فاجأنا الكاتب السورى الصديق فؤاد حمدو الدقس بأحدث إصداراته، ” موسوعة الأعلام فى فجر وضحى الإسلام “، حيث قدم من خلالها مبادرة جريئة لتحديث التراث وتنقيته وتصحيح ماعلق به من خلط وتداخل وأخطاء، وفق منهج علمى منضبط، يتعامل مع ما فى بطون الكتب القديمة على أنه اجتهاد بشرى مقدر، يخضع للنقد والتمحيص، وليس نصا مقدسا .
وقد بذل الأستاذ الدقس جهدا عظيما لكى ينجز هذا العمل الضخم، الذى يمثل ـ بلا شك ـ خدمة جليلة للباحثين والمهتمين بالتراث والعلم والثقافة الإسلامية، تجعل مهمتهم ميسورة، حين يريدون الاطلاع على سيرة أحد هؤلاء الأعلام الذين أرخت لهم الموسوعة، وترجمت لسيرهم بلغة عصرية، فيها المختصر المفيد، دون إفراط ممل، أو اختزال مخل .
ومن دواعى سرورى الشخصى أن صدر هذا السفر البديع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لتأكيد وحدتنا الثقافية العربية، وتكامل الجهود العلمية بين المصريين والسوريين، كما كان عهدنا دائما .
تقع الموسوعة فى 886 صفحة من القطع الكبير، وتضم ثلاثة أبواب : الباب الأول يتناول ” أعلام الدبلوماسية فى العصر النبوى “، وهم السفراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والقياصرة والأكاسرة والأمراء والزعماء والحكام فى أرجاء الأرض، والمبعوثون الذين أرسلهم معلمين ومقرئين وولاة وقضاة وأمناء لتحصيل الزكاة، وقد اعتمد المؤلف فى عرضه لهذه الشخصيات على التسلسل الزمنى .
ويتناول الباب الثانى ” أعلام الصحابيات السابقات إلى الإسلام فى مكة والمدينة “، وينقسم هذا الباب إلى فصلين : الفصل الأول جمع أمهات المؤمنين أزواج النبي، ومعهن بناته صلى الله عليه وسلم، وتم عرض الشخصيات فيه وفق الترتيب الزمنى، وجمع الفصل الثانى أعلام الصحابيات من المهاجرات والأنصاريات، وتم ترتيب عرض سيرتهن حسب حروف الهجاء .
أما الباب الثالث فقد جمع أعلام التابعين وتابعيهم، وينقسم هذا الباب أيضا إلى فصلين : الفصل الأول يضم من أسماهم المؤلف بـ ” المخضرمين ” من التابعين الذين عاشوا فى زمن النبى، وكان لهم ذكر فى سيرته ودعوته دون أن يلتقوا به صلى الله عليه وسلم، كالنجاشى وأبى مسلم الخولانى وأويس القرنى والأحنف بن قيس وغيرهم، ويضم الفصل الثانى أبناء الصحابة والتابعين الذين عاشوا فى زمن النبي وآمنوا برسالته، لكنهم لم يلتقوا به، ومنهم من قدموا المدينة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على فترات مختلفة، ومعهم ملحق لتابعى التابعين، وجاء ترتيب سيرة هؤلاء الأعلام حسب حروف الهجاء .
وخلال هذه الأبواب والفصول يحدثنا المؤلف بأسلوبه الشيق عما أسماه بـ ” الزواج السياسى ” الذى أرساه الرسول الكريم فى دولة الإسلام لتأليف القلوب والقبائل، فذكر زوجاته صلى الله عليه وسلم اللاتى دخل بهن وحظين بهذا الشرف ” أمهات المؤمنين “، وزوجاته اللاتى عقد عليهن ولم يدخل بهن، وظروف كل زواج وما تعلق به، كما عرض لثلاثين من الصحابيات اللاتى ورد لهن ذكر فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة أو كتب السيرة النبوية .
وفى مقدمة الموسوعة عمد المؤلف إلى تفسير وتوضيح المصطلحات التى استخدمها، فذكر أنه يقصد بمصطلح ” فجر الإسلام ” الوارد فى العنوان تلك الفترة التى بدأت من البعثة النبوية حتى قيام الدولة العباسية سنة 132 هجرية، مرورا بالدولة الأموية، بينما تمتد فترة ” ضحى الإسلام ” من المائة سنة الأولى للعصر العباسي حتى سنة 232 هجرية، وبذلك يكون العنوان شاملا الصحابة والتابعين وتابعى التابعين .
و” الصحابى ” حسب تناول المؤلف هو من عاصر النبي والتقى به وآمن برسالته وسانده على الحق ودافع عنه عندما تعرض للأذى من قبل المشركين ومات وهو مسلم، بغض النظر عن الفترة التى مكث فيها مع النبى، أما التابعون فهم الذين حظوا بشرف لقاء صحابة الرسول، وتتلمذوا على أيديهم، ونهلوا من معينهم علما وأدبا وخلقا، ثم يأتى بعدهم تابعو التابعين الذين تعلموا على أيدى تلاميذ الصحابة، ومنهم الفقهاء والعلماء والزهاد، أئمة المدينة المنورة والشام والبصرة والكوفة ومصر وخراسان وسائر بلاد المسلمين، أمثال أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل، والليث بن سعد والأوزاعى وغيرهم .
وقبل أن ندلف إلى المحتوى ينبهنا المؤلف إلى ملاحظتين مهمتين : الأولى أنه لم يستطع الإحاطة بجميع الأعلام على سبيل الحصر، من الصحابة والتابعين وتابعى التابعين، وإنما ذكر ما استطاع وما تيسر له، والثانية أنه سجل بعض الاستدراكات على بعض ما أورده المؤرخون بشأن العديد من الصحابة والصحابيات، وأنه حاول تصحيح بعض الأخطاء التى تناقلوها وعلقت بأذهان الناس، ومنها ـ على سبيل المثال ـ ما كان بشأن زوج السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب ووفاته، حيث ذكر الإمامان ابن عبد البر وابن الأثير أنه شهد غزوة أحد، وتوفى بعدها من جراح أصابته، والواقع أنه توفى بعد بدر ولم يشهد أحدا … وهكذا .
بقيت إشارة مهمة إلى أن المؤلف فؤاد حمدو الدقس كاتب ومؤرخ وناقد من مواليد محافظة حلب بسوريا الشقيقة عام 1959، تعلم فى مدارسها حتى وصل إلى معهد التعليم الشرعى، واستكمل تعليمه فى كلية الشريعة والقانون بالأزهر، وعمل لفترة مدرسا للتربية الإسلامية بثانويات حلب، ثم اتجه إلى البحث والتأليف، وأصدرأكثر من 25 كتابا عن أعلام الإسلام وعلماء المسلمين والقصص القرآنى وغزوات الرسول، وأبطال العرب فى الجاهلية، ونشرت له مقالات وأبحاث فى الأهرام والأخبار والجمهورية وعقيدتى .
تقبل الله منه هذا الجهد المتواصل، وجعله فى ميزان حسناته، ونفع به البلاد والعباد .