أن استقرار التاريخ ، واستنطاق وقائعه وأحداثه دلنا على أن سمو الهدف وشرف الغاية لهما وزن كبير فى التعاون والتساند ، واستهانة الفرد بحياته ؛ فكل دعوة من الدعوات قامت على هدف كريم وغاية نبيلة ، وتماسك قوى كتب لها النصر والانتشار ؛ والأنا أو (حب الذات) خلق يتجلى فى كل تصرف من تصرفاتنا ، أو مسلك من مسالكنا ؛ فتظهر فى كتابة الكاتب ، وتدور على لسان المحدث ، ويتسم بها كل عمل من أعمالنا ، ويرد بعض الاجتماعيين هذا الخلق إلى أثر طبيعة العربى الذى تقوى فيه نزعة التفرد ، أو روح التعصب للقبيلة ، تلك الروح التى كانت تطل برأسها بين آن وآخر فتثير الفتن والقلاقل وتؤلب القبائل والبطون . ولكن هذا الخلق عاد ففشا فينا ، وعدنا إلى حمية الجاهلية الأولى ؛ فالفرد يضع مصلحته فوق كل مصلحة ، تلمس ذلك فى خلق التاجر والموظف والعامل وصاحب العمل وفى الرئيس قبل المرءوس ، وتحسه فى المجتمع ، فالقوى يتغلب على الضعيف ويأخذ حقه من غير أن يردعه رادع ، والظالم يعتدى على المظلوم المغلوب على أمره ، والعامل مهضوم الحق ، والأجير مقتر عليه فى الرزق ، والفقير لا يرعى والمسكين يداس . مثل هذا المجتمع المتخلخل لن يتماسك إلا إذا جعل كل حاكم شعاره قول أبى بكر الصديق ( أيها الناس : قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينونى ، وإن أسأت فقومونى ؛ الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم عندى حتى آخذ له حقه ، والقوى ضعيف عندى حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى ) . فالغنى ينزل عن بعض ماله ، ويتخلى عن شىء من رفاهيته ليطعم جائع ، ويعيش إنسان ، والحاكم يضحى براحته ولذاذاته ليقيم العدل بين الناس ، ويمشى بينهم بالسوية ، والمعلم يسعى جهده ليدفع عن الشعب غائلة الجهل ، ويزيل غشاوة الأمية ، ويهديه سواء السبيل ( فالعلماء ورثة الأنبياء ) . والوالد يبذل قصاراه فى تربية أبنائه ؛ فيضحى براحته وهناءته وملذاته ليشعروا بالأبوة الصادقة ، ويحسوا بأن أقرب الناس إليهم يعنى بأمرهم ، ويرعى شئونهم ، ويأسى لأساهم وينشرح صدره لنجاحهم فى الحياة . والطبيب يغلب جانب الإنسانية فيطب للفقير كما يعنى بالقادر ، ويأسو جراح الكروب كما يمسح برفق علة الميسور . والتاجر يرقب الله فى ربحه ، فلا يغالى ولا يداجى حتى يكون ماله حلالا ، ولا ينتهز فرص الغلاء وشح السلع فى الأسواق ، فيزيد النار ضراماً والغلاء اشتعالا ؛ حباً فى الثراء العريض والمال الوفير فى غير رحمة بالفقير أو تخفيف عن مسكين ذى مسغبة أو يتيم ذى متربة . ولكن كيف نتحلى بفضيلة الإيثار وقد تظاهرت علينا طبيعة العصر ووراثة الجنس وثعلبة الغاصب ، وركام من الأحقاد ، ورواسب غرائز السيطرة والتملك وحب الذات ؟ وإلى جانب القوانين الرادعة نعمل على رفع مستوى العيش للطبقات الكادحة ، وتخفيف موجة الغلاء ، ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وعلى المشاركة الوجدانية ومحبة الخير لبنى الإنسان .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com