النجاحات الكبيرة التي حققتها مصر مع قمة المناخ تفسح المجال أمام احلام كبيرة ونحو طموحات أكبر لإحياء كثير من المشروعات الحيوية وإعادة بث الروح بجدية لأفكار خلاقة ومبدعة لاستثمار الإمكانات الطبيعية المتاحة ودعم المشروعات الحيوية سواء في الصناعات الصغيرة التى يمكن أن تتطور لتصبح مشاريع قومية كبرى بالفعل.
يتصدر تلك الأفكار مشروع التشجير.وهو بالفعل فكرة عبقرية ليست بالحديثة ولكن لم تأخذ حظها بالرعاية الواجبة تعاملنا معها من باب الترف والرفاهية وحرية الاختيار أو بسوء اختيار عندما كانت الرغبة في التنفذ جادة.
مؤتمر المناخ وانعقاده على أرض مصر أعطى قبلة الحياة للافكار القائمة أو المستندة إلى مشروع التشجير بل أنه حظي بدفعات قوية نأمل أن تستمر بقوة الدفع الحالية قبيل المؤتمر مثل المبادرة الرئاسية مائة مليون شجرة وتحظى برعاية خاصة من الرئيس
عبدالفتاح السيسي في إطار جهود الدولة في ملف المناخ.
وهي مبادرة واضحة الأهداف ومعلنة بوضوح محددة الأدوار الأطراف المشاركة في تنفيذها.
الاهداف تتركز كما قالت د.ياسمين فؤاد وزيرة البيئة في مضاعفة نصيب الفرد من المساحات الخضراء على مستوى الجمهورية وتحسين نوعية الهواء وخفض غازات الاحتباس الحراري وتحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى من الأشجار وتحسين الصحة العامة للمواطنين إلى جانب العوائد الاقتصادية الكبيرة بعد تنفيذ المبادرة التي تتلخص في زراعة نوعيات من الأشجار ذات عائد اقتصادي سواء أشجار مثمرة مثل الزيتون أو أشجار خشبية أوأخرى ذات عائد اقتصادي إلى جانب امتصاص الملوثات والأدخنة وخفض انبعاثات الاحتباس الحراري وتحسين نوعية الهواء مما ينعكس إيجابا على الصحة العامة للمواطنين.
وتضمنت المبادرة تحديد الأدوار والمهام المكلف بها مختلف الوزارات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص كما تطرقت لمعايير تحديد أنواع وأحجام الأشجار المستخدمة من حيث احتياجها للمياه وسهولة رعايتها وقدرتها على امتصاص الملوثات وغيرها.
مصر تشهد نهضة حقيقية في مجال الطرق بمختلف المحافظات وطفرة اكبر في العناية بالترع والمصارف المائية وتوسع غير مسبوق في استصلاح الأراضي ومشروعات عملاقة على هذا الصعيد سواء الزراعات التقليدية أو الحديثة من صوب زراعية وغيرها..
ولم تعد مشروعات التشجير ترفا أو نوعا من الوجاهة وما إلى ذلك بل أصبحت ضرورة حياة على مستوى الفرد والجماعات أيضا. فإذا كان ينظر إليه على أنه تحسين للبيئة واضفاء نواحي جمالية فإنه ايضا يمكن أن يوفر مدخولات اقتصادية للفلاح وغيره.
فبعض المدن تهتم بالتشجير وتوسيع رقعة المساحات الخضراء لتحقيق عدة أهداف جملة واحدة منها إتاحة الفرصة للقيام برياضة المشي.وترى أن ذلك يخفف من الاعتماد على المواصلات خاصة في المسافات القريبة تحديدا.وترى بعض الإدارات أن ذلك يخفف أو يقلل من استخدام أجهزة التكييف في فصل الصيف.
وان يكون رافدا أساسيا لصناعات مهمة خاصة القائمة على الاخشاب كالاثاث وماشابه من أعمال نجارة وغيرها وهي تكلف الدولة المليارات عند الاستيراد..وهناك مشروعات طموحة تحتاج اساسا مشروعات التشجير وما هو أكبر مثل زراعة غابات خشبية وهي ضرورية لنجاح مشروع مثل مدينة الاثاث أو مدن الاثاث ولم لا وقد تعدى تعداد السكان المائة مليون وعشرة.
التشجير عصب رئيسي لكثير من المشروعات بل هو طوق الأمن والامان لها خاصة في قلب الصحراء.صحيح أن أصحاب المزارع والمشروعات المختلفة لا تغيب عن بالهم فوائد التشجير وأهميته..إلا أن الأمور تسير بشكل عشوائي في كثير من الأحيان بدون دراسة علمية تضمن تحقيق عوائد اقتصادية جيدة إلى جانب تحقيق الهدف من كونها مصدات للرياح أو تضفي مسحة جمالية للمكان أو تساعد في الارتقاء بالبيئة وتحسين الظروف المناخية وتلطيف الأجواء الحارة.
الجانب الأهم الخاص بالطرق والترع وهي مساحات ممتدة ومهيئة لثروات هائلة متعددة الأنواع إذا ما تحدثنا عن الثروة الخشبية من جانب أو الأشجار المثمرة بأنواعها والتى تصلح في البيئات المختلفة التى تميز محافظات مصر.
لم تكن افكار التشجير واستغلال الطرق والترع والمصارف غائبة أو بعيدة عن الفكر بل كانت حاضرة دائما ولكن تنشط حينا وتخمد فترات طويلة وتوجد في وزارة الزراعة إدارة خاصة تسمى الإدارة المركزية التشجير والبيئة.والان لدينا وزارة خاصة بالبيئة التشجير أحد اهتماماتها.
القضية الآن تحتاج إلى إعادة ضبط وأحياء بروح جديدة تتواكب والفكر العالمي والاهتمام المتصاعد بالبيئة وشئونها من ناحية والبحث عن اقتصاديات بديلة ووسائل للدعم وتحسين مستوى المعيشة للفرد على المدى القريب والبعيد وإضافة روافد حية لدعم الاقتصاد القومي.
وايضا مع التوجه الكبير نحو إنشاء المدن الجديدة وقرى ما يعرف بالظهير الصحراوي.عمليات التخطيط والتوسع أصبحت لا تستغني عن أعمال التشجير سواء لإضفاء لمسة جمالية أو لتوفير رئة خضراء تتنفس منها وتساعد في تلطيف الأجواء.
وهي مسألة باتت ضرورة عصرية تنبهت لها العواصم الكبرى في السنوات الأخيرة وبدأت تعيد النظر في نظم وطرق التشجير في الميادين الرئيسية وحتى الشوارع الجانبية والمثال على ذلك ما فعلته وتفعله العاصمة البريطانية لندن حيث يريد عمدة لندن تنفيذ مخطط استراتيجي حتى عام 2050 لتصبح لندن أكبر مدينة خضراء في العالم وقد أوكلت المهمة الى مهندس مصري شاب اسمه هاشم هاني يبلغ من العمر ٣١ عاما تخرج في كلية الهندسة عام ٢٢١٢.وعمل مدرسا بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية.
من المضحكات المبكيات في الحالة المصرية..أن مشروعات التشجير واخواتها استخدمت لعبة وورقة حزبية لمغازلة الجماهير أو بمعنى أدق للضحك على الدقون وتلبيس اللبدة التمام في دماغ السيد الزبون.
وكانت الوعود بالتعيينات وصرف المكافآت في مشروع التشجير نجم المرحلة ايام الحزب الوطني اياه ود.يوسف والي وكمال الشاذلي رحمهما الله..وتحول مشروع التشجير إلى أزمة حقيقية ومشكلة مزمنة بعد أن تكدست آلاف الطلبات بالتعيين في الإدراج وتوقفت المكافآت عند مبلغ هزيل أربعون جنيها فقط..وصل العدد إلى ما يقرب من الخمسين ألفا ومعهم عمال التقاوي والنخيل والفحص ولم تنجح اي جهود برلمانية أو سياسية في حل مشكلتهم على مدى سنوات من قبل يناير٢٠١١ وحتى اليوم.
وضاع التشجير واشجاره وأفكاره في الوباء ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
لم تكن مشروعات مثل الحزام الأخضر والغابات الشجرية حول القاهرة بأحسن حالا بل إنها دمرت تماما وتحولت إلى غابات صخرية بعد أن تحولت بقدرة قادر إلى أراضي بناء!!
نحن على أعتاب صحوة جديدة ومطلوبة بقوة للارتقاء بخطط ومشروعات التشجير لتتجاوز الفكرة البسيطة العبقرية..غرس شجرة الى الحلم بمشروعات قومية عملاقة قائمة عليها وحولها تفرضها أو تتولد من نوعيات الأشجار المثمرة وغير المثمرة بعيدا عن لعنة الفيكس واشباهها!
وهذا لن يتحقق إلا بإدارة واعية خلاقة مبدعة قادرة على استقطاب الشباب والمستثمرين واستنفار كل الجهود لخلق حالة مصرية جديدة تكون الأنموذج أمام أهل الأرض.
ليس المهم غرس شجرة ولكن الأهم من يرعاها ويتابعها ويجعلها تنبض بالحياة دائما..
انا لقادرون..والله المستعان.
Megahedkh@hotmail.com