، في: ألف ليلة وليلة والمعلقات دراسة سيميائية، ونظرية الرواية، وكذلك أعمال عبدالحميد بورايو، واليامين بن تومي، وعبدالوهاب شعلان، وهناك أيضاً الناقد العراقي الكبير عبدالله إبراهيم، الذي أنجز موسوعة سردية شاملة، هي موسوعة السرد العربي، وكذلك مؤلفاته من مثل: السردية العربية، والمركزية الأوروبية، والنقد النسوي، والتفكيك (الأصول والمقولات) وغيرها كثير. وكل ما ذكرنا ليس سوى أمثلة قليلة.
وليس ثمة شك في أن الاستناد إلى المناهج الحديثة، وخاصة ما بعد البنيوية، والانفتاح على نظرياتها، وممارسة تطبيقاتها واستخدام أجهزتها وبرامجها الإجرائية قد شهد فتحا عظيما، ووسعت أفق التناول النقدي، وكشفت كثيرا من أسرار النصوص، وجمالياتها، واشتبكت مع كثير من العلوم الأخرى، وهو ما يجعل القارئ/ الناقد موسوعي المعرفة، وذلك ما يحتاج إليه النص الإبداعي الجديد، المنفتح والمتداخل مع الأجناس الأدبية والعلوم والمعارف المتعددة.