اليقظة والانتباه مطلوبان في أمور ديننا وأمور دنيانا وسائر جوانب حياتنا، وقديمًا قال شاعرنا العربي طرفة بن العبد يصف ذكاء نفسه وتوقد ذهنه: “خشاش كرأس الحية المتوقد”.
وقد نهانا القرآن الكريم عن الغفلة بكل أنواعها سواء عن أمور ديننا أم عن أمور دنيانا، فقال سبحانه: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” (الأعراف: 205)، وقال سبحانه: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” (الأعراف: 146)، وقال سبحانه: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” (الأعراف: 179).
بل نهانا سبحانه وتعالى عن أن نكون في جانب الغافلين أو نسير خلفهم أو أن نقع في براثنهم، حيث يقول سبحانه لنبينا (صلى الله عليه وسلم): “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” (الكهف: 28)، والخطاب له ولأمته (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم الدين.
وكما حذرنا القرآن الكريم من الغفلة عن أمر ديننا، فقال سبحانه: “وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” (مريم: 39)، ويقول سبحانه: “وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ” (الأنبياء: 97)، فإنه قد حذرنا من الغفلة عن أمور دنيانا، فقال سبحانه: “وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا” (النساء: 102)، و مع أن الآية نزلت في شأن صلاة الخوف فإن المعاني هنا يجب أن تستقى من عموم اللفظ لا من خصوص سبب النزول، فالغفلة عن السلاح والعتاد والمتاع لا تتوقف عند حدود ساعة انطلاق الحرب، إنما تسبق ذلك إلى مراحل الإعداد، فنحن مأمورون بالأخذ بكل أسباب القوة العسكرية، والاقتصادية، والعلمية، والثقافية، والمجتمعية، والأخلاقية، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” (الأنفال: 60)، فقد جاءت كلمة “قوة” نكرة لتفيد العموم والشمول لكل ما يؤدي إلى امتلاك أسباب القوة، ثم جاء قوله تعالى: “ومن رباط الخيل” من باب ذكر الخاص بعد العام تعظيمًا لشأنه ولمزيد الاهتمام به.
فكما نحتاج إلى اليقظة في ساحة القتال ومواجهة الأعداء نحتاج إلى اليقظة وإعداد العدة وعدم الغفلة في سائر جوانب حياتنا العلمية، والثقافية، والاقتصادية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ” (رواه مسلم)، وقوة المؤمن المرادة في هذا الحديث عامة وشاملة لكل مواطن ومواضع القوة.
ومن أهم جوانب اليقظة والتنبه ضرورة التنبه لما يحاك لنا، وللتحديات التي تواجهنا، وللشائعات التي تدعو إلى اليأس والإحباط، حيث يقول الحق سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات: 6).
وزير الأوقاف