زمان قال أديبنا الكبير الراحل يوسف السباعى نحن لا نزرع الشوك ولكن نجنيه.
والآن نستطيع أن نقول وبكل ثقة: نحن لا نزرع الشاى ولكن نشربه.تخيل شعب يرضع أطفاله الشاى من أثداء الأمهات مع اللبن سواء بسواء،ومع ذلك لا يزرع الشاي.
لذا لم أندهش كثيرا عندما عرفت مؤخرا بوجود أزمة فى الشاى بسبب بعض قيود على الاستيراد.
طالما أنك تعتمد على الاستيراد وليس على إنتاج يدك توقع أن تأتيك الأزمة فى أى وقت ومن أى اتجاه.
استفزنى أن زراعة الشاى فى مصر ليست مستحيلة، فقد نشر زميلى العزيز عمرو جلال الصحفى بالأخبار على صفحته على الفيس بوك منذ أيام نصا لتحقيق صحفى للمبدع المميز الزميل كرم سنارة أحد أهم من كتبوا التحقيق الصحفى كما ينبغى.وفى التحقيق كشف كرم رحمه الله فى التحقيق الذى نشره منذ أكثر من عشرين عاما من إحدى مزارع الفيوم إمكانية زراعة الشاى وإنتاجه بكميات كبيرة لكن تم إجبار هؤلاء المزارعين على التوقف عن زراعة الشاى ودفن الأبحاث التى تمت حول طرق زراعة الشاى فى مصر بدعوى أنها مسألة تهدد علاقات مصر بالدول التى يتم استيراد الشاى منها لكن الحقيقة أنها كانت تهدد عقود مافيا استيراد تراب الشاى بملايين الدولارات وحتى اليوم يتم الترويج عمدا أن مصر غير صالحة لزراعة الشاي.
الغريب أن كثيرا من متابعى عمرو هاجموه بشدة على إعادة فتح القضية مؤكدين استحالة زراعة الشاى فى مصر.
المفاجأة أنه كان لدينا ما يسمى بالمشروع القومى لزراعة الشاى فى التسعينيات ونجح ثم توقف.
فأجرى عمرو جلال حوارا مميزا نشر بالأخبار الأسبوع الماضى مع الدكتور مرتضى خاطر رئيس المشروع أكد فيه ان مصر نجحت فى التسعينيات فى زراعة 30 نوعا من الشاى ولكن لسبب مجهول توقف المشروع!
حكاية تهديد علاقة مصر بالدول التى نستورد منها الشاى ذكرتنى بجارة لنا فى قريتنا بالصعيد.كانت رحمها الله مصابة بزهايمر مبكر، لم يكن الزهايمر طبعا معروفا فى ذلك الوقت بنفس الاسم، ولكن جارتنا نسيت اسمها وكل ما يتعلق بحياتها وبدأت تتعامل على أنها شخصية ذات نفوذ ولها علاقات مؤثرة برؤساء العالم كله .وفى ذلك الوقت كانت تحدث فى مصر أزمات اقتصادية عديدة ينتج عنها نقص فى السكر والشاي.
فكانت جارتنا تدعى أنها سوف تتصل بأنديرا غاندى رئيسة وزراء الهند فى ذلك الوقت وتطلب منها ارسال شحنات إضافية من الشاى لسد العجز فى السوق المحلى.
لم يكن الأمر يتوقف عند هذا الحد بل كانت جارتنا الطيبة رحمها الله تخرج علينا فى الشارع وهى تمسك فى يدها كوز قديم تضعه على اذنها وتتظاهر انها تكلم منه انديرا غاندى.
كنا فى ذلك الوقت نتعجب من هذا التصرف ومن عقليتها التى جعلتها تتخيل الكوز تليفونا فى الوقت الذى كان فيه الحصول على مجرد تليفون أرضى ضربا من الخيال لا يتمتع به إلا أصحاب الحظوة والنفوذ.لذا كان الصبية السفهاء منا يطاردون السيدة ويسخرون منها ومن كوزها الذى تطلب منه رؤساء العالم لسد أى عجز فى أى سلعة مستوردة وعلى رأسها الشاي.
ولما كان الشاى لا يصل طبعا كان الصبية يذهبون للتجمهر أمام باب السيدة العجوز يطالبونها بالشاى فتخرج عليهم غاضبة وهى ممسكة بالكوز وتزعق قائلة:أنديرا غاندى لسه قافلة معايا وقالتلى إن المراكب متأخرة أعملكم إيه، ما تروحوا تزرعوه أحسن!!
الطريف أن تلك السيدة الجميلة ولسبب لا أعرفه اختارتنى أنا دونا عن الصبية كلهم وسلمتنى الكوز قبيل وفاتها.غالبا لأنى لم أكن أشارك الأطفال فى سخريتهم منها وكنت ادافع عنها.
لذا عندما حدثت أزمة الشاى مؤخرا وجدت نفسى تلقائيا أبحث فى أشيائى القديمة عن أول موبايل فى التاريخ وأقصد به الكوز القديم باحثا عن رقم انديرا غاندى أو أحد من أقاربها ربما يكون ورث تليفونها، وبعضا من نفوذها، لمناشدته إرسال بعض من الشاى لكنى مع الأسف ولسبب لا أعلمه أيضا اكتشفت أن جارتنا قد مسحت من عليه كل الأرقام!!