الإكراه المادي هو قوة مادية تمارس على الفاعل مباشرة، فتشل إرادته و تفقده حرية الاختيار, فلا يستطيع مقاومتها فيقوم بالجريمة وكأنه آلة مسخرة بواسطته . و مثال الإكراه المادي : إمساك يد شخص ووضع إبهامه بالقوة على صك مزور, أو وضع الشاهد في غرفة وإغلاقها عليه لمنعه من الذهاب إلى المحكمة ساعة انعقادها والإدلاء بشهادته
حرص المشرع في المجتمعات القديمة و الحديثة على تحقيق الأمن و الطمأنينة، و حماية حقوق الأفراد، بتقنين قانون العقوبات الذي ينص على الجرائم و العقوبات المتعلقة بها.
إلا أنه قد يحدث توافر الصفة الإجرامية في السلوك الواقع و انطباق الشروط التي يتطلبها القانون لاعتبار الفعل جريمة جزائية.
و مع ذلك فإن القانون لا يعاقب على حالات تكون فيها الإدارة منعدمة أو معيبة و هذا ما نصت عليه أغلب التشريعات القديمة و الحديثة.
إذا فإن العقوبة لا توقع على من كانت إرادته معيبة لأي تأثير أو سبب لا بد له بها أو كان غير مدرك لما يقوم به نتيجة تأثيرات خارجية أيضا لا بد له بها.
و أن الإدراك و الإرادة يعتبران ركنين أساسيين لما يقوم به الإنسان من أفعال سواء كانت عن قصد أو غير قصد.
فإذا شاب هذه الإرادة سبب من الأسباب-عند ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل-التي نص عليها المشرع لا يعاقب جزائيا و تنتفي مسؤوليته الجزائية.
و المسؤولية الجزائية : هي الإلزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة.
و أسباب موانع المسؤولية هي : الأسباب التي إذا عرضت لمرتكب الفعل المجرم جعلت إرادته غير معتبرة قانونا و لا يقوم بها الركن المعنوي لأنها تجردها من الإدراك أو الحرية الاختيار أو منهما معا و هما أساس المسؤولية الجزائية.
و من الأسباب التي تمنع نزول العقوبة بحق مرتكب الفعل، الإكراه بنوعيه : المادي، و المعنوي الذي يعمل على شل و سلب حريته في الاختيار أو تضيق هذا الاختيار لحد لا يستطيع عدم تفادي ارتكاب الفعل المجرم .و نظرا لأهمية الإكراه بنوعيه المادي و المعنوي في القانون
و لم تجر أية مقارنات فيما بين التشريعات العربية و الأجنبية لهذا الموضوع، وجدت من المصلحة لهذا القانون أن أقوم بدارسة هذه التشريعات و بين اجتهادات القضاء و الفقه و الوقوف على نقاط التشابه و الاختلاف في هذه التشريعات، و أيضا مع ما يشابهها من حالات في القانون الجنائي. و قد تناولت موضوع الإكراه بنوعيه، كأحد موانع المسؤولية حسب نصوص أغلب التشريعات العربية و بعض الأجنبية و قمت بدراسة موضوع الإكراه، بمنهج علمي موضوعي قوامه الدراسة التاريخية و المقارنة التطبيقية و التحليلية، و لقد اعتمدت في دراستي على النصوص القانونية و لجأت إلى الاستدلال بها، ثم عرضت أراء الفقهاء و الكتاب
و استخلصت الأثار القانونية المنشئة لهذه النصوص التي ألتزمت في تفسيرها تفسيرا منطقيا موضوعيا، و أتبعت في دراستي التسلسل التاريخي، و التطور الذي عالج موضوع الإكراه، ثم تعرضت لماهية الإكراه من تعريف و أنواع و الطبيعة القانونية و شروط و أركان و أساس.
و كذلك قمت بالمقارنة بين نصوص التشريعات العربية و الأجنبية التي تعالج موضوع الإكراه، و وقفت عند نقاط التشابه و الاختلاف، و قمت بالمقارنة بين هذه النصوص و ما جاء بنص الشريعة الإسلامية، و أيضا المقارنة بين نظرية الإكراه و ما تشابه بها من حالات أخرى في القوانين، و هي حالة الضرورة، و حق الدفاع الشرعي، و الإكراه في القانون المدني و قد توصلت إلى نتائج منها : الإكراه بشكل عام هو : ضغط على الشخص يولد في نفسه رهبه تحمله على ارتكاب فعل أو إمتاع عن فعل، و الإكراه في الفقه الإسلامي هو حمل الغير على ما لا يرضاه.
و أن الإكراه، نوعان مادي، و معنوي، فالإكراه المادي : هو الذي يجعل المكره بيد المكره أداة أو عبارة عن وسيلة لتنفيذ الفعل و يقع على جسم الشخص و يعدم الإرادة و يعدم الاختيار عنده، و لا مسؤولية جنائية أو مدنية (تعويض(على المكره في هذه الحالة .و الإكراه المعنوي : هو تهديد يقع من المكره على المكره يعيب الإرادة و يضيق من الاختيار لدرجة كبيرة أو قريبة من الانعدام و لا مسؤولية جنائية على الشخص المكره و إنما يترتب مسؤولية مدنية عليه)تعويض(.
أما الإكراه في الشريعة الإسلامية فقد قسمت الإكراه إلى إكراه ملجئ و هو يعدم الإرادة و يفسد الاختيار و هو ما خيف به تلف النفس أو عضو و يقابل الإكراه المادي في القوانين الوضعية .و الإكراه غير الملجئ و هو يعدم الرضا و لا يفسد الاختيار و هو ما لا يخاف به من التلف عادة كالحبس و هو يقابل الإكراه المعنوي في القوانين الوضعية.
و توصلت إلى أنه يشترط لقيام حالة الإكراه عدم مشروعية الإكراه، و يبعث الرهبة في نفس المكره، و أن يكون الخطر حالا أو محدقا أي وشيك الوقوع، و أن لا يكون في قدرة المكره دفع الخطر و تلافيه بسهولة.
و وجدت بالمقارنة أن جميع القوانين الوضعية اعتبرت حالة الإكراه مانعا من موانع العقاب باستثناء القانون السوداني و المغربي فقد اعتبرا سببا من أسباب الإباحة.
و أن جميع القوانين الوضعية ترفع العقوبة ولا تبيح الفعل و لجميع الجرائم باستثناء الأردني و السوداني، أما الشريعة الإسلامية فتختلف حسب ما يلي : 1-بعض الجرائم ليس لحالة الإكراه تأثيرا عليها كالقتل.
2-بعض الجرائم يعتبر الإكراه مبيحا لها.
3-بعض الجرائم يعتبر الإكراه مانعا للعقاب بها.
و وجدت بالمقارنة بين الإكراه و حالة الضرورة أن المكره في حالة الإكراه يفقد حرية الاختيار بينما في حالة الضرورة يبقى مالكا حرية الاختيار و لكنها منقوصة، و في حالة الإكراه يحدد السلوك المطلوب من المكره بينما في حالة الضرورة لا يحدد السلوك المطلوب منه.
و بالمقارنة مع حق الدفاع الشرعي، فإن حالة الإكراه تعتبر إحدى موانع العقاب و تقتصر على المكره و لا تسري على المساهمين، أما حق الدفاع الشرعي فإنه حق يمارسه من وقع عليه الاعتداء و يمتد إلى المساهمين و المشاركين.
و هو حق عام مقرر للكافة و أنه لا توجد مسؤولية مدنية (تعويض) في حالة ممارسة حق الدفاع الشرعي، و لكنه تتوجب المسؤولية المدنية في حالة الإكراه و خاصة الإكراه المعنوي و بالمقارنة مع الإكراه في القانون المدني وجدت أن الإكراه الجنائي يكون جريمة جنائية أما الإكراه المدني فهو يكون التزام قابل للأبطال أو قيام حقوق مدنية.
و توصلت إلى أن أفضل النصوص القانونية في التشريعات العربية و التي تحدثت عن حالة الإكراه هي نص القانون السوداني و الأردني.
لأنها نصوص لا تبيح القتل بحالة الإكراه، باعتبار حق الحياة أقدس حق للإنسان يحميه المجتمع، و أنهما تمشيا مع الشريعة الإسلامية و الحديث الشريف (الضرر لا يزال بالضرر)، و أن هذه النصوص أكثر شمولية من بقية النصوص فيما يتعلق بالشروط و محل الإكراه، و في ختام بحثي، أمل من المشرع العربي أن يصل إلى قانون عقوبات موحد يتضمن النصوص التي تعالج الإكراه بنوعيه المادي و المعنوي و أن تكون هذه النصوص أشمل و أعم من النصوص الحالية.
و أن تكون مستمدة من الشريعة الإسلامية مع الأخذ بآراء الفقهاء لمواكبة تطور المجتمعات الحالية و التقدم الحضاري الذي تشهده المجتمعات الحالية.
و قد استندت في دراستي على قائمة من المراجع اللصيقة بموضوع الإكراه من فقهاء و كتاب و كذلك من قرارات المحاكم و قد أوردت ملحقا بقرارات محكمة التمييز الأردنية المتعلقة بالإكراه منذ عام 1965 إلى1995. الإكراه إما أن يكون إكراهاً مادياً او إكراه معنوياً . ويقصد بالإكراه المادي هو القوة الخارجية التي تسيطر على إرادة الشخص فتلغي حريته في الاختيار .
أما الإكراه المعنوي فأنه يتمثل في ضغط يمارسه شخص على نفسية وشعور الآخر بحيث يفسد حريته في الاختيار فلا يمارسها بالشكل الطبيعي ، ولكنه لا يلغيها بشكل كلي كما هو في الاكراه المادي.
ويعد الإكراه سواء بنوعية من عيوب الارادة التي من شأنها ان تمنع المسؤولية الجنائية لمرتكب الجريمة تحت تأثير. وتتفق حالة الضرورة مع الإكراه و التي تدفع الشخص القيام بسلوك يتم تجريمه بموجب نصوص القانون حفاظاً على نفسه وماله أو نفس الغير اول مال الغير ولم يكن لإرادته دخل في هذا الخطر أن كليهما مانع من موانع المسؤولية بينما يتميز الاكراه عن حالة الضرورة في أن فعل الإكراه يقوم به إنسان يمارسه على آخر.
وقد حدد القانون على سبيل الخصر بنصوص محددة شروط كل حالة وأهمية توافرها لإسباغ التوصيف الدقيق عليها. ففي جميع الحالات تتكفل نصوص القانون بتحديد حالة كل حالة على حدى وتحدد نتائج ما ينطبق عليها من توصيفات وبالتالي نوعية الحكم القانوني الواجب، بحيث يراعي شروط كل حالة على حدى.