فى قديم الزمان كان هناك فلاح يقتاد حمارًا وعنزة لكى يبيعهما فى السوق.. وكان للعنزة جرس معلق فى رقبتها.
رأى ثلاثة لصوص الفلاح يمر.. فقال الأول:
ـ سأسرق العنزة دون أن يحس الفلاح بذلك.
وقال الثاني:
ـ وأنا سأنتزع منه حماره.
أما الثالث فقال:
ـ وأنا سأسرق ثيابه جميعًا.
اقترب اللص الأول خفية من العنزة ونزع عنها جرسها وربطه بذيل الحمار، واقتاد العنزة إلى أحد الحقول.
وعند منعطف في الطريق، ألقى الفلاح نظرة خاطفة وراءه، فرأى أن العنزة قد اختفت؛ فانطلق يبحث عنها.
ذهب اللص الثانى إليه وسأله عمّ يبحث، فأجابه الفلاح أن عنزته قد سُرقت.
فقال له اللص:
-عنزة، نعم.. رأيتها منذ لحظة فقط، هنا فى هذه الغابة.. رأيت رجلًا يمر وهو يركض ومعه عنزة، ومن اليسير اللحاق به.
جرى الفلاح للحاق بعنزته بعد أن طلب من اللص أن يمسك بحماره.. فساق اللص الثانى الحمار.
وعندما عاد الفلاح محبطًا من الغابة إلى حماره، رأى أن الحمار قد اختفى أيضُا فانفجر باكيًا وتابع سيره.
شاهد في طريقه على حافة مستنقع، رجلًا جالسًا يبكى، فسأله عما به.
أجاب الرجـل أنـه كـلـف حـمـل كـيـس مملوء بالذهب إلى المدينة، وأنه جلس على حافة المستنقع ليستريح، وأنه صدم الكيس وهو ينام، فسقط في المـاء.
سأله الفلاح لماذا لا ينزل إلى الماء لانتشاله.
أجاب الرجل:
ـ إني أخاف الماء، ولا أعرف السباحة. لكني سأهب عشرين قطعة ذهبية لمن ينتشل لي كيسى.
ابتهج الفلاح وقال: «إن الله قد خصني بهذه النعمة ليعوضني عن فقدي عنزتى وحمارى». فخلع ثيابه ونزل إلى الماء، لكنه لم يجد شيئًا، وعندما خرج من الماء لم يعثر على ثيابه التى سرقها اللص الثالث.
تشير هذه القصة الملهمة يا صديقى فى تلك الأيام الصعبة التى تراجع فيها الوازع الدينى والأخلاقى إلى حدهم الأدنى إلى أكثر المواضع التى يمكن أن تؤذى منها:
أما الأولى فكانت طعنة من الخلف في لحظة غفلة منا، وأما الثانية فهى موضع الناصح الذى يتظاهر بالإخلاص وهو يدس السم فى العسل ونحن نحسب أنه يحسن صنعًا، وأما الثالثة ففى موضع سبق الدمع الكلام فتأثرنا بذلك حتى خدعنا وهو فى حقيقته كالحية الرقطاء التى تضمر كل الشر.. وهؤلاء كثر فى هذه الأيام.
يقول الكاتب والروائى الروسى الشهير دوستويفسكى:
“علمتْنى تجاربى الطَّويلة أَن المَظهر يضَلل، وَأن الأفْعى تختبئ بين الأزْهار”.