تحتوي الحياة على تنوعات بيولوجية هائلة ومذهلة، إلا أن تلك التنوعات تتوزع بشكل متباين على شجرة الحياة، فمنها ما هو وافر الانتشار، ومنها المهدد بالانقراض. وتعتبر السلاحف من أكثر الحيوانات المعرضة للخطر على الأرض، إذ إن 60% منها مهدد بالانقراض، ولذا فإن العلماء يبحثون دائما في تاريخ تطوّر الكائنات الحية، والكيفية التي تتوزع بها المجموعات المختلفة في شجرة الحياة.
واهتمت بهذا الموضوع دراسة حديثة نشرت في دورية “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” “بي إن إيه إس” (PNAS) يوم 9 فبراير/شباط الحالي، أملا في معرفة التاريخ التطوري لسلالة السلاحف. إذ كشفت الدراسة عن نتائج جديدة وتحديات صعبة تواجهها السلاحف من أجل البقاء. ويقول براد شيفر كبير باحثي الدراسة وعالم الوراثة إن “السلاحف في حالة يرثى لها. إذ لم يعد لدينا الكثير من أنواع السلاحف لنفقده”.
من المعروف أن عدد أنواع السلاحف يبلغ حوالي 360 نوعا، وهو بالطبع رقم ضئيل مقارنة بعدد أنواع البرمائيات التي تتعدى 8200 نوع، أو الثدييات التي يبلغ تعداد أنواعها 6400 والطيور 10 آلاف نوع.
ويعتبر الصيد الجائر للسلاحف من أجل الغذاء أو الطب التقليدي أكبر العوامل المتسببة في وضعها الحالي المهدد بالانقراض. غير أن الدراسة الحالية أشارت إلى أن ارتفاع منسوب مياه البحر بسبب تغير المناخ سيحمل بالغ الأثر على السلاحف في السنوات والعقود القادمة.
ويهدف العلماء دوما في دراستهم البحثية إلى رسم شجرة التطور ذات التفرعات التي تُظهِر العلاقات التطورية بين الكائنات الحية. وتُفيد شجرة التطور في تتبع تاريخ الأنواع وديناميكية تطورها إلى أنواع منفصلة أو انقراضها. وتحليل الحمض النووي لأنواع السلاحف الحية ساعد في تكوين الشجرة التطورية
ويعد توثيق الفترة الزمنية والمدى الذي تخصصت فيه بعض الكائنات أو تطورت إلى أنواع أخرى، أمرا بالغ الأهمية، ذلك لأنه يُمكّن العلماء من فهم الكيفية التي أثرت بها الأحداث الماضية على مستقبل هذه الكائنات. ومن ثم يتمكنون من معرفة الأسباب التي أدت إلى ازدهار بعض الأنواع وانقراض الأخرى. وهو الأمر الذي نجحت فيه هذه الدراسة التي استطاعت رسم أكثر أشكال الأشجار التطورية اكتمالا والتي تختص بمجموعة معينة من الكائنات الحية، وهي عائلة السلاحف.
وفي البداية جمع الباحثون أجزاء الشجرة التطورية للسلاحف بجمع عينات الحمض النووي من مئات الأنواع الحية ومن ثم تحليلها لتحديد أوجه الصلة والاختلاف بين تلك الأنواع. وتلا ذلك تتبع السجلات الأحفورية للسلاحف لمعرفة متى تطورت ومتى انقرضت بعض أنواعها.
وكشفت النتائج أن أنواع السلاحف قد ازدهرت بشكل كبير منذ حوالي 30 مليون سنة حتى وصلت إلى مئات الأنواع، وهو بالمثل ما يشبه الغالبية العظمى من الأنواع الموجودة حاليا.
أسباب تهدد بانقراض السلاحف
وقد ساعدت الشجرة التطورية التي وضعها العلماء على تحديد السبب وراء انخفاض أعداد هذه الأنواع. ويُرجِع السبب إلى “التغير المناخي الكبير بعد أن أصبح العالم باردا وجافا، وهو الحدث الذي عاصر تلك الفترة منذ حوالي 30 إلى 35 مليون سنة”.في تلك الأثناء تجمدت المياه حول القطبين واتسعت رقعة القمم الجليدية، مما تسبب في انخفاض مستوى سطح البحر، ومن ثم كشف الأراضي المنخفضة التي كانت جزءا من الجرف القاري المغمور بالمياه التي تحيط بمعظم القارات.
وبذلك استوطنت السلاحف هذه الأراضي المكشوفة حديثا وبدأت في التكاثر والتمايز كما استطاعت السلاحف في هذه المناطق التطور إلى أنواع جديدة.
ومنذ ذاك الحين، ظل معدل تكاثر السلاحف مستقرا نسبيا على الرغم من العصور الجليدية والتغيرات العالمية الأخرى التي شهدتها الأرض على مدى الدهر.
“غير أنه من المتوقع أن تزول أو تتقلص غالبية هذه الموائل التي تسكنها هذه الأنواع في مئة عام المقبلة إثر ارتفاع مستوى سطح البحر الذي سوف تشهدة مستقبلاً وتعانيه الأرض اليوم بسبب الاحتباس الحراري”. كما أن المناطق الساحلية والضفاف الشاطئية يتم استنزافها بفعل النشاط البشري. وبالتالي فإن بعض الأنواع التي تسكن مثل هذه المناطق -مثل سلحفاة المستنقعات المالحة والسلحفاة مُعَيّنية الظهر- ستصبح مهددة بالانقراض.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم