شهدت الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، فى ظل حالة من الاستقطاب الشرس بين الحزبين المتنافسين، الجمهورى والديمقراطى، حيث سعى كل منهما إلى تحقيق الأغلبية فى أحد المجلسين، أو كليهما، ليكون صاحب الكلمة الأمضى فى تشريع القوانين وتوجيه السياسات الداخلية والخارجية، والأكثر تأهلا للفوز فى الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024 .
وقد ازداد الاستقطاب حدة بعد أن برز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى الحملات الانتخابية للمرشحين الجمهوريين بالولايات، وكشف صراحة عن نيته لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، بينما كان الرئيس جو بايدن والرئيس الأسبق باراك أوباما حاضرين بقوة فى الحملات الانتخابية لدعم المرشحين الديمقراطيين، الأمر الذى أعطى انطباعا بأن الانتخابات تحولت إلى ثأر شخصى وسياسى بين بايدن وترامب، وقد بالغ كلا الرجلين فى تحذير الناخبين من الآخر، والتركيزعلى سوءاته وسلبياته .
ورغم انخفاض شعبية الرئيس بايدن بسبب ارتفاع معدلات التضخم إلى 8% وزيادة أسعار المواد الغذائية والوقود، خاصة غاز الدفئة، فإن الجمهوريين لم يححقوا الفوز الساحق الذى توقعته استطلاعات الرأى، وعبرت عنه بـأنه سيكون ” موجة حمراء كاسحة فى الكونجرس بمجلسيه ” .
وتوضح النتائج المعلنة حتى الآن أن الخسائر بالنسبة للديمقراطيين لم تكن فادحة، وأنهم فازوا بالعديد من سباقات مجلس الشيوخ، وخسائرهم فى مجلس النواب مازالت منخفضة للغاية، لدرجة أنه حتى لو سيطر عليه الجمهوريون فلن تكون لهم الأغلبية المؤكدة التى أرادوها .
لكن الرسالة الأهم التى صدرت عن المعركة الانتخابية تقول للأمريكيين إن تيار ترامب ليس بالقوة التى لا تقهر، وأن مزاج الناخبين نأى عن مرشحى هذا التيار من الترامبيين، الذين يدعون لإحياء الشعبوية القومية وكراهية الأجانب وازدراء القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ماشجع بايدن، البالغ من العمر 80 عاما، على إظهار مزيد من التحدى، وإعلان نيته لخوض انتخابات 2024 الرئاسية، لكنه قال إنه سيؤكد ذلك فى مطلع العام المقبل .
وتشير البيانات الأولية للانتخابات إلى أن نسبة الإقبال على التصويت كانت فى أعلى مستوياتها، ويرجع ذلك إلى وجود جيل جديد من الناخبين يحمل شعارات تدعو لإنقاذ أمريكا من شبح ترامب، ولم يكن الاقتصاد قضيته الأولى بقدر اهتمامه بقضايا أخرى مثل التوظيف وبناء المصانع والشركات وقوانين حماية العاملين من الطرد من أعمالهم، والرعاية الصحية والسكن، وحقوق المثليين، وحق المرأة فى الإجهاض، خصوصا بعد أن أصدرت المحكمة العليا حكما بإلغاء هذا الحق الدستورى .
ويقول محللون أمريكيون إن هذه الانتخابات كانت استفتاء شخصيا على دونالد ترامب، وبالذات من جانب المهاجرين والأقليات العرقية والدينية، ومنهم العرب والمسلمون، الذين ينتمى جانب مهم منهم للحزب الجمهورى، لكنهم يتحمسوا للتصويت له خشية صعود ترامب وتياره مرة أخرى، فيجدد معاناتهم والتضييق عليهم، ويلحق بهم مزيدا من الأضرار، رغم أنهم يتفقون مع الأفكار العامة للجمهوريين المحافظين، مثل رفضهم لحق الإجهاض .
ولم ينس هؤلاء الناخبون لترامب وأعوانه دعمهم للمتطرفين الليكوديين فى إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو فى ضم القدس والجولان، وتشجيع الاستيطان، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطينى، والتراجع عن حل الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة التى تمسكت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة .
وقد لعب العرب والمسلمون دورا مهما فى المساعدة على تحديد نتيجة الانتخابات، وتعزيز مقاعد الكونجرس التى يسيطرون عليها، مع توسيع دور مجتمعهم فى مكاتب الولايات والبلديات المحلية، ورغم ذلك فقد خسر بعض المرشحين المسلمين على قوائم الحزب الجمهورى تأثرا بفوبيا الخوف من ترامب، ومن ألمع هؤلاء الخاسرين د. محمد أوزـ التركى الأصل ـ المرشح لمجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا .
وهناك مرشحون آخرون على قوائم الجمهوريين والديمقراطيين ينتمون لجذور عربية وإسلامية، ففى ولاية كاليفورنيا هناك المرشح الجمهورى داريل عيسى، والمرشحة الديمقراطية ” آنا إيشو “، وهى مسيحية آشورية تسعى لإعادة انتخابها فى الدائرة السادسة عشرة الجديدة، وفى ميتشجان ـ التى تضم ثانى أكبر تجمع للأمريكيين العرب ـ تسعى عضوة الكونجرس الديمقرطية رشيدة طليب إلى الاحتفاظ بمقعدها ، بينما ينافس العبس فرحات فى الدائرة الثالثة، وغسان طراف فى الدائرة الرابعة، وبلال حمود فى الدائرة 15،وإبراهيم عياش فى الدائرة التاسعة وعائشة فاروقى فى الدائرة 25 .