أشرف غراب يكتب.. خد بالك
على مائدة ديزنى.. سُمٌ لأطفالنا !! مستغربًا أن يكون أطفال العرب هدفًا للغرب، يحتلون المقام الأول فى أولوياتهم، فإذا كانت محاولات السطو على المقدَّرات والثروات من بلدانٍ وأراضٍ ومعادن وبترولٍ ونفائس وعقائد، لا تكفى أطماعهم اللا متناهية ولم تفلح فى البعض منها، فإن جيلهم الذى ينتظرونه ليدفع عن الحِمى ويذود عن العِرض أولى بالتصويب اليوم، ومن كل اتجاهٍ بلا هوادة أو رحمة، ومن حيث لا يدرى، بتجريعه السُم فى العسل، وأخذه من الناحية التى يشتهيها، وإن كان من باب التسلية واللهو التى ينشأ عليها أى جيلٍ وليد يتطلع لمستقبله.
لن يتوقَّف الغرب عن تحقيق أحلامه كاملةً فى بلادنا، طالما هناك عملاء يستوردون خصالهم الذميمة وأفعالهم القميئة التى تتنافى بالقطع مع طبائعنا وعاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا الشرقية، ومُعتقداتنا ومذاهبنا التى تدعو لطهارة النفس والجسد معًا، وتغرس التسامح بين الآخر المختلف، وتُطالبه بالعيش شريكًا على الأرض لا مُتناحرًا، إن لم يكن فى الدين، فمن الأحرى أن يكون بالوطن، لكن الدوافع العدوانية ضد كل ما هو عربىٍّ طاغية، وليس من حق الأخير مجرد التفكير أن ينعم بالأمن أو أن يحيا حياةً آدمية؛ لأنه ليس أمريكيًا ولا بريطانيًا أو فرنسيًا وأوروبيًا ضمن حلف الشيطان صاحب اليد العليا، والباع الطولى عالميًا.
لماذا لا نُصارح أنفسنا بأننا فتحنا باب الاستيراد واسعًا لسلعة الغرب الهابطة، رخيصة الثمن، رديئة المُنتج، عديمة الفائدة، التى أفسدها الإهمال فى مخازنهم، وأصبحت بالنسبة لهم غير صالحة الاستهلاك أو الاستعمال، ولا ترقى بأذواقهم المدنية المُتحضِّرة، كما يدَّعون فى وسائلهم الإعلامية، فخلقوا لها سوقًا رائجة بأرضنا، وعيَّنوا لها وكلاء وموزعين وسماسرة من بنى جلدتنا يعيشون بيننا، بعد أن أغروهم بالدولار واليورو، ليقتلوا أبداننا، ويذهبوا بأخلاقنا، ويجعلونا نسخًا منهم، لكن مُقلدين تابعين، لا متبوعين مُتسيِّدين.
لقد أصبحنا مهووسين بالغرب فى كل شىءٍ، فى اللبس والسكن والأكل والشُرب، فى الأذواق والعادات والتقاليد، بل وصل بنا الحال أن امتد تشبُّهنا بهم فى طرق الاستيقاظ والنوم والاستماع والمُشاهدة، وإن صنعت أيدينا ما ألفنا عليه آباءنا بالأمس، وصفنا أعداؤنا بالداخل والخارج بأننا رجعيون، نعود للتخلُّف ونخطو للوراء، حتى لو كان ديننا يأمرنا بهذا، ومُحيطنا لا يرضى إلا به، ولم نُفكِّر لحظةً فى استيراد النجاح والرُقى الذى يشهدونه، من صناعةٍ وزراعةٍ وابتكارٍ واختراعٍ وإنتاجٍ، واحترامٍ لوقت العمل، واستغلالٍ للفراغ، من تطوير الذات، وتنشيط الذاكرة، ونشر روح الانتماء والولاء للموطن الذى نُقيم فيه، واللهجة التى ننتمى لحروفها ونتحدَّثها، ناهيك عن الأخلاق التى نشأ وشب عليها من أتوا بنا للحياة لنحمل الراية بعدهم.
نعم، اقترب الخطر من عريننا بفعل المُتنطعين، الذين لا يعرفون إلا لغة الربح وانتفاخ الجيوب، أصحاب الجنسيات المزدوجة، الذين إن خربت خيبر، فالإقامة جاهزة بالبيت الأبيض، والتذكرة محجوزة للإليزيه، لكن المصيبة الأعظم هذه المرة أن الثمن سندفعه أطفالنا فلذة أكبادنا، مستقبل بلادنا وعزتها، فمن ضمن التصريحات الصادرة عن شركة “ديزنى” العالمية مؤخرًا، اعتزامها تحويل أبطال أفلامها إلى شخصيات مثلية، إذ فجَّرت رئيس المحتوى الترفيهى للشركة كيرى بورك مفاجأةً صادمةً يندى لها الجبين بإعلانها عن اعتزام الشركة الهليوودية تحويل وإنتاج نحو 50% من الشخصيات الكارتونية التى تظهر فى منتجاتها بنهاية هذا العام إلى شخصيات مثلية، مُبررةً الفعلة الشنعاء بأنها تأتى فى إطار دعم مجتمع المثليين الذين يُمثِّلون نحو 3% على مستوى العالم!
رغم ما يُمثِّله ذلك من خطورة على عقول أطفالنا الذين تستهدفهم أفلام “ديزنى”، فإنَّ أرباب المصالح لم يرق لهم توافد آلاف الأطفال إلى أروقة الأزهر لحفظ كتاب الله، تزامنًا مع تلك الدعوات الشيطانية الرخيصة التى تستهدف أجيالنا الناشئة، ما يُبرِّر دورهم الخبيث والتآمرى على أخلاقنا نحن العرب والإصرار على العبث بها وإفسادها بكل ما أُوتوا من مكرٍ ودهاء وتدليس تحت شعارات زائفة، إلى أن استيقظنا على رواية “نونة الشعنونة” المطالبة بإبعاد الأطفال عن حفظ القرآن وإلغاء دور الكتاتيب، وما وراء دعواتها أكبر وأعظم، وهو استهداف الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها، وذلك يتفق تمامًا مع هجوم أمثالها الغربيين على اللاعب السنغالى إدريسا جاى الذى امتنع فى وقتٍ سابق عن المشاركة مع فريقه باريس سان جيرمان أمام مونبيليه فى الدورى الفرنسى؛ بغرض دعم المثليين، لكن الأزهر منارة العالم العربى والإسلامى وقف بالمرصاد، وأصدر بيانه التاريخى، دفاعًا عن اللاعب وعن أخلاقنا.
مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية أطلق أيضًا صيحاته التحذيرية، بأن قال إنه لا يخفى على أحدٍ خطر المواد الإعلامية الترفيهية التى تسعى لتطبيع جريمة الشذوذ الجنسى اللا أخلاقية فى المجتمعات المسلمة والمتمسِّكة بقيم الفطرة النقية، من خلال خطط شيطانية ممنهجة؛ تهدف إلى هدم منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية لمؤسسة الأسرة، ومسخ هوِية أفرادها، والعبث بأمن المجتمعات واستقرارها، وكرَّر تأكيده أن الشذوذ الجنسى فاحشةٌ مُنكرةٌ، وجريمة مخالفةٌ للفطرة الإنسانية، وهادمة للقيم الأخلاقية، وسلوكٌ عدوانى، يعتدى به فاعله على حقِّ الإنسانيَّة فى حفظ جنسها البشرى، وميولها الطبيعية بين نوعيها، وعلى حقِّ النشء فى التربية السَّوية بين آباء وأمهات… ولما يؤدى إليه هذا السلوك الهمجى اللاإنسانى من سَحقٍ لكلِّ معانى الفضيلة والكرامة، واستجابة لغرائز وشهوات شاذة دون قيدٍ، أو ضابط، أو وازعٍ من ضمير، وأشار إلى أن محاولات فرض ثقافة الشذوذ الجنسى على العالم الإسلامى بدعوى قبول الآخر، وكفالة الحقوق والحريات، هو من قبيل التَّلاعب بالألفاظ، والتَّنكُّر للدِّين والفِطْرة والقيم الإنسانية، والعودة إلى عهود التَّسلط الفكرى فى أزمنة الاستعمار وفرض الوصاية على الشُّعوب والأمم؛ مُشدّداً على ضرورة احترام ثقافات الدول والمجتمعات، وأهمية تمسُّك المُجتمعات الإسلامية والعربية بهُوِيَّتها، وقِيمها، وتعاليم دينها الحنيف.
أما الروشتة العلاجية التى قدَّمها فهى الأهم فى هذا الوقت، والتى يشد فيها على أيدى الآباء والأمهات، والقائمين على المُؤسسات الإعلامية والثَّقافية والتَّربوية والتَّعليمية، فيما يضطلعون به من أدوار تربوية نحو النَّشء بما يُعزِّز قِيمهم الدِّينية والمُجتمعية القويمة والراقية، ويُحصِّنهم من الوقوع فى براثن هذه الهجمات، وضرورة متابعة الأنشطة الواقعية للأبناء وكذلك الإلكترونية؛ لتحصينهم من رسائل مدفوعة الأجر بغرض الترويج للشُّذوذ الجنسى وتقبُّله ودعمه فى المحتويات والأنشطة الآتية: (الأفلام الكرتونية – الألعاب الإلكترونية – تطبيقات الهواتف والأجهزة الذَّكية – المسلسلات والأفلام السِّنمائية – المواد الرائجة على مواقع التَّواصل الاجتماعى – الكتب والروايات – فعاليات دورات الألعاب الرياضية – إعلانات وملصقات البضائع والمنتجات)، وغيرها، وتوضيح موقف الأديان والفضائل الرافض للشذوذ الجنسى، ونشر وعى صحيح يتصدّى للدعاية المُوجَّهة لهم عبر المنافذ المذكورة، وشغل أوقات فراغ الأبناء بما ينفعهم من تحصيل العلوم النَّافعة، والأنشطة الرياضيَّة المُختلفة، وتنمية مهارات الأبناء، واستثمار طاقاتهم وتوظيفها فيما ينفعهم، وينفع مجتمعهم، والاستفادة من إبداعاتهم، وتقديم القُدوة الصَّالحة لهم، وتخيُّر الرُّفقة الصالحة للأبناء، ومتابعتهم فى الدراسة من خلال التواصل المُستمر مع معلميهم، والتشجيع الدائم للشباب على ما يقدمونه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء، ومنحهم مساحة لتحقيق الذات، وتعزيز القدرات، وكسب الثقة.
وأخيرًا أقترح إنتاجٍ عربىٍّ مُشترك للأعمال والأفلام والمسلسلات التى يُشاهدها أطفالنا، تُناسبهم وتحفظهم بميزانية مقبولة فليس هناك ما يتطلب حماية ورعاية أكثر منهم، واختيار فريق عملٍ دينى من الأزهر والكنيسة لصناعة المحتوى الدينى، ومُفكرين وكُتاب كبار على المحتوى الثقافى يمتازون بالاعتدال والوسطية، وانتقاء متخصصين فى علم الاجتماع والنفس لضبط سلوكياتهم من خلال أعمالٍ مُبسَّطة مقروءةً ومرئية، للإجابة عن أسئلتهم التى يبحثون عنها بدواخلهم، وتدريب الأسرة من خلال برامج للكبار على كيفية توجيه الطفل، وتعريفه الخطأ من الصواب، وليكن ذلك من سن الخامسة، حيث يصلح الغرس، وتثبت المعلومة تدريجياً، وسد فراغه من خلال المراكز الشبابية لممارسة الرياضة، لبناء أجسادهم أيضًا، فالعقل السليم فى الجسم السليم، والتكاتف ضد ديزنى والقائمين عليها، حتى نحفظ أجيالنا ممن يستهدفهم.. حفظ الله أبناءنا من أعداء الإنسانية.