اتصلت بي إحدى تلميذاتي ، وكانت على عجلة من أمرها على غير طبيعتها الهادئة وقالت :” أنا في مركز الشرطة وقابلت سيدة متزوجة وأم لـ 3 أطفال وتهدد بالانتحار ، ماذا أفعل ؟!”. وعندما سألتها عن السبب ، أجابت بأن السيدة تقول أن زوجها مدمن مخدرات ولا يعمل ،ويضربها هي وأولادها ، ويهددهم بالقتل ، ويهدأ مؤقتا بعد تناول المخدر. قامت تلميذتي النجيبة بتهدئتها وبثت روح الأمل فيها بعد ان حذرتها من عقوبة جريمة الانتحار في الآخرة.
قبلها بأيام تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل جرائم متعددة يرتكبها مدمني المخدرات منها : شاب يافع يضرب والديه المسنيين للحصول على ثمن المخدرات من المعاش الذي يقتاتون به ، وشاب يقتل صديقه طعنا بالسكين بعد غياب عقله عقب جلسة سكر بمنطقة مهجورة بمخدر رخيص الثمن متداول بكثرة بين المراهقين . وخبر خطير يكشف عن عورات إجتماعية وخلل في قيم المجتمع وهو أن زوجا يتغاضى عن علاقة محرمة بين زوجته وصديقه لأن هذا الصديق يوفر لهم المخدرات ، وانتهت حياة هذا الزوج الديوث بقتله على يد الزوجة والصديق حتى يخلو لهما الجو ويمارسان الحرام بكل أشكاله حتى تم كشف الجريمة وكانت العقوبة حبل المشنقة. وجريمة بشعة لشاب قتل أمه ذبحا تحت تأثير المخدرات وفصل رأسها عن جسدها ورمى كل جزء في مكان بعيد عن الآخر. ما ذكرته مجرد أمثله بسيطة جدا لأن الجرائم التي ترتكب بسبب المخدرات يقدرعددها بالملايين وتحتاج مجلدات لرصدها.
والأثار المدمرة للمخدرات يمكن لأي أحد مشاهدتها في شوارع ومناطق معينة في مدن مصر وامتد الخطر إلى القرى. وأصبح بيع وتداول وشراء المواد المخدرة علني في اماكن معروفة في الأحياء والمدن والقرى، وتحولت عصابات إدخال المخدرات الى مصر وترويجها خاصة بين الشباب والمراهقين الى مافيا تساندها أجهزة سرية للدول المعادية لمصر والعرب والمسلمين ، ويعاونها عناصر محلية من ذوي الأطماع والذمم الخربة ،ويشارك في تأمين تداول المود المخدرة البلطجية والمجرمين ، وبالتالي اصبح البيع والشراء علنا في غالب الأحوال ولا يقدر الأهالي على مواجهتهم .
وقد سمعنا بنفسي بعض أئمة المساجد يتحدثون عن المنابر عن خطورة انتشار المخدرات ،ويذكرون أماكن بيعها في مدنهم وقراهم وكأانه بلاغ للأهالي وكل أولي الأمر بسرعة التحرك لوقف هذا الوباء ( وباء المخدرات ) الذي يفوق في خطورته وأثاره التدميرية كل الأسلحة العسكرية الفتاكة .
وسوق المخدرات تتحكم فيه وتديره مافيا عالمية وتشارك فيها شركات عملاقة متعددة الجنسيات ، وتصنع وتتاجر في مئات من أنواع المخدرات المصنعة . وذكر تقرير المخدرات العالمى الصادر عام ٢٠١٨ أنه خلال الفترة من ٢٠٠٩-٢٠١٧، تم اكتشاف نحو ٨٠٣ مادة من المخدرات المصنعة.
وبالنسبة لمصر يقول خبراء مكافحة الادمان أن أنواع جديدة من المخدرات دخلت السوق المصري يتجاوز عددها الـ 50 نوعا بالإضافة للمخدرات التقليدية المتداولة من عشرات السنين وهي الحشيش والافيون والترامادول والبانجو والتامول والهيرويين . وذكرت دراسة نشرتها مستشفى الأمل للطب النفسي وعلاج الإدمان أنه انتشر في مصر أنواع جديدة من المخدرات بعضها يسبب الإدمان من أول مرة، والبعض الآخر له تأثيرات بالغة الخطورة على الجسم، وأبرزها الكريستال ميث او الشبو، وهو يشبه البلورات الزجاجية شفافة اللون، ويُصنع من الأمفيتامين وهو مادة منشطة شديدة الخطورة، ويتم تعاطيه بطرق عدة أبرزها التدخين أو الاستنشاق أو البلع إضافة إلى الحقن. ويصنف على أنه أحد أخطر أنواع المخدرات لتسببه في العديد من الأضرار أبرزها الانتحار وتلف خلايا المخ، وهو سريع الإدمان ويخلق الجسم اعتمادًا كبيرًا عليه بعد فترة قصيرة من التعاطي.
ويصنع هذا النوع من الخدرات محليا وبالتالي يصبح رخيص الثمن مما يزيد من سرعة انتشاره لدرجة أنه يطلق عليه مسمى ” مخدر الشوارع ”. ويصفه الدكتور عبدالرحمن حماد، المدير السابق ومؤسس وحدة الإدمان بمستشفى العباسيةأن الشبو هو أحد أخطر أنواع المخدرات المصنعة.
ومخدر الفلاكا وهو أحد أخطر أنواع المخدرات في مصر ويطلق عليه مخدر الزومبي، لأن الشخص تصدر عنه حركات جسدية وسلوكية غير مألوفة، وهو سهل الانتشار لرخص ثمنه وقوة مفعولة مقارنة بأنواع المخدرات الصناعية الأخرى . من أبرز أضرار الفلاكا أنه يسبب الهلوسة، ويضعف العضلات، كما يؤدي إلى تلف الكلى، ويتحول المتعاطي إلى شخص عدواني يميل إلى إيذاء الآخرين.
والحل يبدأ بالإعلان رسميا أن المخدرات تضر بالامن القومي المصري ، ثم دعم أجهزة مكافحة المخدرات وتشديد اجراءات الرقابة على الحدود وجميع المنافذ . ويتواكب مع ذلك حملة توعية شاملة ومكثفة بأضرار المخدرات تشارك فيها الأسرة والمدرسة والجامعة والمساجد وكل دور العبادة ووسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي ، والأحزاب والجمعيات الخيرية . وتشارك في دعم الحملة المؤسسات الإقتصادية والغرف التجارية ورجال الأعمال.
وهناك بوادر ايجابية يمكن البناء عليها تتمثل في الاحصائيات التي كشفها الدكتور عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي أمام لجنة برلمانية في يونيو عام 2021 والتي تشير الى نجاج جهود المكافحة في خفض نسب التعاطي للمخدرات . وقال عثمان أنه خلال شهر مارس عام 2019، كانت نسبة 8% من العاملين في الجهاز الإداري للدولة يتعاطون المخدرات، وانخفضت النسبة عام 2021 إلي 2%..وايضا انخفاض نسبة تعاطي المخدرات بين سائقي الحافلات المدرسية بعد القيام بحملات مكثفة من 12% عام 2017 إلي 1.8%، عام 2021.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد .
Aboalaa_n@yahoo.com