أصبح الإتجار بالبشر أحد أشكال الرق في العصر الحديث، نظراً لما يشمله من انتهاكً صارخً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إضافة إلى كونه ظاهرة دولية، أي لا يقتصر على دولة معينة وإنما يمتد ليشمل العديد من الدول، وتختلف صور الإتجار بالبشر وأنماطه من دولة لأخرى.
لقد ظهرت مؤخراً ممارسات إجرامية ضد الأطفال، تمثلت في خطفهم وبيعهم وإجبارهم على الدعارة، وكذا انتشار تجارة أعضاء جسم الإنسان، وغيرها الكثير من صور الإتجار الحديثة والتي تمثل بجميع صــورها انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان.
وتعد من أبشع وأخطر الجرائم الدولية على المجتمع والجنـس البشري، لذلك حرمتها وجرمتها كافة الشرائع السماوية والصــكوك والمواثيق الدولية. يعد الإتِّجار بالبشر، من الظواهر التي تؤرق العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها تلك المدمجة في الأسواق العالمية، حيث أنها تمد سوقاً عالمية بالأيدى العاملة منخفضة التكلفة وغير المنظَّمة، والقابلة للاستغلال، بالإضافة إلى أنها تبحث عن السلع والخدمات التى يمكن أن تنتجها تلك الأيدى العاملة.
ثم شهد القرن الأخير تطوراً كبيراً في مجالات حقوق الإنسان وإعلاء قيم الديمقراطية بمعناها الواسع كقيمة أساسية واجتماعية وثقافية شاملة، وساعد التطور الهائل في وسائل الاتصال والتكنولوجيا عموماً، في الوصول إلى ما كان قد بقى من بؤر العبودية والسخرة والتمييز والاسترقاق، حتى إن القرن العشرين ما كاد ينتهي إلا وقد أوشك البشر أن يتحرروا من أَسْر مفاهيم وممارسات العبودية لتصبح شيئاً من الماضي.
وتدرّ جريمة الإتجار بالبشر العديد من الأرباح غير المشروعة سنوياً، وتفيد التقارير بأن القطاعات الأشد تعرضاً لها تشمل “قطاعات الزراعة والبستنة والتشييد والملابس والنسيج والفندقة وخدمات المطاعم والتعدين وقطع الأخشاب وصيد الأسماك وتجهيز الأغذية والتغليف والنقل والخدمة المنزلية وغيرها من أعمال الرعاية والتنظيف”.
ويقوم بتلك الممارسات الإجرامية مؤسسات أعمال وشركات التموين والتعاقد من الباطن والمقاولات، أو وكالات التوظيف الخاصة، عادةً بدافع جنى الربح الاقتصادى من تشغيل الأشخاص المتجر بهم فى الأعمال أو الخدمات بصورة استغلالية، أو قد يحدث بسبب ممارسات سلسلة الإمداد غير الخاضعة للرصد أو التنظيم.
وتُعد الآثار الاقتصادية أحد الجوانب السلبية التى تترتب على جرائم الاتجار بالبشر، وذلك من خلال الأموال الناتجة عن هذه الأنشطة الإجرامية، والتى تسبب الكثير من المخاطر والأضرار على القطاع المالي والمصرفى وبخاصة على أسعار صرف العملات والتهرب الضريبي. وتؤدى الأرباح الطائلة غير المشروعة المتحصلة من جرائم الإتجار بالبشر والتى يجرى عادة غسلها وتبيضها فى دول وأنشطة أخرى، إلى حرمان الدول المحول منها من إمكانية الاستفادة من هذه الأموال فى تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، فى الوقت الذى لا يتم دفع ضرائب عن هذه الأموال، الأمر الذى قد يؤدى إلى حرمان خزانة الدولة من الموارد المالية الإضافية التى كان من الممكن توظيفها لتمويل الإنفاق العام والاستثمارى، وكذا زعزعة الاستقرار المالى فى المجتمع، والتأثير على سمعة المجتمع مالياً واقتصادياً. وتترك نشاطات الاتجار بالبشر آثاراً مدمرة على اقتصاديات الدول العارضة “المصدرة” والدول الطالبة “المستقبلة” لهذه الأنشطة، وتُظهر الاتجاهات الأخيرة فى هذا المضمار أن الإتجار بالضحايا يتم عادة من البلدان الفقيرة إلى البلدان الأغنى فى نطاق الإقليم نفسه.
كما توجد علاقة متبادلة بين ثراء بلد المقصد “بقياس الناتج المحلى الإجمالى” ونسبة الضحايا المتجر بهم من أقاليم أخرى، وعادة ما تجتذب البلدان الأغنى ضحايا من أصول وبلدان متنوعة، فى حين ينحصر الإتجار فى البلدان الأقل رخاء على التدفقات المحلية.
ومن ناحية أخرى، يسهم انتشار جرائم الإتجار بالبشر فى الإضرار بعملية التنمية الشاملة بالدولة، واندثار الكفاءات والخبرات، بما يُعزز دوائر الفقر والأمية التعليمية والمهنية وتوطين وانتشار بعض الأمراض المعدية، والتعرض للإرهاب والتهريب والجرائم المتعلقة بالمخدرات والقتل والاغتصاب والبطالة.
وتسعى الدول للتصدى لجرائم الاتجار بالبشر، نظرًا لدورها فى ارتفاع معدلات التضخم وتشويه هيكل الأسعار فى السوق المحلية، لكونها نشاطات غير مشروعة وغير منظورة على مستوى الاقتصاد الرسمى “الاقتصاد الخفى” وتشويه هيكل العمالة من خلال استنزاف الموارد البشرية وارتفاع معدلات البطالة.
وتوجد علاقة وثيقة بين غسيل الأموال ووجود الاقتصاد غير الرسمى لأن عمليات غسيل الأموال تكون بمثابة الجسر الذى تعبر عليه تلك الأموال لتشويه هيكل الاقتصاد القومى، حيث توجد علاقة وثيقة الصلة بين عائدات جريمة الإتجار بالبشر، وغسيل الأموال أو تنظيفها.
وتتسبب عمليات الإتجار بالبشر فى عجز ميزان المدفوعات بالنسبة للدول المصدرة لخدمات الإتجار، وذلك بسبب سداد التزامات العصابات الإجرامية المنظمة تجاه عملائهم بالخارج بالعملة الأجنبية من القنوات الرسمية للنقد الأجنبى، ويظهر هذا التأثير أيضاً من خلال اعتماد أسر المهاجرين وضحايا الاتجار على التحويلات النقدية من ذويهم الأمر الذى يدفعهم إلى البقاء دون عمل، حيث يعتمدون على هذه التحويلات فى معيشتهم ومن ثم يزداد الطلب الاستهلاكى وتنخفض إنتاجية القوى العاملة، مما يؤدى إلى معاناة الدولة من العجز الدائم فى ميزان المدفوعات، كما أن هذه التحويلات تساهم بصورة أو بأخرى فى اختلالات اقتصادية.
وقد صدقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكـول الأمم المتحدة لمنـع، وقمـع، ومعاقبة الاتجـار بالأشـخاص، وخاصة النسـاء والأطفـال بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003 م، وذلك وفقاً للمادة 151 من دستور عام 1971 – الذي كان معمولاً به وقت الانضمام للاتفاقية، والذي كان ينص على أن ” تكون للمعاهدات الدولية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضــاع المقررة”. وقد صدقت أيضاً عليه الكثير من الدول العربية مثل “الإمــارات العربيــة المتحــدة، وموريتانيــا، والبحريـن، وجيبـوتي، والجزائـر والعـراق، والأردن، والكويت، ولبنــان، وليبيــا، والمغــرب، وُعـمـان، وقطر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وتونس ، واليمن”.
واتخذت مصر كافة الخطوات اللازمة من أجل مكافحة الاتجار بالبشر، وذلك اقتناعاً منها بأن النساء والأطفال يمثلون الفئات الأكثر تضرراً من هذه التجارة، وأن الفقر والجهل وانعدام الفرص المتكافئة للتنمية كلها عوامل تجعل الأفراد أكثر عرضة للوقوع كضحايا للاتجار، واهتماماً منها بالقضية فى إطار أنشطتها فى المجال متعدد الأطراف وإسهامها بصورة إيجابية في صياغة المعايير الدولية للتصدي للقضايا الجديدة التي تواجه المجتمع الدولي ومنها الأشكال المتعددة للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، ومن بينها الاتجار فى البشر، إلى جانب السعي للتعامل الحاسم والفعال معها على المستوى الوطني… فاهتمت بإنشاء آلية تقييم ومتابعة حالات الاتجار في البشر،
وذلك بانشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر عام2007 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1584 لسنة 2007، وتم دمجها باللجنة الوطنية التنسيقية لمنع ومكافحة الهجرة غير الشرعية بموجب صدور القانون رقم 82 لسنة 2016 الخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتنفيذاً لنص القانون أعيد تشكيلها في 23 يناير2017 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 192 لسنة2017، وتتبع اللجنة رئاسة مجلس الوزراء، وتختص بالتنسيق على المستويين الوطني والدولي بين السياسات والخطط والبرامج الموضوعة لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية في إطار الالتزامات الدولية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف النافذة في جمهورية مصر العربية، وتُعد اللجنة بمثابة آلية للمتابعة والتقييم، لتصوغ
وتنفذ خطة العمل الوطني الرامية للمكافحة والقضاء على المشكلة عبر منهج ثلاثي وهو المنع والوقاية والملاحقة، فضلاً عن اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وإنشاء دوائر جنائية متخصصة للنظر فى تلك الجرائم وتوفير مقر آمن للفتيات والنساء ضحايا الاتجار بالبشر، فبشاعة جرائم الاتجار بالبشر بوصفها ممارسة إجرامية تتنافى مع القيم الإنسانية المستقرة ولما تمثله من امتهان لكرامة الإنسان الذي كرمه الخالق وانتهاك لحقوقه الأســاسية في الحياة والكرامة والأمن والحرية والمســاواة، لذا يحتاج التعامل معها تكاتف الجهود على المستوى الوطني والدولي.
أ- سبل مناهضة الاتجار بالبشر في القانون المصري:
تُعدّ مصر من أوائل الدول العربية التي واجهت ظاهرة الاتجار بالبشر بإصدار القانون64 لسنة 2010م لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر ولائحته التنفيذية، فضلاً عن إصدارها القانون رقم 5 لسنة2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية ولائحته التنفيذية، وتعديل بعض أحكامه بالقانون رقم 142 لسنة 2017 و نشر بالجريدة الرسمية في 22 يوليو 2017، وذلك بغرض التصدي لجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية باعتبارها أحد أنماط وصور الاتجار بالبشر، والذي نظم أيضاً عملية نقل وزراعة الأعضاء البشرية بشكل قانوني- ليغلق الأبواب أمام مافيا عصابات الجريمة المنظمة في التعامل مع البشر كسلع يتم تداولها بشكل يمتهن الكرامة الإنسانية ولا يتسق مع مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها.
ومن جانب آخر تضمنت القوانين الوطنية المصرية عقوبات صارمة للجرائم المتعلقة بالأنماط المتعددة لجريمة الاتجار، حيث تبنى المشرع المصري منهجاً شاملاً لمواجهة جرائم الاتجار بالبشر وذلك وفقاً لما دعا إليه بروتوكول باليرمو لمنع وقمع الاتجار بالأشخاص، ليصبح البنيان القانوني لهذه الجرائم مناسباً لمواجهة ومكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
ب- الاتجار بالبشر في الدستور المصري:
شملت الوثيقة الدستورية الصادرة عام 2014م القواعد العامة التي بمقتضاها تتصدى لجرائم الاتجار بالبشر، فقد حرصت على إسباغ حماية دستورية وجنائية فيما يتعلق بحظر وتجريم الاتجار بالبشر، ومن بين المواد التي تعرضت لهذا الموضوع نص المادة (51)، ونص المادة (61)، منه عن كيفية التبرع بالأعضاء البشرية لتواجه بذلك جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية والتي تعد صورة من صور الاتجار بالبشر، ونص المادة (63)، كما حظرت المادة (89) ” كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس، وغيرها من أشكال الاتجار في البشر، ويجرم القانون كل ذلك”. كما حظــرت المادة (60) الاتجار بأعضاء الإنسان – كصورة من صور الاتجار بالبشر- حيث نصت على أنه:” لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون”.
كما قررت المادة (80) من الدستور حماية خاصة للطفل من الاستغلال الجنسي والتجاري – كصورتين للاتجار بالبشر – بقولها: ” وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري”.
ج- القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر:
اعتمد القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر ولائحته التنفيذية – على أحكام تجريمية وعقابية كنموذج استلهم منه الكثير من نصوصه التي تضمنها وقام على محاور أساسية وهي: الوقاية والمنع، والملاحقة والمحاكمة، وحماية المجني عليهم (تقديم المساعدة للضحايا وحمايتهم)، والشراكة مع منظمات المجتمع المدني، والتعاون الدولي بكافة صوره
ويستند هذا القانون إلى منظور حقوقي في التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر والتفرقة بينهم وبين المتورطين في جريمة الاتجار، وكيفية ضمان وصيانة حقوقهم سواء في كافة مراحل التحقيقات أو المحاكمة وبعد انتهائها ويقترح فرض عقوبات صارمة رادعة على مقترفي هذه الجريمة البشعة التي تنتهك الكرامة الإنسانية للبشر، وأولى القانون عناية خاصة بالضحايا من الأطفال، وتضمن مبادئ قانونية متميزة، كما يعد نموذجاً لقانون إجرائي جديد فيما يتعلق بالاختصاص الجنائي العالمي واحترام مبدأ الشرعية حين اشترط ازدواج التجريم في كل من القانون المصري والأجنبي.
فقام منهج المشرع المصري على مجموعة أخرى من التشريعات السابقة على صدور هذا القانون والتي تسهم بصورة مباشرة في تعزيز مكافحة الاتجار بالبشر باعتبارها تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويتعامل مع حالات معينة تتميز بأنها من الحالات الأولى بالرعاية (مثل الأطفال والنساء)، ومن أفضل ما وفره المشرع المصري لضحايا الاتجار بالبشر، حزمة من الحقوق لضمان الحرية والكرامة الإنسانية، والتي وردت بالفصل الخامس من القانون 64 لسنة2010 في باب حماية المجني عليهم، (وهي الحق في السلامة النفسية، والجسدية والمعنوية، وصون الحرمة الشخصية والهوية، والحق في الاستماع إليه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، والتبصير بالإجراءات القانونية والقضائية ذات الصلة، وعدم الاعتداد برضاه، وعدم مسئوليته الجنائية أو المدنية عن الجريمة بكونه مجنياً عليه، وكفالة الدولة حماية الضحية وتهيئة الظروف المناسبة لمساعدته وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع، وتوفير أماكن مناسبة لاستضافته منفصلة عن تلك المخصصة للجناة تسمح باستقبالهم لذويهم ومحاميهم وممثلي السلطات المختصة)، كما يعد أيضاً التشريع العربي الوحيد الذي ينص على إنشاء صندوق لمساعدة الضحــايا، وله الشخصية الاعتبارية ويتبع رئاسة مجلس الوزراء، كما يصدر بشأن اختصاصاته وتمويله قرار من رئيس الجمهورية، ويتولى تقديم المساعدات المالية للضحايا جراء الأضرار التي نجمت عن جريمة الاتجار بهم وانتهاك كرامتهم.
ويتضمن القانون المصري رقم 64 لسنة 2010 التعريف الأكثر شمولية للاتجار في البشر. حيث نصت المادة الثانية منه على: ” أنه يُعد مرتكباً لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول علي موافقة شخص علي الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه – و ذلك كله – إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة و سائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد، أو التسول، أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها.”
وقد قامت مصر بالتصديق على والانضمام إلى مـعظم الاتفاقيات والمـواثيق والصكوك والبروتوكولات الدولية المشتملة على أحكام وتدابير ذات صلة بمكافحة استغلال الأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، وقد أصبحت تلك الاتفاقيات الدولية جزء من القوانين الوطنية المطبقة في مصر، وتلتزم السلطات المعنية في الدولة بتطبيق وإنفاذ الأحكام الواردة فيها طبقا لنص المادة 151 من الدستور المصري. كما أن الإطار القانوني والتشريعي المعمول به بجمهورية مصر العربية يتناول بالتأثيم والعقاب معظم الأشكال الحادة لجريمة الاتجار في البشر؛ كما هو وارد في تعريف “الاتجار بالأشخاص ” الذي فصلته المادة الثالثة من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، كما أن القوانين المصرية متوافقة مع التزامات مصر الدولية في مجال مكافحة جريمة الاتجار في البشر وخاصة القانون رقم 64 لسنة 2010م.
الاتفاقيات والمواثيق الدولية وثيقة الصلة بجرائم الاتجار بالبشر التي انضمت وصدقت عليها مصر: فإدراكاً من الدولة المصرية لخطورة جريمة الاتجار بالبشر وتداعياتها، فقد عملت على بناء منظومة شاملة لمنع ومكافحة الاتجار بالبشر وحماية الضحايا من تداعياتها الخطيرة، وفى هذا الإطار صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003 بشأن الموافقة على انضمام مصر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 297 لسنة 2004 بشأن الموافقة على الانضمام للبروتوكول الإضافي المكمل للاتفاقية والخاص بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو.ووفقاً للمادة 151 من دستور عام 1971م – الذي كان معمولاً به وقت الانضمام للاتفاقية والبروتوكول – تكون للمعاهدات الدولية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة.
كما أكد دستور 2014 على أن الدولة تلتزم بكافة المواثيق والمعاهدات الدولية التى صدقت عليها في مجال مكافحة جريمة الاتجار بالبشر بإعتبارها في مصاف التشريعات الملزمة وفقاً للمادة 93 من الدستور المصري. وشاركت مصر المجتمع الدولي في جهوده لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر فقد قامت بالتصديق والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق والصكوك والبروتوكولات الدولية المشتملة على أحكام وتدابير ذات صلة بمكافحة استغلال الأشخاص وبخاصة النساء والأطفال وقد أصبحت تلك الاتفاقيات الدولية جزءاً من القوانين الوطنية المطبقة في مصر وتلتزم السلطات المعنية – قانوناً – في الدولة بتطبيق وإنفاذ الأحكام الواردة فيها.
خاتمة
تشكل جرائم الاتجار بالبشر خطراً وتهديداً حقيقياً لأمن المجتمعات واستقرارها، كما تعتبر حجر عثرة في سبيل تقدمها، إضافة إلى تأثيراتها السلبية على بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلاً عن كونها تشكل تحدياً حقيقياً لأجهزة الأمن بكافة دول العالم، الأمر الذي دعا المجتمع الدولي إلى مواجهتها والتصدي لها بإبرام الاتفاقيات والمواثيق التي انصبت على محاربة الرق والاستعباد، كونه يُشكل أحد علل العالم الأكثر خزياً، وانتهاكاً دون رحمة لحقوق الإنسان والمتاجرة بحياة البشر وبيعها واستغلالها، باعتباره نموذجاً للجريمة المنظمة العابرة للحدود عبر الوطنية، ومن المؤسف إنه لا توجد دولة محصنة من تلك الجرائم الإنسانية، التي تتخطى الحدود في أشكال شتى، فى الوقت نفسه لاتتوفر الإحصائيات والمعلومات الدقيقة حول الحجم الفعلي والأبعاد المختلفة للاتجار بالبشر
لاسيما بالنساء والأطفال، ولا يوجد اتفاق حول الحد الأدنى من التقديرات أو البيانات أو المؤشرات لحجم كل شكل من أشكال الاتجار وتوزيعه الجغرافي وهي بيانات تعد ضرورية لمناهضة الجريمة التي لا يمكن وصفها بتعبير” ظاهرة” بدون تحديد حجمها الفعلي، ويعد تطلع الضحايا دائماً إلى الجانب المادي السريع والكبيرمن أكبر الدوافع التي تلقي بهم إلى هذا المصير السيئ، والذي تستغله عصابات الجريمة المنظمة، إضافة إلى الظروف الأخرى الناجمة عن الفقرُ والبطالةُ والنزاعات المُسَلَّحة بين الجماعات البشرية، وكذلك الكوارث الطبيعيَّة؛ والتفكك الأسري وكذلك الزيادة السكانية، والعشوائيات، والعولمة والأنترنت والبيئة الثقافية الداعمة لاستغلال البشر
وخاصة الفئات المستضعفة واعتبارهم سلعة مدرة للدخل، وتتعدد الانعكاسات والمخاطر التي يتعرض لها ضحايا الإتجار بالبشر لتشمل الانعكاسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والصحية، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى فقد أرواح الضحايا، ممثلة خرقاً للعديد من القوانين مثل قوانين الهجرة وقوانين العمل وتتداخل معها جرائم أخرى مثل النصب والتدليس والتزوير والرشوة والتهريب والاغتصاب، ومن ثم فهي ليست جريمة عادية ولكنها جريمة تحمل بين طياتها وتأتي من ورائها العديد من الجرائم الأخرى، تاركة سلوكاً إجرامياً لاإنسانياً. ومن جانب آخر يعد من الأهداف التي تتوخاها الاتفاقيات الدولية الجامعة المقننة للجرائم الدولية توحيد القواعد الجنائية التي تضمنتها بين الدول الأطراف ووضع الجزاءات على مخالفة أحكامها، وذلك عن طريق التشريعات الداخلية لتلك الدول، حيث تصدت إلى ما يقرب من أثنين وثمانين أداة دولية بطريق مباشر أو غير مباشر للرق وتجارة الرقيق والممارسات الشبيهة بالرق والعمل القسري … إلخ، وعلى الصعيد الوطني ركز الدستور المصري الجديد2014م على حماية حقوق الإنسان بكافة أشكالها، فضلاً عن تصدي المشرع المصري لجرائم الإتجار بالبشر،
وذلك اتساقاً مع الاتجاهات الدولية المعاصرة من خلال منظومة تشريعية وتنظيمية، بغرض محاصرة هذه الظاهرة وملاحقة مرتكبيها وتقديم أوجه المساعدة لضحاياها، كما حرصت الدولة على إنشاء عدد من الآليات النشطة وتطبيق حزمة من القوانين الصارمة متمثلة في القانون رقم (64) لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر ولائحته التنفيذية في ضوء الاتفاقيات الدولية ذات الصلة،
والذي وسع من نطاق جرائم الإتجار بالبشر سواء ارتكبت عبر الحدود أو داخل الدولة، بالإضافة إلى تواصل الجهات الحكوميَّة المصرية بالتعاون مع جهات إنفاذ القانـون على زيادة جهودها للتصدي لتلك الجرائم، وذلك وفقاً لخطة عمل لمُكَافحة جرائم الإتجار بالبشر.