كانت الهجرة من مكة إلى المدينة بمثابة الحدث الأكبر بعد البعثة النبوية فكلاهما كان تحولًا في تاريخ البشرية ما زالت تداعياته الطيبة تتتابع وسوف تظل إلى أن تقوم الساعة.
فإذا كانت البعثة النبوية هي خاتمة حديث السماء إلى الأرض. فإن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت انطلاقًا للدعوة الإسلامية من حصارها إلى العالم أجمع .فانتهت إلى الأبد فكرة القضاء على النور الجديد من خلال حصاره بمكة حتى يموت واينتهي إلى الأبد. وقد حدثنا القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في قوله تعالى:” اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني “وهذه بشارة ستظل إلى يوم القيامة وقد نزلت هذه الآية يوم عرفة في يوم الجمعة ذلك اليوم الذي القى فيه رسولنا صلوات الله وسلامه عليه خطبة الوداع أودع فيها وصيته لأمته ودعاهم إلى تبليغها لبعضهم البعض إلى أن تقوم الساعة
وقد شاءت إرادة الله سبحانه أن يخلص البشرية من تصور التمايز بين الناس من خلال العرق أو اللون أو الجنس فكلكم لادم وآدم من تراب ” لذا فقد جعل البعثة النبوية في مكة بين أقارب الرسول صلوات الله وسلامه عليه وجعل نصرته ونصرة الدين الذي جاء به من أهل المدينة أي من غير أقاربه فجعل المولى سبحانه القرابة قرابة دين لا علاقة باللون أو الجنس أو العرق فالدين يخص كل مسلم لا يحتكره أحد ووراثة النبوة لمن ينال من العلم ما يليق به أن يكون من ورثة الأنبياء ” العلماء ورثة الأنبياء،” . كما جعل العدالة من خلال قيم هذا الدين وقواعده – لأول مرة عدالة مجردة بين الجنس البشري في أخوة إنسانية جديدة على أبناء آدم لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وهو ما كان في صحيفة المدينة التي تمثل أول دستور تنشأ على أساسه دوله والطبيعي أن تقوم الدولة ثم يضع أبناؤها الدستور وهو ما لم يحدث في دولة المدينة التي بدأت بدستور يتضمن حقوقا وواجبات للجميع لم تر البشرية نموذجه قبل ذلك .
ثم كانت الهجرة بمثابة نهاية لزمن له رجاله سواء في مكة أو المدينة وبداية لزمن له رجاله أيضا الذين يقومون على مبادئ جديدة غير التي كان يسود على أساسها رجال الزمن البائد . إذن فإن هجرة النبي من مكة إلى المدينة نهاية وبداية لتغير عالمي زلزل البشرية في زمن قياسى حتى اعتدل ميزانها الخلقي والسلوكي والقيمي وهو ما نأمل أن يتحقق مرة أخرى بعد أن عاد العالم متخليًا عن قيم من شأنها إصلاح الجنس البشري وحماية مسيرته.